عروس الجليل توثيق لدرب طويل



الفيلم الوثائقي الذي أخرجه المبدع باسل طنوس  هو جزئية من حكاية وطن  ، هو تصوير لحالة – تصوير لفاطمة الهواري التي فقدت رجليها في النكبة ، وفي أثناء قصف ترشيحا في 28 أكتوبر 1948. فاطمة التي عانت طوال هذه السنين ، وهي تزحف من غير جريرة جنتها ، يزورها الطيار الذي ضرب ترشيحا بالقذائف ، ومن هو ؟ إنه إيبي نتان  ، قبل أن يكون من أنصار حركات السلام ، وقبل أن يعترف في مذكراته أنه كان يقذف القذائف في البحر  .
إيبي نتان حضر إلى ترشيحا ليعتذر للمرأة عما سببه لها من معاناة  ، ولكنها رفضت اعتذاره ، فقالت :
أسامحك إذا أعدت لي رجليّ .
قال لها : لا أستطيع ، فقد جرى ما جرى .
- إذن لينتقم منك الله ، وآمل أن أراك مشلولاً ، كما أنا الآن .
وتمضي المياه في الأنهار  ، وإذا بفاطمة تحتاج إلى إثبات أنها ضحية حرب ، وفي سبيل أن  تحصل على التأمين  الذي تستحقه ، تقرر فاطمة  السفر إلى تل أبيب حيث مسكن نتان  ، وذلك لكي تحصل على تصديق منه ، وخاصة بعد اعترافه ....
وهنا تحدث المفاجأة :
إيبي نتان مشلول ، وها هي تراه في هذه الحالة ، فتصدر منها أقوال وملامح التشفي ، وخاصة بعد أن رأت صورته وهو طيار في صدر بيته . ضحكت / سخرت / لهجت بحدة  ، وهو  يغمغم بكلمات غير مفهومة ، وظلت على قدرة التشفي وطاقته وسخريته النابعة من تاريخ معاناة  ، لكنها وفي لحظة إنسانية سألت عن حال  يده ، وأخذت تدلكها لكي يحركها نتان ، بل تضع يدها  على يده في موقف إنساني قد يرفضه  بعضنا ، لكنه بالتالي يصب في معنى إنساني ، وكأنه يقول : هناك حل آخر ، يا بشر !
هذه هي حكاية النص بإيجاز ، ولكن الملامح ، والشخصيات المرافقة ، ومناظر ترشيحا نهارًا وليلاً،  ومشاهد الركام والخراب الذي تركه القصف  ، ولقطات الإيحاء المصاحبة أرتنا كم كان هذا الفيلم جادًا ومسؤولآ ، ومميزًا ، وكم بذل المخرج فيه من جهد ورؤيا .

وأضيف :  ما أروعك يا باسل وأنت تضيف هذا المنظر المؤثر المثير – منظر الموكب الذي يحمل المشاعل، وكان ذلك سنة 2005  ، فكيف يمكن أن يُوثَّق هذا المشهد  لو لم يكن هذا الشريط ...رأيت صديقي صفوت عودة،  ورأيت أشخاصًا في المسيرة ممن أعرفهم ، فقلت : يا إلهي ، هؤلاء الأهل ، فماذا جرى لنا ، ولماذا ، ومتى ؟

 

استمعت  إلى الشاعر مروان مخول كما استمعت فاطمة إليه  وهي في بيتها ، وجماهير الشبيبة تستمع وتشارك ، وتنفعل ، وتنطلق الكنيسة وتلاوة القرآن من المسجد في إضفاء جو  عاطفي حزين .
وأقف الآن على أمور مؤثرة أخرى :
إهداء التصوير والفيلم إلى روح أحمد الهواري الذي كان يقدم الملاحظات والوصف لحكاية ما جرى من اعتداء غاشم .
لقطة تُبكي الذي  لا يبكي وهو يري منظر الطفلة التي حضرت في جولة مدرسية ، واستمعت  إلى رواية فاطمة ، وكيف انتشلوها من تحت الركام .
لقطة الطفلات الثلاث ، وهن يتحركن بعفوية ، جميلات معبّرات ، ومتابعات لمسيرة  ، وخاتمات لحكاية مفتوحة .

 

ولعل ما أثار إعجابي إلى درجة تحفيزي أن أزور ترشيحا وأحيي أمي فاطمة هو استعدادها لأن تكون بطلة الفيلم ، واستعدادها لأن يصور باسل خصوصيتها ، واستعدادها لأن تظل مثابرة على العهد وحفظ الوطن بأصالة .
ولا بد لأن ألاحظ أنه لم تكن هناك ضرورة لبكاء القريب الذي حظي بميراث فاطمة  الذي قد يوحي بأن لها ممتلكات بأيدي الآخرين  .
قلت لباسل وللحاضرين بعد أن شاهدت الشريط   :
 لقد أبدعت فأمتعت ، وقد أبدعت فلوّعت !

د . فاروق مواسي
الأحد 16/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع