شعارات أحمدي نجاد المعادية للغرب



*الحديث عن محو إسرائيل عن الخارطة ليس سوى شعار فارغ لا يمكن تطبيقه ولا هو مطلوب أصلا من ناحية المبدأ، وهو برغم عدم إمكانية تطبيقه وخداعه إنما يسيء إلى القضية الفلسطينية ولا يقدم للفلسطينيين أي شيء لا بل يضر بهم وبقضيتهم كما وتستفيد منه دولة الاحتلال أبشع استغلال من خلال استثماره في الأوساط الغربية من اجل الدعاية غير الأخلاقية التي تمارسها ضد الفلسطينيين*

   عندما انفجرت ثورة آية الله روح الله الخميني، أو كما يحلو للبعض أن يطلق عليها- الثورة الإسلامية – في إيران، كان يمكن ملاحظة أن صدى تلك الثورة لم يتردد في أي مكان على وجه الأرض  كما كان عليه الحال في البلدان العربية، برغم اختلاف اللغة والثقافة  والطموحات والمصالح، وبرغم - الطريقة الفريدة- لهذه الثورة إذا جاز التعبير، حيث تعودت الشعوب العربية على أنماط مختلفة من الثورة وعلى رؤية قادة في الأغلب من  العسكر، هم الذين يقودون تلك الثورات خاصة ضد الأنظمة التي كانت سائدة في الحقب السابقة، مثل ما حدث في العراق ومصر وسوريا.

 

    وبتقديرنا أن وقوف الجماهير في مختلف الأقطار العربية مع ثورة خميني جاء على أرضية العداء التاريخي الذي تكنه هذه الجماهير لنظام الشاه – كحليف أو ربيب للغرب-  الذي كان أفضل تمثيل للتبعية ورهن البلاد – والعباد- للأجنبي ، وللعلاقات المميزة التي تربط هذا النظام بالكيان العبري ولما تمثله إيران الشاه من تهديد للمنطقة العربية من خلال "دور البوليس في المنطقة"، القوة غير العادية التي كانت تتمتع بها من خلال كل الدعم الذي تتلقاه من الولايات المتحدة التي كانت تتعامل مع إيران تحت قيادة الشاه كقاعدة متقدمة لأميركا، خاصة في ظل "حالة العداء" التي كانت سائدة فيما كان يعرف بالحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي في حينه.


   
    ومنذ انطلاق ثورة خميني  ضد الشاه "المقبور" ظلت العلاقة الإيرانية الأميركية تتسم بالغموض وعدم الوضوح وخاضعة للكثير من التفسيرات برغم أن كل الشعارات التي تم رفعها من قبل تلك الثورة لم تتوقف أبدا عن " شيطنة" الولايات المتحدة باعتبارها الشيطان الأكبر، واعتبار أن  هذه "الولايات المتحدة" ليس سوى الشر بعينه، وأن  على العالم بكل قواه الخيرة والثورية أن يصطف من أجل مقاتلة أميركا إذا شاء أن يعيش بأمن وسلام وطمأنينة.

 

    تلك الشعارات التي ثبت عمليا بطلانها منذ ما عرف بقضية الرهائن الأميركيين الذين تم أخذهم من السفارة الأميركية في طهران،  والتي انتهت من خلال صفقة تمت بين قادة الثورة الجدد وبين وليام كيسي الذي كان مديرا لحملة ريغان الرئاسية والذي أصبح فيما بعد رئيسا لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، وذلك من اجل إسقاط جيمي كارتر في الانتخابات الرئاسية ، وقد قيل عن تلك الصفقة بأنه تم خلالها الاتفاق مع ريغان على أن يتم تأخير الإفراج عن الرهائن في مقابل أن يقوم ريغان بإعطاء إيران أسلحة تحتاجها في حربها ضد العراق.

 

    كما وتبين زيف تلك الشعارات  خلال الحرب العراقية الإيرانية الطويلة  وفضيحة إيران كونترا التي ثبت من خلالها أن الثورة الخمينية كانت تتلقى الأسلحة من إمبراطورية الشر الأميركية، وقد قال الرئيس الأميركي حول تلك الفضيحة- إرسال الأسلحة لإيران- بأنها  "كانت تتم لأسباب تتعلق بالسياسة العليا للدولة".

    كذلك فقد ثبت زيف شعارات الثورة الإسلامية في إيران  من خلال الطائرة التي تم إسقاطها في مثل هذا الشهر من العام 1981 بالقرب من الحدود التركية مع الاتحاد السوفييتي آنذاك وقيل أن تلك الطائرة كانت معبأة بالكامل بشحنة من الأسلحة الإسرائيلية التي كانت وجهتها لإيران. وعندما نتحدث هنا عن هذه الوقائع فانه إنما يأتي في سياق محاولة التوقف على الشعارات التي يرفعها النظام في إيران من مجمل قضايا المنطقة وعلى الأخص ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي والموقف الإيراني من إمبراطورية الشر الأميركية.

 

    والحقيقة أن ما دفعني للكتابة هو محاولات الترويج التي يقوم بها الكثير من المثقفين العرب لما يعتقدون بأنه حالة من العداء غير القابل للنقاش بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية إيران الإسلامية وأحيانا الخلط غير المبرر والذي قد يكون مقصودا أو بحسن نية بين ما هو ظاهر من عداء لأميركا في الخطاب السياسي الإيراني وما تقدمه إيران من دعم لحزب الله في المواجهة القائمة بين هذا الأخير وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي أو بينه وبين القوى الموالية للغرب في لبنان.

 

    أما الموضوع الآخر الذي يتم فيه الكثير من الخلط غير المبرر أيضا فهو في التعامل مع الموضوع النووي الإيراني. فبالرغم من أننا لا نعارض حصول أية دولة تستشعر بالتهديد أو بالخطر في  الحصول على كل وأي نوع من أنواع الأسلحة من أجل المحافظة على وحدتها وحريتها واستقلالها، إلا أننا نعتقد أن هذا لا ينطبق على الحالة الإيرانية. بمعنى، أن إيران في الواقع ليست مهددة من قبل أي من جيرانها، وهؤلاء الجيران وبعد أن حصل للعراق ما حصل، لم يعد بإمكان أي منهم أن يهدد الأمن القومي الإيراني، وعلى ذلك فإن المساعي الإيرانية للحصول على السلاح النووي ليست من اجل القضاء على الكيان العبري كما يدعي الرئيس الإيراني ويروج، هذه المقولة التي "هرانا" بها السيد أحمدي نجاد، على طريقة أحمد سعيد إذا كان احد لا يزال يتذكر ذاك " المأفون" الذي كان يطل على الأمة العربية مطالبا برمي إسرائيل في البحر.

 

    إن سعي إيران - بقيادة نجاد أو غيره - للحصول على السلاح النووي برغم أنه حق لا نقاش فيه بحسب ما نعتقد، إلا أن عليه- نجاد أو غيره-  التوقف عن استخدام الشماعة الفلسطينية في المساعي الإيرانية للحصول على ما يشاء من الأسلحة، برغم أننا نعتقد بأن مساعي نجاد في هذا السياق تأتي من اجل تخويف الأنظمة العربية "العاجزة والذليلة" في منطقة الخليج- العربي- الفارسي، وليس من أجل ضرب لا إسرائيل ولا غير إسرائيل، هذا عدا عن أن أحدا من أبناء فلسطين لم يخول السيد نجاد ولا غيره بان يضرب إسرائيل بالنووي  ولا بغير النووي. 

 

    إننا نعتقد بأن الرئيس الإيراني قد فهم  وهو الذي برز كما قيل خلال ثورة خميني  في إيران، والمطل على مشاعر العداء التي تكنها الشعوب العربية والإسلامية للولايات المتحدة الأميركية ولدولة الكيان العبري، يدرك بان اللعب على هذا النوع من المشاعر هو أفضل طريقة " لخداع " الجماهير، وهو يعلم بأنه تمت المتاجرة بهذا الشعار وبشكل ناجع على مدار السنوات الستين الماضية، وهو الشعار ذاته الذي استثمره الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عندما طالب العرب بأن يمنحوه قطعة ارض محاذية لإسرائيل من اجل "تحرير فلسطين من رجس الصهاينة" وهو يعلم علم اليقين أن هذا غير قابل للتحقق،  كما ويدرك السيد نجاد أن هذا الشعار يمكن أن يظل قابلا للتصديق طالما ظلت المسالة الفلسطينية بدون حل.

 

    إن الحديث عن محو إسرائيل عن الخارطة ليس سوى شعار فارغ لا يمكن تطبيقه لا عمليا ولا واقعيا ولا هو مطلوب أصلا من ناحية المبدأ، وهو برغم عدم إمكانية تطبيقه وخداعه إنما يسيء إلى القضية الفلسطينية ولا يقدم للفلسطينيين أي شيء لا بل هو يضر بهم وبقضيتهم كما وتستفيد منه دولة الاحتلال أبشع استغلال من خلال استثماره في الأوساط الغربية من اجل الدعاية غير الأخلاقية التي تمارسها ضد الفلسطينيين خاصة وان كثير من الشعوب لا تميز بين العرب وإيران وتضع الجميع في نفس السلة وتعتبر أن إيران جزء من الأمة العربية ومن الجبهة المعادية للدولة العبرية- المقصود هنا الجبهة العسكرية- .

 

وعودة إلى الشعارات التي رفعتها ثورة خميني ولا زالت فيما يتعلق بالشيطان الأكبر، وإذا كانت أميركا فعلا هي العدو الأساسي لإيران فالسؤال المطروح هو لماذا لا تستغل إيران وجود القوات الأميركية المحتلة للعراق من اجل قتال هذه القوات وإذاقتها شر هزيمة، أو ليس هذه هي الفرصة التي لن تتكرر لإيران من اجل تمريغ "انف" أميركا ووجها البشع بالوحل العراقي، لماذا لا تطلب إيران من أتباعها ورجالها وكل الأجهزة التي نجحت بإدخالها إلى العراق أن يقاتلوا القوات "الشيطانية"، ولماذا  يقتصر دور التابعين لإيران على ملاحقة الأحرار من العراقيين والضباط الذين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية، أو ليست هذه  مناسبة لإيران من اجل أن تثبت صدقية الشعارات التي ترفعها فعلا لا قولا في محاربة "الشيطان الأكبر".

 

    ومن المفارقات التي لا بد من التوقف عندها هي تلك الزيارة التي قام بها السيد احمدي نجاد للعراق خلال الأسبوع الماضي، تلك الزيارة التي من خلالها إنما بتقديرنا هو بارك هذا الاحتلال الأميركي للعراق عندما زار العراق التي تخضع كما نعلم ويعلم هو لاحتلال "شيطاني" بغيض ساهم هو وغيره من أنظمة "العربان" في تسهيله وانجازه. والسؤال الذي نرغب في توجيهه للسيد نجاد هو كيف كان شعوره وهو يحط في مطار بغداد برعاية أميركية وكيف كان شعوره عندما كان متحصنا مع "الصغار والعملاء" في الحكومة العراقية بالمنطقة الخضراء وتقوم على حراسته قوات المارينز وغيرها من القوات الأميركية التي لا تتوقف عن قتل أطفال العراق.

 

    إن مجرد القبول بزيارة العراق تحت الحراب الأميركية يتعارض مع كل الشعارات التي رفعتها الثورة الإيرانية وكل الزيف الذي نسمعه من السيد نجاد، هذا إذا ما "تعامينا" عن الدور المشبوه لكل الميليشيات العراقية المرتبطة بإيران عدا عن كل المحاولات التي تمارس من اجل تحويل جنوب العراق بشكل خاص إلى "حديقة" خلفية للنفوذ الإيراني.

 

    أما فيما يتعلق بالدعم الإيراني لحزب الله، فإننا نعتقد بأن هذا إنما هو جزء من اللعبة الإيرانية ذاتها وهي أيضا جزء لا يتجزأ من محاولات إيجاد موطئ قدم هنا أو هناك أو صراع المصالح ذاتها التي تمارسها كل الدول، هذا عدا عن أن الغياب العربي  سواء في الوضع العراقي أو في الوضع اللبناني هو ما أتاح لإيران أن تدخل بقوة من اجل تحقيق غاياتها وإيديولوجيتها الدينية، وان أي محاولة للحديث عن امة إسلامية واحدة إنما يأتي ضمن الأحاديث غير الدقيقة عن وحدة أمة الإسلام، لان هنالك أمم إسلامية لا امة إسلامية واحدة، وهي أمم من ثقافات ومصالح مختلفة، وإذا ما تضاربت مصالحها فإنها لا بد آتية إلى صدام وتحارب. واعتقد أن الاستعمار التركي أو العثماني الذي جثم على صدر امة العرب إنما هو دليل ساطع على تضارب المصالح لهذه الأمم الإسلامية، وعلى ذلك فان من المهم على مجموع المثقفين العرب أن ميزوا بين "آمالهم وما يشتهون" فيما يتعلق بمعاداة إيران للغرب وبين ما هو حقيقي وواقعي، وأن لا يتم الخلط بين ما هو جار على الأرض من احتلال إيراني للعراق وبين الشعارات التي يتم رفعها للاستهلاك، وهذا ما يمكن أن يقال عن الموضوع النووي أو العسكري بشكل عام.     

(كاتب فلسطيني – مقال خاص بـ الاتحاد)

رشيد شاهين*
الأثنين 17/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع