الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2008: بلير أمريكي أم بوش ثالث؟



* هل عارض أوباما الحرب على العراق تكتيكيًا فقط، وعن أي "تغيير" يتحدث؟ * ما الفرق بينه وبين ماكين في الملف الإيراني والشأن الكوبي؟ * كيف يستوي دفاع أوباما عن "ثوابت إسرائيل" مع تعاطف معظم السود مع القضية الفلسطينية؟ * هل ستغيّر كلينتون معاهدة "نافتا"، وماذا يفعل مستشارو زوجها السابقون في طاقم منافسها؟ * لماذا يتهم بعض المحافظين ماكين بالخيانة، ويعتبر اليساريون أوباما "خائنًا في طور النشوء"؟ * وكيف يؤلب اليمين الأقليات ضد بعضها في قضية الهجرة؟ *


 


تستحوذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع إجراؤها في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل على اهتمام كبير في مختلف أنحاء العالم. ومع أنّ معظم هذا الاهتمام ينصبّ على شخوص المرشّحين أكثر من برامجهم وطروحاتهم السياسية، فمن الأهمية بمكان التعمُّق أكثر في الفروقات، الشكلية منها والفعلية، بين المرشحين الثلاثة الأساسيين - هيلاري كلينتون وبراك أوباما في الحزب الدمقراطي، وجون ماكين في الحزب الجمهوري – في عدد من الملفات الساخنة المطروحة على جدول الأعمال الانتخابي.
من نافل القول إن ما سيحدّد السياسات الأمريكية بعد الرابع من تشرين الثاني لن يكون أهواء الرئيس/ة الجديد/ة. وحتى لو توافرت لديه/ا رغبة في إحداث تغيير سياسي أو اقتصادي ما، فإن هذا سيظل مشروطًا بتناغمه مع المصالح الاقتصادية التي يمثلونها، وبانسجامه مع النخب الحاكمة في الكونغرس وغيره.
ولا شك في أن دخول أوباما المعترك الانتخابي يزيده إثارة، كونه أول مرشّح أسود، من جهة، وبسبب الروح الجديدة التي يبثها ووعوده المتكرِّرة بـ"التغيير" الذي هو شعاره المركزي في الحملة الانتخابية، من جهة ثانية.

 

* العراق


في السياسة الخارجية، كانت الحرب على العراق واحتلاله العنوان الرئيسي في فترتيّ رئاسة جورج بوش الابن. ونجد في هذا الخصوص أنّ المرشّح الجمهوري ماكين من أبرز المدافعين عن حربجية بوش وسياسته في قضايا "الأمن القومي" الأمريكي. وقد صرّح ماكين أكثر من مرة أنه "سيطارد أسامة بن لادن إلى أبواب الجحيم". ليس غريبًا إذًا أن يدعمه بوش ويصفه بأنه "محافظ حقيقي" و"صلب جدًا في مواضيع الدفاع الوطني". ويشير محللون إلى مركزية موضوع العراق في حملة ماكين الذي سيصوَّر الانسحاب كهزيمة للأمريكيين وانتصار لتنظيم "القاعدة"، معوِّلا على أساطير البطولة الأمريكية وكونه محاربًا سابقًا في حرب الفييتنام. وقد تحدّث ماكين عن إبقاء قوات الاحتلال في العراق "مئة عام"، وهو ما يدعِّم الادعاء بأنّ ماكين هو "بوش الثالث"، وأنّ فوزه سيكون بمثابة "ولاية ثالثة لبوش".
وفي الحزب الدمقراطي يقول المرشحان إنهما يسعيان إلى سحب قوات الاحتلال الأمريكي من العراق. وأوباما – الذي يتحدَّث عن سحب القوات خلال 16 شهرًا من توليه الرئاسة - يُعتبر على يسار كلينتون في هذه القضية، حيث كان صوَّت ضد الحرب في الكونغرس وألقى خطابًا في تظاهرة مناوئة للحرب أواخر العام 2002. ولكن قوى اليسار تأخذ على أوباما معارضته للحرب تكتيكيًا وليس ضد التدخّل العسكري الأمريكي. كما أنّه صوَّت أكثر من مرّة لاحقًا على إقرار تمويل الحرب وزيادة القوات، وقام بزيارة للعراق المحتل في يناير 2006 أعرب فيها عن دعمه "لقواتنا المسلحة". وقد جاء ردّ أوباما على ماكين بشأن القاعدة بأنه "لم يكن هنالك وجود لما يسمى القاعدة في العراق إلى اللحظة التي قرر فيها الرئيس بوش وماكين اجتياح هذا البلد".
أما كلينتون التي أيّدت الحرب في حينه فتسعى إلى إبراز عدم خبرة منافسها في قضايا الأمن القومي (التي سيركّز عليها الجمهوريون) وتتهمه بأنه غير قادر على الاستجابة لأزمة عاجلة في السياسة الخارجية، وترميه بالشعبوية وتهزأ من خطاباته الحماسية الرنّانة التي جذبت الجماهير وجعلته ينتصر عليها في العديد من الولايات حتى الآن. وتبرِّر كلينتون دعمها للحرب بـ"إيمانها بنجاعة الدبلوماسية الخشنة".

 

* القضية الفلسطينية وملفات أخرى


وتبرز فروقات هامة في التعاطي مع قضايا خارجية أخرى. ففيما يتّخذ ماكين مواقف متطرّفة حيال دول "محور الشرّ" - كما يسميها بوش – كوبا وكوريا الشمالية وإيران، يُبدي أوباما "استعدادًا للحوار" مع هذه الدول ولقاء قادتها "دون شروط".
وبرز هذا التباين، في الشأن الكوبي مثلا، في تمادي ماكين على القائد فيدل كاسترو وتمنيه الوقح له بالموت بقوله "آمل أن تتاح له فرصة لقاء كارل ماركس سريعًا"، معتبرًا موقف أوباما "ساذجًا في الدبلوماسية الدولية".
أما في الملف الإيراني، ومع أنّ المرشحين الثلاثة "لا يستبعدون أي خيار"، في إشارة إلى إمكانية شنّ هجوم على إيران بذريعة برنامجها النووي. إلا أن تصريحات سابقة لأوباما كانت أقل حدّة في هذا الصدد. وبالمقابل يسوِّق ماكين نفسه كـ"أفضل من سيتصدَّى لإيران"، خاصة حين يكون المستمعون من إسرائيل أو من القوى واللوبيهات المؤيدة لها.
وفيما يخصّ الصراع العربي-الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية تحديدًا، أعربت جهات صهيونية ويهودية داخل الولايات المتحدة غير مرَّة عن "قلقها" إزاء صعود أوباما وإمكانية تحوّل ترشّحه من مجرّد ألعوبة انتخابية إلى بديل جدّي. وشهدت الآونة الأخيرة عدّة محاولات لوصمه بمعاداة الساميّة والتقوّل حول أصوله المسلمة، وهو ما ينكره أوباما بشدّة سعيًا منه لكسب تأييد اليهود الأمريكيين ذوي الميول الدمقراطية بغالبيتهم الساحقة، وتلافيًا لكسب عداء اللوبي الصهيوني ذي التأثير النافذ في النظام السياسي والاقتصادي الأمريكي.
ومع أن معظم أنشطته ومواقفه وتصريحاته في الكونغرس تمحورت على الواقع الداخلي في الولايات المتحدة، إلا أن سِجل أوباما في قضايا المنطقة لا يختلف جوهريًا عن كلينتون أو ماكين. حيث يتحدث عن "ضمان يهودية إسرائيل"، ويرفض حق العودة، ويدعم عدوانية إسرائيل في لبنان وغزة، ويشترط أي تقدّم سياسي بـ"تدابير تحقّق أمن إسرائيل". وقد استمات أوباما لدرء أي ادعاء يموضعه دون الحد الأدنى المعمول به في السياسة الأمريكية في مجال دعم إسرائيل وامتداح "دمقراطيتها" وتأكيد عمق وإستراتيجية وحيوية التحالف الأمريكي الإسرائيلي.
ويُشار إلى أنّ مواقف الأقلية السوداء في الولايات المتحدة، والداعمة بغالبيتها لأوباما، تختلف جذريًا عن السياسة الرسمية الأمريكية وحتى عن الرأي العام الأمريكي في كل ما يتعلق بالتعاطف مع القضية الفلسطينية والانحياز الأعمى لإسرائيل. ويشير بعض المراقبين إلى تباين معيَّن بين ما يضطر أوباما إلى التصريح به كمرشّح وبين ما قد تكون عليه سياساته إذا ما انتُخب فعلا. وقد أعرب أوباما في هذا الخصوص عن أنه، كرئيس، سيتداخل أكثر لدفع العملية السلمية.
وفي قضية "اتفاقية التجارة الحرة" (نافتا) التي صادق عليها الكونغرس عام 1994 (في عهد بيل كلينتون) وتشمل كندا والمكسيك والولايات المتحدة، والتي هي موضع نقد الطبقات المستضعفة، يتحدث المرشّحان الدمقراطيان عن "إعادة دراستها"، لكن كلينتون تتهم أوباما بانتقادها في العلن بينما يقوم مستشاروه بطمأنة كندا بصددها سرًا، مؤكدين أن معارضة أوباما لها لا تتعدَّى كونها دعاية انتخابية.

 

* الملفات الداخلية


ورغم مفصلية القضايا الخارجية، يذهب المحللون إلى أنّ قضايا اقتصادية واجتماعية "داخلية" ستتصدَّر بؤرة الاهتمام، أبرزها قضية الهجرة والاقتصاد والرعاية الصحية.
ويعتبر ملف الهجرة الأكثر سخونة، حيث يقدَّر عدد مهاجري العمل (أو "المهاجرون غير الشرعيين" في القاموس الأمريكي) بنحو 12 مليون إنسان، سوادهم الأعظم من دول أمريكا اللاتينية، لا يحملون وثائق قانونية تمنحهم الإقامة القانونية. وتتحدث الإحصائيات المُعتمدة عن مليون مهاجر "قانوني" يدخلون الولايات المتحدة الأمريكية، ونحو ما 500 ألف إلى 800 ألف مهاجر "غير قانوني"، سنويًا.
ويسعى اليمين إلى استغلال الحساسيات العرقية والإثنية في أوساط الأقليات لتأليبها على بعضها البعض وحثها على اتخاذ مواقف متشدّدة ضد مهاجري العمل. بزعم "خوف ذوي الأصول الأفريقية من العصابات اللاتينية"، و"إحباط ذوي الأصول الآسيوية من تدفق حاملي شهادات الثانوية العامة في المكسيك في الوقت الذي ينتظر فيه أقاربهم من حاملي الشهادات الجامعية سنوات كي يهاجروا إلى أمريكا". ويزعم اليمين أن أغلبية الأمريكيين "يريدون إغلاق الحدود الآن قبل غد".
ويشير أوباما إلى أن "السياسيين نجحوا في استخدام قضية الهجرة في شرذمة الرأي العام الأمريكي، وليس من أجل البحث عن حل لتلك القضية"، ولكن الخطوات التي يقترحها هي تعزيز الحدود الأمريكية أمنيًا، حيث دعم قانون تشييد سياج أمني على الحدود الأمريكية عام 2006 وأيّد زيادة عدد أفراد حرس الحدود وتزويدهم بكافة الوسائل التكنولوجية الحديثة. كما يدعو أوباما لنظام صارم للعمالة وفرض عقوبات وغرامات على أصحاب العمل الذي يشغّلون "المهاجرين غير الشرعيين".
ولا تختلف كلينتون كثيرًا عن أوباما في هذا الملف. إلا أنها تستثمر هجمات 11 أيلول لتبرير هذا التشدّد، الذي طالما انتقد الدمقراطيون إدارة بوش بصدده وبصدد أساليبها الفظة في التعامل مع المهاجرين. وقد صوّت المرشّحان الدمقراطيان في السابق على بعض التشريعات التي تُجيز للمهاجرين وأبنائهم بعض الحقوق المدنية في مجاليّ التعليم والصحة.
أما الجمهوري ماكين، فقد اتخذ موقفًا لبراليًا نسبيًا (قياسًا بحزبه والجناح الأكثر محافظة فيه)، ما بين تعزيز الحدود الأميركية وتمتع بعض المهاجرين ببعض الحقوق والواجبات. ويربط ماكين، شأنه شأن كلينتون، قضية الهجرة بقضايا الأمن القومي الأميركي.
وبالمجمل، يمكن القول إن طروحات المرشحين الثلاثة في موضوعة الهجرة متقاربة جدًا، وتميل إلى الجناح الأقل تطرُّفًا لدى الجمهوريين.
وبالإضافة إلى ملف الهجرة، يبدي الناخبون الأمريكيون اهتمامًا كبيرًا أيضًا بقضايا اجتماعية واقتصادية أخرى، أبرزها مسألة الرعاية الصحية والتأمين الصحي. حيث يزعم كل من كلينتون وأوباما أنّ لديه برنامجًا يسمح بتغطية أكبر عدد ممكن من الأميركيين بالتأمين الصحي.
فبرنامج أوباما يطلب من الآباء فقط أن يحصلوا على تغطية لأطفالهم، فيما تطالب كلينتون بأن يكون إلزاميًا على كل شخص. والخلاف هنا هو أنه بدون التأمين لن يدخل كثير من الناس خاصة أولئك الأصغر سنًا والأوفر صحة في التغطية، ولكنهم يستطيعون دائمًا الحصول على التأمين في المستقبل.
وبالنسبة للضرائب يشدّد الجمهوري ماكين على خفضها، فيما يتحدّت أوباما عن فرض المزيد منها "على الأغنياء" من أجل تمويل البرامج الاجتماعية. ولكن أوباما يشير أيضًا إلى "الضغوط السكانية على تمويل الضمان الاجتماعي"، وهو ما اعترضت عليه قوى اليسار واعتبرته بمثابة "ورقة في أيدي المحافظين".

 

* "لبراليّة" ماكين و"بليريّة" أوباما


إلا أن بعض مواقف ماكين تسبِّب له المتاعب بين الجمهوريين المحافظين الذين يعتبرونه "متساهلا أكثر من اللزوم" ويشكّكون في سعيه للحد من الهجرة غير الشرعية. فبالرغم من تأييده الثابت لحرب العراق ومواقفه المحافظة في المواضيع الاجتماعية كالإجهاض وزواج مثليي الجنس، تأخذ عليه القاعدة الجمهورية، ولاسيما الإنجيليين ومراقبين محافظين نافذين "ابتعاده عن خط الحزب" المتشدِّد.
وقد بلغ هذا حدَّ اتهام بعض المحافظين المتطرّفين لماكين بالخيانة، وبأن تسميته كمرشح رئاسي قد "تدمِّر الحزب". ويتخذ هذا منحًى جديًا لأن إقبال الإنجيليين على التصويت أو عدم إقبالهم سيكون حاسمًا، علمًا بأن تصويت هؤلاء لصالح بوش كان العامل الحاسم في انتخابه مرتين للبيت الأبيض. فالإنجيليون يشكلون حوالي خمس السكان في الولايات المتحدة وتُقدّر نسبتهم من بين القاعدة الانتخابية للجمهوريين بالثلث على الأقل. كما أنّ نشاطهم الانتخابي وتبرّعاتهم السخيّة تعتبر ركائز أساسية لأي مرشح جمهوري.
ولكنّ ماكين ليس الوحيد الذي يحظى بانتقادات من داخل معسكره. فقد بدأت ترتفع أصوات الاحتجاج في الجناح الليبرالي في الحزب الدمقراطي وفي أوساط اليسار،  بشأن توجّه أوباما المتسارع نحو الوسط، وتقاربه مع طروحات كلينتون والحزب الجمهوري. ويري المتحرّرون مثلا أنه إذا كان أوباما يعتقد أنه يستطيع التوصل إلى تسويات مفيدة مع أولئك الناس، "فهو إما بريء جدًا للقيام بهذا النوع من العمل، وإما خائن في طور النشوء".
وقد أحاط أوباما نفسه بالعديد من المستشارين الذين يعتبرون توفيقيين في القضايا الاقتصادية. أحد هؤلاء المستشارين هو روبرت رايش (أستاذ الاقتصاد في جامعتي هارفرد وبيركلي، والذي كان أشغل منصب وزير العمل في ولاية بيل كلينتون الأولى)، الذي يقول في مقالة نشرها في إحدى الدوريات الفرنسية، إن الولايات المتحدة "تنحو نحوًا اقتصاديًا أوليغارشيًا يجمع بأيدي قلة الثروة والسلطة السياسية"، وإن شعار التغيير الذي يرفعه أوباما لم يكن لينجح "لولا يقين كثرة من الناس أن الديموقراطية لا تؤدي مهماتها على الوجه المأمول والمتوقع". أي أن الحديث يجري عن تغييرات في إطار المنظومة الرأسمالية، تسعى إلى التخفيف من حدة تناقضاتها لا أكثر.
ويطرح محللون يساريون مقاربة مثيرة، تستحضر "علاقة الحب والكراهية" التي انتهجها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير مع حزب العمال القديم في بريطانيا، والذي اعتبرته مجلة "الإيكونومست" على "أغرب محافظ يتم ترويجه".

رجا زعاترة
السبت 15/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع