الفنان أديب جهشان أسير يافا وأسير المسرح!!



*مسرح "السرايا" فتح باب المدينة القديمة لأهل يافا العرب* السرايا على الخارطة الفنية العربية والعبرية والعالمية* قال لي صليبا خميس: لماذا لا تدعون عرب الشمال لأن يسكنوا في المركز، مدينة يافا بحاجة لكوادر عربية لتقوية الوجود العربي* شخصيات خرجت من يافا، هشام شرابي، إبراهيم أبو اللغد، شفيق الحوت وآخرون* الفنان يجب أن يعمل ليس من اجل ذاته والفن إنما من اجل مجتمعه وشعبه* درست الفن في "بيت تسفي" عندما كان الشمال يقبع تحت الحكم العسكري*

 

من يدخل إلى مدينة يافا ويعش بين معالمها ويتعرف على أهلها، يعشقها ويقع في أسرها إلى الأبد، لديها قوة مغناطيسية تجذبك إليها، لتبقى بها العمر كله.. راودني هذا التفكير وأنا في طريقي لمقابلة الفنان المسرحي أديب جهشان، الذي أنتقل إلى هذه المدينة واستوطن فيها منذ سنوات عديدة، تاركا الشمال وكل الحركة الفنية النشطة فيها، ليقدم فنونه في هذه المدينة الرائعة..
وصلت إلى مسرح السرايا مع بدء أذان العصر، فوقفت استمع للآذان وأتأمل السياح الأجانب واليهود، وحركة الممثلين العرب واليهود، داخلين وخارجين من بناية المسرح، وأطفال يافا العرب يتوافدون مع ذويهم لمشاهدة مسرحية جديدة للأطفال.. عروبة المكان، كانت تصرخ وتنادي المبدعين العرب: تعالوا إلى هذه المدينة وحافظوا على أصالتها وعراقتها، فأنها تستحق منكم هذا الجهد.. والعديد لبوا النداء، وانتقل إليها عدد لا بأس به من الفنانين والمبدعين العرب، ومن هؤلاء الفنان أديب جهشان، الذي حصل مؤخرا على جائزة "لانداو" على مجمل مسيرته الفنية والتي قضى معظمها في هذه المدينة، وهو الآن يتولى منصب المدير الفني للمسرح..

 

*أسير يافا وأسير المسرح*

 


 
يقول جهشان: انتقلت للعيش والسكن في مدينة يافا في شهر أيلول عام 1977، وكان هذا لفترة مؤقتة، وبعد عام، قلت سأقضي سنتين إضافيتين، وبعدها مددت الفترة لخمس سنوات أخرى، على أن أعود إلى مسقط رأسي في مدينة حيفا، ولم أجد نفسي إلا وأنا ملتصق بهذه المدينة لا أريد أن أتركها.. شعرت أن يافا سيطرت عليّ.. اذكر أن صديقي صليبا خميس، قال لي في حينه: لماذا لا تدعون عرب الشمال للسكن في المركز، فمدينة يافا بحاجة لكوادر عربية لتقوية الوجود العربي.. قول صليبا أعجبني جدا.. وقد حصل وجاءت بعض العائلات، لكن هذا ليس كافيا، فعرب الداخل لم يعطوا هذه المدينة حقها.
ويضيف جهشان، وهو يعود بذاكرته إلى تلك الأيام الجميلة: تزوجت قبل قدومي إلى هنا بسنة، جئتها وأنا بسن (34) عاما ونيف، عمري قضيته هنا، هنا أقمت عائلتي وهنا ولد لي (3) بنات.. في الواقع جئت للعمل مع الأحداث، وما زلت مدير مؤسسة الأحداث، أعمل في هذا المجال كمصدر معيشة، ومنذ البداية، لم أستطع التخلي عن المسرح، كانت هناك محاولة لاستمرار العمل مع تجديد الحركة المسرحية في حيفا ومحاولة أخرى لإحياء مسرح "الناهض"، مع بعض الفنانين العرب، لم تكلل بالنجاح.. إلا أنه في نفس الفترة قمت بإخراج معظم أعمال مسرح "الجوال" في سخنين، والذي كنت أحد مؤسسيه.

 

*يافا هي الأصل*

وما زال جهشان يستذكر مدى تعلقه في هذه المدينة ويقول: قبل (20) عاما، أصدرنا صحيفة "يافا"، وكانت زوجتي المحامية تغريد أبو رحمة، وهي من مدينة شفاعمرو، رئيسة تحريرها، وهي ناشطة جدا في قضايا السجينات الفلسطينيات وموضوع المرأة وكانت المستشارة القضائية للوبي النسائي في منطقة تل أبيب، أصدرنا الصحيفة من مرة إلى أربع مرات في الشهر واستمرت لمدة (5) سنوات، وتوقفت بسبب شح الميزانيات.. كان لها صدى واسع في كافة أرجاء الوطن.. في فترة كانت مدن يافا واللد والرملة، مقطوعة عن التواجد العربي في الشمال، وكانت هذه الصحيفة منبرا لهذه المدن النائية، حيث شملت جميع المتطلبات الصحفية والفنية والأدبية وقضايا المجتمع وإيصال صوت يافا إلى المجتمع العربي فيها، في الوقت الذي كانت ظروف التنقل صعبة جدا.. من يأت إلى يافا ويتعرف عليها ير منذ متى بدأت الحضارة الفلسطينية ومدى تأثيرها على المجتمع الفلسطيني، حيث كانت بمثابة المنبر لوسائل الإعلام وشخصيات فلسطينية عديدة خرجت منها: هشام شرابي، إبراهيم أبو اللغد، شفيق الحوت وآخرون..

 

*فتحنا أبواب المدينة القديمة عن طريق المسرح*

عن رؤيته في مشروع مسرح "السرايا"، يقول جهشان: أرى ان إقامة هذا المشروع العربي وبالذات في البلدة القديمة له مدلول خاص على تواجدنا العربي هنا، فهو همزة وصل بين المدينة وأهلها مع الفلسطينيين داخل حدود (48) وفي مناطق السلطة الفلسطينية، للتعرف على ملامح المدينة.. وفي نفس الوقت، أتاح لأهل المدينة العرب مشاهدة المسرح بكل حرية وفتح باب المدينة القديمة لهم.
في يافا هناك عدة أنشطة تقتصر على بعض الفئات، لذلك، يعتبر مشروع المسرح أحد أهم المشاريع التي حدثت في هذه المدينة، حيث أنه مستقل وغير تابع لأحد، والعاملين به من جميع القطاعات اليافوية.. "يافا هي جسر إلى الأبد في علاقة المدينة وتواصلها مع مجتمعنا العربي في الشمال والجنوب" وعلى هذه الأسس يعمل مسرحنا. فهو من ناحية فنية ومنذ تأسيسه نرى أنه في جميع انتاجاته يحمل مضامين إنسانية وسياسية وفنية راقية وهذا ما وضع المسرح على الخارطة الفنية المحلية والعالمية وفي العالم العربي، انتاجاتنا الفنية، تدل على قدرات الأشخاص المحترفين والعاملين في هذا المسرح، فمسرح بدون عناصر إنسانية لا وجود له.

 

*السرايا يخلد السرايا القديمة والجديدة*

عن المكان يقول جهشان: هذا المكان هو بناية السرايا القديمة، بنيت منذ (600) عام للحاكم التركي، القسم العلوي متحف يافا، وغربا مصنع الصابون القديم لصاحبه "دميانو" وهو مغلق، سمي السرايا قبل أن نعرف انه السرايا بناءا على السرايا الجديدة التي فجرت عام 48 وكان هناك ملجأ للأطفال وأحببنا أن نخلد مركز "السرايا" الجديد فأطلقنا على المسرح أسم "السرايا" وتفاجأنا انه في نفس المكان كانت السرايا القديمة.

 

*ثالثة الأثافي*

اتذكر صاحبنا سميح القاسم في ثالثة الأثافي- يقول جهشان- هنا (3) أشخاص يمثلون الركائز للمسرح وهم: أكرم حلو، روح المسرح ويدير الشؤون المادية، فهو مدير الحسابات، ومحمود دسوقي المدير العام، والثالث هو أديب جهشان المدير الفني، يعمل على ادارة السياسة الفنية للمسرح، هذه هي القاعدة الأساسية للمسرح وعندنا لجنة فنية وإدارية وكل لجنة تعمل في مجالها لمصلحة المسرح، وعلى ثلاثة الأثافي هذه يقعد دست مسرحنا وما بداخله.

 

*من وادي لوادي!!*

يعود بنا جهشان لمسقط رأسه، فيقول: ولدت في مدينة حيفا عام 43، وعند النكبة رفض أبي بطرس جهشان أن يترك حيفا وأن يصبح لاجئا، أخذتنا أمي وسافرنا إلى عكا وهناك أقمنا عدة أشهر، حتى بعد سقوط مدينة عكا، وطبعا لم تكن هذه الفترة سهلة، مررنا في طريق آلام صعبة جدا، حرب واعتقالات، واستطعنا أن نجمع العائلة مع الوالد والعودة إلى حيفا ومكثنا في وادي الصليب في منطقة درج طارق.. رجعنا إلى نفس البيت الذي هججنا منه، وكان خالي كليا من الأثاث وكان على العائلة أن تبني حالها من جديد، وبعد فترة انتقلنا إلى وادي النسناس فهناك كان تجمع العرب، وادي الصليب سكنه قادمون جدد من المغرب وكان صعب الحياة مع المغاربة، كان عندنا مقهى صغير هجموا على أخوتي وكان فيه مرطبات والوضع كان صعب، نحن (10) أخوة (4) شباب و(6) بنات، موزعين: أخ وأخت في كندا وهناك من توفي ولي أخوان وأخت في حيفا وأنا في يافا.. مكثت (34) سنة في حيفا، درست في المدرسة الحكومية وبعدها بالمدرسة الإنجيلية وبعدها في "التخنيكوم" في حيفا وبعدها في "بيت تسفي" وبعدها في لندن سنة ونصف، وبعدها في مدرسة يافا الحياتية!!

 

*دراسة المسرح تحت نظام الحكم العسكري*

لم اعرف أن كنت سأكون رساما أو ممثل، كنت هاويا للرسم والتمثيل في المدرسة، في الواقع الروح موجودة والقرار اتخذ سنة (63) حتى اعمل في الفن المسرحي، لم يكن قرارا سهلا، نويت أن أسافر إلى خارج البلاد، لكن الأهل رفضوا، كوني صغير بين الشباب، وكان هناك المسرح البلدي العبري قد بدأ عمله في حيفا، وكنت اذهب لمشاهدة المسرحيات وطلبت أن انضم للعمل معهم، وكان الشرط أن ادرس الفن، وجئت من وادي النسناس أنا ويوسف فرح، لدراسة الفن في رمات جان، ولن أنسى عندما درسنا في بيت تسفي كانت مناطق الشمال تقع تحت الحكم العسكري وكان اللقاء الأول مع العرب ولم يعرفوا كيف يهضمونا، ودرسنا موضوعا أصلا غير موجود وكأننا ذهبنا إلى صحراء.. وبعد إنهاء الدراسة الفنية- 3 سنوات- كانت محاولة لإقامة مسرح في الناصرة وأنتج عملان، وفي نفس الوقت قمت في حيفا على تدريب مجموعة شباب فن المسرح، كان في عامي 66 و67.

 

*أول مسرح عربي محترف*

عن أول مسرح محترف داخل حدود (48) يقول جهشان: كان لا بد من العمل على إنشاء مسرح، بعد أن تركت مجموعة الأصدقاء في الناصرة العمل معنا وذهبوا وعملوا في التلفزيون الإسرائيلي: أنطوان صالح ويوسف فرح، بقيت على الساحة لتنشيط الحركة المسرحية في حيفا وهنا بدأ مسرح الناهض في عام (76) وعمل (10) سنوات، خلال هذه السنوات اعترف به رسميا لقدراته الفنية وتقرر تحويله إلى مسرح محترف ويعامل كمسرح مستقل بالتعاون مع "بيت الكرمة" أرادوا لنا مؤسسة لتدير المسرح ماديا على أن يبقى مستقلا فنيا، المسرح مر مرحلة صعبة جدا والرباط لم يدم طويلا وعاد إلى ما كان عليه، هاويا بدون دعم وتركنا المال لبيت الكرمة..
فريال وحبيب خشيبون، مكرم خوري، حسن شحادة، رفول بولص، عادل أبو ريا، عبد الشعبي، سمير البيم، المرحوم وديع منصور، عصام خوري، سمية زهر، فيليب عبود، سليمان سويد، مصلح فرح، يوسف عبد النور، بشرى قرمان، كل هؤلاء وضعوا أسس المسرح العربي في البلاد، ثم أنضم إلينا إميل روك وغسان عباس ومنهل مصري وآخرون استقطبناهم داخل المسرح من جميع القرى والمدن العربية ووجدوا لهم بيتا، ومن خلال "الناهض" وضعنا كلمة مسرح على الخارطة الثقافية في بلادنا هنا.. وكان توقفنا بسبب عدم وجود دعم مادي..

 

*مسرح عربي في مدينة نابلس!*

يحلم جهشان ويقول: حلمي أن استمر في مسيرتي المسرحية وأحلم بإقامة مسرح في مدينة نابلس وكانت النية قائمة قبل الانتفاضة الثانية وبدأت الاتصالات التي لم تتم، وأتمنى أن تهدأ الأوضاع حتى نحقق هذا الحلم.. زرت نابلس عدة مرات ويجب إحياء الأنشطة الفنية بها فهي مدينة مركزية وتذكرني في مدينة الناصرة..

 

*تقلباتي الحسية*

يفكر جهشان ويتأمل، ثم يقول بشجن: وضع شعبنا الفلسطيني تحت الاحتلال يحزنني كثيرا، شعب بأكمله يعاني من الجوع، لم يأخذ حريته بعد ولا حقه ولم يتحقق حلمه.. وأفرح عندما تتحقق كل هذه الأشياء.. على المستوى الشخصي سعيد جدا في عائلتي زوجتي وبناتي "نغم" و"نوا" و"ناي"، وهن يعطونني القوة لاستمرار عملي ونشاطي في المجال الفني طبعا كل هذا بدعم زملائي في الإدارة والمسرحيين في مسرح السرايا.
أوجه كلمة لإخواني الصحفيين: تعالوا زوروا هذه المدينة اكتبوا عنها وعن أهلها وسكانها ولا تكتفوا بعمليات النسخ من الصحف العبرية عندها ستعتبر هذه الصحافة صحافة تستحق الوجود، صليبا خميس كان يعرف أنها صحافة نسخ، صحافة يوم الجمعة عن المغنين أن تقوم الصحافة بدور اكبر في حث الجمهور لدعم المسارح الجيدة في البلاد فممثلونا يتعبون كثيرا..
أومن أن الفنان يجب أن يعمل ليس من اجل ذاته والفن، إنما من اجل مجتمعه وشعبه ثقافيا وحضاريا وسياسيا، وأومن أنه من حقنا كمجتمع عربي في إسرائيل أن نحصل على المساعدات الملائمة كما هو الوضع في المسارح العبرية أن يعمل الفنان العربي بكرامة مثل زميله اليهودي في المسرح العبري.

 

*وأخيرا عن جائزة لانداو*

وعن الجائزة التي حصل عليها مؤخرا، يقول جهشان: الجائزة كانت مبادرة جيدة وقرارا ايجابيا من هيئة التحكيم واشكر اللجنة الفنية التي بثت الموضوع في "لانداو" وأشاروا بتوصية لي وآمل أن لا أكون أول وآخر عربي يحصل على هذه الجائزة، فيجب أن يحصل عليها عربي في كل عام وهذا حق لنا، فنحن لا نقل بالمستوى الفني عن أي فنان آخر وان تأخذ مؤسساتنا بعين الاعتبار تكريم الفنانين العرب والحصول على جوائز تقدير لسيرتهم الفنية وهذا تشجيع للفنانين الذين أعطوا بما فيه الكفاية كل واحد حسب مجاله الفني المختلف.

تقرير: ميسون أسدي
السبت 15/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع