مواطنون لا بلد لهم: لاجئون في الجنوب، جدران في الشمال



عندما أستمِع إلى فيليب لوكليرك، المسؤول في المفوضية العليا للاّجئين، وهو يصِف أحوال "البدون"، هؤلاء البشر بدون هوية وبالتالي "بدون وطن"، كيف لا أفكّر بجدَّي الواصلَين إلى فرنسا عام 1928 قادمَين من تشيكوسلوفاكيا وأوكرانيا، عبر النمسا... كي يُعتبروا "بلا وطن" apatrides فور دخولهما الأراضي الفرنسية. وقد كاد طلب تجنيسهما أن يتمّ عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية، لكن الأمور أخذت منحىً آخر مع وصول الجيش الألماني والاحتلال.
فكان عليهما الانتظار حتى العام 1948. وخلال العشرين عاما، وباستثناء فترة الحرب، كانا مسجّلَين ويحملان أوراقا رسميّة وقادرَين على العمل والاستفادة من نفس حقوق المواطنين الفرنسيين.
ليس أكيدا بأنّه، وبعد مرور ستين عاما، قد أصبح الوضع الدولي الحالي "مؤاتٍ" كما كان وقتها. فالذين لا وطن لهم غير موجودين بالنسبة لأيٍّ من البلدان، وهم بالتالي غير مرئيين إلا إذا اعتمدت آلية عملانية للتعرّف عليهم. وهذا ما حصل منذ بدء العمل بمعاهدة 1961 عام 1975 - ستة بلدان فقط كانوا قد صادقوا على الاتفاقية في تاريخه... لكن الغالبية العظمى من هؤلاء ما تزال تعيش في الظلّ، على هامش أيّ مجتمع، وليس لها في كلّ حال أي حقٍّ في التربية والمدرسة أو الصحّة.
حقّقت بعض البلدان في آسيا والخليج مؤخرا تقدّما سياسيا وتشريعيا هامّا على هذا الصعيد. لكن لا شك بأن النيبال هومن طوى صفحة تاريخية. ففي تشرين الثاني 2006، صوّت هذا البلد الجبليّ الصغير على قانون مواطنيّة يسمح، في العام المقبل، لـ2,6 مليون نسمة (من أصل 3,4) بالحصول على المواطنية النيبالية. تايلاند بدورها بدأت بتجنيس سكانٍ لا يمكن للدولة نفسها إحصاءهم، إذ يتراوح عددهم، وفق المصادر الرسمية، ما بين 800 ألف ومليونَي شخص.
في أوروبا، حوّل زوال الاتحاد السوفييتي عام 1991، مئات آلاف المواطنين السوفييت إلى أشخاصٍ بلا وطن. ففي ليتوانيا، مطلع القرن، رُفِضَت الجنسيّة لحوالي 600 ألف روسي- ما زال عددهم حتى اليوم 400 ألفا.
المحفوظات تدلّ على حماوة السجال، كما تعبّر عنه بعض الرسائل ذات "الأسلوب المباشر" الموجّهة من حكومة ليتونيا إلى المفوضية العليا للاجئين، في نهاية التسعينات، لتنكِر على هذه المفوضية حقّ تسمية "بلا وطن" من تسميهم الحكومة "لا مواطنين".
أخيرا، في الدومينيكان وسريلانكا، هناك يدٌ عاملة بارزة للعيان تعمل في المزارع دون التمتّع بالجنسية: إنّهم في الحالة الأولى، من الهايتيين المقيمين منذ زمنٍ طويل في مزارع قصب السكر في الدومينيكان، وفي الحالة الثانية، عمالٌ من أصول هنديّة (تاميل نادو) في مزارع الشاي في سريلانكا: مئات آلاف الأشخاص هنا وهناك. والحكومة الدومينيكية المُدانة من قبل المحكمة الأميركية المشتركة لحقوق الانسان، تثابر على رفض إعطاء الجنسية للأطفال المولودين من أهلٍ بلا وطن، بالرغم من أن حقّ الأرض هو السائد في أميركا اللاتينية.
وتقدّر المفوضية العليا للاجئين عدد من لا وطن لهم في العالم بـ8,5 مليون شخص مع اعترافها بأنّ العدد قد يصل إلى 15 مليونا...

 

فيليب ريكاسيفيتش
السبت 15/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع