ألمهام الاساسية لجولة ديك تشيني في المنطقة!!



في مطلع الاسبوع القادم، في السادس عشر من شهر آذار الحالي، وحسب اعلان البيت الابيض الامريكي، ينطلق نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني في جولة مكوكية الى منطقة الشرق الاوسط تشمل لقاءات المسؤولين في اسرائيل والمملكة العربية السعودية وعُمان والسلطة الوطنية الفلسطينية وتركيا. وتندرج هذه الجولة لنائب رئيس الادارة الامريكية المعروف بانه من اكثر صقور اليمين المحافظ رجعية وتطرفا في ادارة بوش ومن خدام الطغمة المالية الناشطة في مجالي النفط والاسلحة وأحد شخصيات هذه الطغمة البارزين، تندرج جولة تشيني في اطار محاولة ادارة بوش تثبيت اقدام برنامجها المنطقي الاستراتيجي العدواني للهيمنة ومواجهة العديد من مظاهر الاخفاقات والفشل التي تواجهها هذه الاستراتيجية. فحقيقة هي انه خلال اقل من شهر ونصف هرع الى المنطقة في جولات مكوكية ابرز ثلاثة من رموز ادارة عولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم الى المنطقة، هذا اضافة الى مسؤولين وموظفين ومبعوثين سرّيين من الادارة الامريكية وشبكة مخابراتها من مراتب الدرجات الادنى في المسؤولية الى مختلف بلدان المنطقة. فقبل اقل من اسبوعين من جولة تشيني الحالية قامت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس بجولة في المنطقة، وقبلها باربعة اسابيع قام الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش بجولة الى المنطقة، هذا اضافة الى دينامية الحراك السياسي من قبل المسؤولين من الانظمة التي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بالبرنامج الاستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي في المنطقة، مثل اللقاءات بين حكام مصر والسعودية والاردن، وتنشيط حركة الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى وجولاته المكوكية في لبنان وسوريا لحل ازمة الفراغ الرئاسي والازمة السياسية التي تهدد بالانفجار، ولقاءات بين مسؤولين اسرائيليين ومن السلطة الوطنية الفلسطينية مع المسؤولين في تركيا، اضف الى ذلك حراك الدبلوماسيين المسؤولين في الاتحاد الاوروبي وجولاتهم المكوكية بين عواصم اطراف الصراع في المنطقة. فهذا الطابع الديناميكي المكثف للحراك السياسي في المنطقة، حتى دون الخوض في تحليل الهوية التفصيلية لكل حركة وما تمخض عنها، يعكس حقيقتين ساطعتين كسطوع نور الشمس في هذه الايام الآذارية، الحقيقة الاولى ان هرولة بوش ورايس وتشيني الى المنطقة في زمن محدد وقصير نسبيا والاستعانة بحلفائهم من الانظمة والقوى المدجنة امريكيا، يعكس ويجسد حقيقة ان الرياح لا تجري تماما في المنطقة كما تشتهي رياح الغزو كما خطط لها وفقا لاستراتيجية الهيمنة الامريكية – الاسرائيلية. والحقيقة الثانية التي ترتبط عضويا بالحقيقة الاولى، انه منذ بدء ادارة بوش – تشيني – رايس ممارسة ما اطلقت عليه البرنامج الاستراتيجي الجديد – "الحرب الكونية ضد الارهاب" في العام الفين وواحد واحتلال افغانستان والعراق ونشر خيوط عنكبوت الاحتواء والهيمنة لارهاب الدولة الامريكية المنظم، فان منطقة الشرق الاوسط وشعوب بلدانها لا تعرف ولم تتذوق طعم الامن والاستقرار والسلام، بل العكس تصاعدت وتأججت هذه الصراعات السياسية والطائفية – الاثنية في عدد من البلدان بفعل محراك الشر والعدوان الامريكي – الاسرائيلي وخدامه من قوى وانظمة متواطئة وعميلة معه. فبروز مصطلحات مثل "الفوضى الايجابية" أي نشر البلبلة وتأجيج الفتن الطائفية والقومية والاثنية، و"الحرب الاستباقية" وخلط الاوراق بين الارهاب والمقاومة وتقسيم دول العالم، خاصة البلدان النامية على مقاس انظمتها وفقا لتفصيل الخياط الامريكي بين انظمة "معتدلة" و"انظمة ارهابية" حسب الموقف من استراتيجية الهيمنة الامريكية فبروز هذه المصطلحات جاءت كمقولات لخدمة اهداف الاستعمار الامريكي الجديد وكوسائل لشرعنة استراتيجية الهيمنة الامريكية كونيا ولتبرير حروبها العدوانية وشرعنة مصداقية البلطجة العربيدة لسياسة القوة التي تنتهجها ادارة القطب الاوحد، الذي اصبح مشكوكا في احتكار وحدانيته.
فعشية زيارة تشيني الى المنطقة صرح الرئيس الامريكي، جورج دبليو بوش، في مؤتمر صحفي في العاشر من شهر آذار، ونقلته وسائل الاعلام المختلفة، ان الهدف من جولة تشيني الى الشرق الاوسط هو مواصلة معالجة ملفات القضايا العالقة التي عالجها هو ورايس قبله!! والواقع ان مهمة تشيني وهدفه المركزي من جولته الحالية يتمحوران في محاولة انقاذ الاستراتيجية الامريكية التي توخت تحقيقها من خلال تفاهمات مؤتمر انابوليس من الاخفاق، فمن المواضيع الاساسية للتفاهمات وفقا للمخطط الاستراتيجي الامريكي المنسق مع حليفها الاسرائيلي التوصل الى "سلام امريكي" للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني بانجاز "الحل الدائم" للدولتين اسرائيل وفلسطين حتى نهاية العام الفين وثمانية، واستغلال هذا الانجاز كبوابة لتطبيع العلاقات بين اسرائيل والبلدان العربية واحياء عظام مشروع "الشرق الاوسط الكبير" الامريكي وهي رميم، وبشكل يعزز مكانة ودور اسرائيل كمخفر استراتيجي امريكي في اطار هذا التحالف، وكذلك الاستفادة من الحل المنقوص للحقوق الفلسطينية الوطنية حسب مشروع التسوية الامريكي لتثبيت اقدام الوجود والمصالح الامريكية في العراق المحتل ولحسم الصراع لصالح القوى المدجنة امريكيا في لبنان. والاهم من كل ذلك ضمان الهيمنة الامريكية على مصادر النفط في الشرق الاوسط وعلى سوق الاسلحة الاوسع عالميا في هذه المنطقة. فتحقيق أي من هذه الاهداف البارزة، خاصة قضيتي التسوية السياسية للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني والهيمنة على مصادر الطاقة البترولية في المنطقة، يعتبره الرئيس بوش وادارته واليمين المحافظ والحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه عاملا هاما يساهم كثيرا في رفع اسهم الحزب الجمهوري المنهارة في بورصة الانتخابات البرلمانية للرئاسة والكونغرس التي ستعقد في شهر تشرين الثاني من هذا العام.

 

* حتى لا تبقى القضية رهينة الخانة الامنية:


لقد مهدت رايس لتشيني في جولتها الاخيرة الطريق لاستئناف المفاوضات بين حكومة اسرائيل والسلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن). وقد مارست وزيرة الخارجية الامريكية كابوس ضغط على السلطة الفلسطينية وعلى اجتماع وزراء الخارجية العرب لتفادي اتخاذ مواقف تهدد استراتيجية الهيمنة الامريكية – الاسرائيلية في المنطقة. فبجهود رايس لم يتخذ أي قرار يدين المساندة والدعم الامريكيين لحرب الابادة والمجازر والمحرقة التي مارسها المحتل الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، ولم تخرج القرارات اكثر من مجرد عن ادانة جرائم المحتل الاسرائيلي دون التطرق لا من قريب او من بعيد للاجراءات التي يمكن ان تلجأ اليها انظمة الدول العربية كمعاقبة المجرم الاسرائيلي الا لوقف عمليات التطبيع معه ولا الى مقاطعة وتجميد وقطع علاقات التطبيع الاقتصادي والدبلوماسي. فبجهود رايس وجهود النظام المصري يجري الحديث عن تهدئة وهدنة تكون بمثابة الشرط لاستئناف المفاوضات. فحكومة الاحتلال الاسرائيلي وسندها الامريكي تحاول تسوية معادلة تضليلية غير عادلة بين المجرم الاسرائيلي وضحيته الفلسطينية، اذ تضع المسؤولية على حماس "كيان غزة المعادي" لاطلاقه الصواريخ على سديروت في تصعيد الصراع، ووقف اطلاق الصواريخ الشرط لاستئناف التفاوض. والحقيقة هي ان شن حكومة اولمرت – براك لحرب الابادة التصعيدية ضد الفلسطينيين والتي قصفت محارق قذائف صواريخ دباباتها وطائراتها ارواح اكثر من مئة وعشرين فلسطينيا من الاطفال والنساء والمقاومين، لم تقتصر على قطاع غزة وعلى ضرب حركة حماس والجهاد الفلسطيني، بل طالت انيابها المفترسة الفلسطينيين في الضفة الغربية، في نابلس وجنين ورام الله وغيرها ومن مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية، كما ان الهدف المركزي لهذه الحرب الاستراتيجية العدوانية يندرج في اطار استغلال الخلاف بين فتح وحماس، بين السلطة الفلسطينية وانقلاب حماس غير الشرعي في القطاع كغطاء لتنفيذ المخطط الاجرامي بتكريس انسلاخ القطاع عن الضفة الغربية وابتزاز السلطة الوطنية الفلسطينية سياسيا بالانتقاص من الثوابت الوطنية الفلسطينية وذلك من خلال منع قيام دولة فلسطينية على كامل التراب المحتل، وخلق وقائع استيطانية جديدة في القدس الشرقية المحتلة وضواحيها، وتصوير الصراع وحرب الابادة وكأنها حرب "ضد الارهاب".
اننا من اجل الهدنة التي توقف العدوان الاجرامي للمحتل الاسرائيلي وتخلق ظروفا تلزم المحتل الاسرائيلي الانتقال من الخانة الامنية سريعا الى الخانة السياسية على طاولة المفاوضات مع الطرف الفلسطيني فيما يتعلق بمواضيع القضايا الجوهرية لثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية (الدولة والقدس والعودة والمياه والاستيطان). فالتهدئة والهدنة تتطلبان من المحتل الاسرائيلي الالتزام بوقف جميع ممارساته الاجرامية، برفع الحصار التجويعي عن قطاع غزة ووقف جرائم الاغتيالات والملاحقات والاعتقالات لقادة وشخصيات فلسطينية ورفع حواجز المعاناة عن المعابر ومن المدن ومفترقات الطرق الفلسطينية واطلاق سراح آلاف المعتقلين من سجناء الحرية الفلسطينيين. فهل ينجح تشيني بإلزام حليفه الاستراتيجي بتنفيذ هذه الشروط التي لا مفر منها لخلق الظروف المؤاتية لمحادثات سياسية جادة حول مواضيع الحل الدائم. ولهذا، ومن منطلق عدم الثقة بموقف امريكي متوازن وعادل وغير منحاز لاسرائيل العدوان فانني غير متفائل من ان تتمخض عن جولة ومحادثات تشيني حول الموضوع الفلسطيني نتائج تنصف الحقوق الوطنية الفلسطينية العادلة، والارجح ان يضغط تشيني في اتجاه حل مرحلي باقامة كيان هش في اطار "دولة" لا يجري تحديد حدودها النهائية. ويبقى المحك في مواجهة المخططات التآمرية الاسرائيلية – الامريكية التي تنتقص من ثوابت الحقوق الوطنية هو مدى ادراك الفلسطينيين لأهمية اعادة اللحمة الى الصف الوطني والقضاء على حالة الانقسام والتشرذم في المعركة للتخلص من الاحتلال وانجاز الحق الشرعي بالتحرر والاستقلال.

 

* الموقف من انتاج النفط وحماية موقع الدولار:


عندما احتلت القوات الامريكية العراق في العام الفين وثلاثة اكدنا ان احد الاهداف الاستراتيجية لهذه الحرب العدوانية هو السيطرة المباشرة على مصادر البترول الشريان الاساسي للتطور الاقتصادي المدني والعسكري. واستغلال الهيمنة على نفط العراق للتأثير على صياغة سياسة الاسعار النفطية عالميا وبالتعاون والتنسيق مع حليفها السعودي. وزيارة تشيني تأتي في وقت لا تنسجم فيه سياسة اسعار النفط مع موقف الادارة الامريكية وتأثير ذلك على وضع وموقع الدولار الامريكي كنقد عالمي في مجال التعامل التجاري. فسعر برميل النفط ارتفع ووصل الى مئة وثمانية دولارات بسبب انخفاض انتاج النفط في العراق وفي نيجيريا وغيرهما وبسبب انخفاض سعر صرف الدولار الامريكي، او سعره التبادلي بالنسبة للعملات الاجنبية الاخرى، وتضغط الادارة الامريكية على منظمة "اوبيك" البلدان المصدرة للنفط، ومن خلال حلفائها في السعودية ودول الخليج لزيادة انتاج النفط لغمر السوق وبهدف تخفيض سعر البرميل الواحد الى اقل من مئة دولار، ولكن دول هذه المنظمة، وخاصة بضغوط من فنزويلا وايران، ولخدمة مصالحها الوطنية، ترفض الانصياع للاملاءات الامريكية. كما ان عددا من انظمة الدول مثل فنزويلا وايران وغيرهما تضغط باتجاه الانتقال من اعتماد الدولار الامريكي كعملة تبادل في السوق النفطية وكعملة احتياطية في بنوكها المركزية الى اعتماد "اليورو" الاوروبي، خاصة بعد انخفاض الدولار في سعر صرفه. فمن خلال انخفاض سعر صرف الدولار تصدر الولايات المتحدة ازمتها الاقتصادية الى الخارج والتأثير على وجهة تطور البلدان الاخرى.
وحقيقة هي ان الدولار الامريكي يشكل في الواقع الحصة الرئيسية الكبرى من احتياطات البنوك المركزية العالمية (كنائب للذهب) اذ تبلغ هذه الحصة حوالي 65% فيما يشكل اليورو حوالي 26% والاسترليني 4,7% والين الياباني 2%. ولهذا ليس من وليد الصدفة ان تكون السعودية احدى المحطات الاساسية ضمن جولة تشيني المنطقية، فالسعودية اكبر مصدر للنفط في منظمة "اوبيك" ويأمل ان تستجيب مع العراق المحتل للطلب الامريكي والضغط الامريكي في مواجهة فنزويلا وايران وزيادة حجم الانتاج والمحافظة على احتكار الدولار كعملة اساسية للتداول التجاري في السوق النفطية ومواجهة حالة الارباك حيث يوضع السؤال ما اذا كان العالم يسعى الى فك الارتباط بالعملة الامريكية، ام يستمر مرتهنا لها، يسايرها!!
من المهمات والقضايا الاخرى المطروحة على اجندة جولة تشيني الى المنطقة والتي يحتاج كل منها الى معالجة خاصة، نأمل ان نتطرق اليها، تبرز قضية مصير الاحتلال الامريكي للعراق، خاصة وان قدوم تشيني للمنطقة يأتي عشية الذكرى السنوية الخامسة للاحتلال الانجلو امريكي للعراق، وعشية الحديث عن محادثات امريكية – عراقية حول مستقبل العلاقة ومصير الاحتلال، وكذلك قضية التجاذب الامريكي – الايراني حول مناطق النفوذ في العراق والمنطقة وحول مصير "الشرق الاوسط الكبير".
وما نود تأكيده في نهاية المطاف ان هرولة تشيني وقبله رايس وبوش الى المنطقة هي دالة ومؤشر بارزان على ازمة ومصاعب استراتيجية العدوان الامريكي – الاسرائيلي في المنطقة التي تمر في مرحلة من المخاض الذي نأمل ان تكون بشائره خيرا تسرّ مصالح الشعوب وتغيظ اعداءها من المستعمرين وخدامهم.

د. احمد سعد
السبت 15/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع