حزبنا الشيوعي يُحيي 90 عامًا من النضال:
ذكريات خِتيار لم تمُتْ أجياله (4)



*بينما كان بعض الرفاق مجتمعين في بيتنا باشتراك الرفيق منعم جرجورة واذا بقوة من الشرطة بقيادة الضابط "شويلي" تداهم البيت من اجل التأكد من ان سليم موجود في البيت ولم يخرج ولم يخرق الاوامر، وقد دخلوا بشكل استفزازي، الامر الذي اثار جميع الحاضرين، وقد تصدى لهم الرفيق منعم جرجورة والذي قال للضابط ان للبيوت حرمة والدخول بهذا الشكل هو زعرنة، وبعدها اعتقل في تلك الليلة الرفاق ابراهيم شكري ومحمد شاكر خطيب والرفيق منعم جرجورة واطلق سراحهم جميعا في اليوم التالي وقد وجهت للرفيق منعم جرجورة تهمة "تحقير الشرطة واتهامها انها لا تعرف القانون"*

المعركة الثالثة والهامة التي خاضها الحزب الشيوعي في عرابة كانت سنة 1954 ضد ضريبة مجحفة بحق جماهير عرابة والجماهير العربية في هذه البلاد عامة، والتي كانت المعروفة في ذلك الوقت باسم "ضريبة الرأس" وهي عبارة عن دفع مبلغ اثني عشر جنيها عن كل فرد يحمل هوية، فقيرا كان او غنيا، بدون الأخذ بعين الاعتبار الامكانيات المادية لهؤلاء الفقراء ومحدودي الدخل. وبمبادرة من فرع الحزب الشيوعي في عرابة اتخذ قرارا بالقيام بعمل جدي ومنظم ضد هذه الضريبة المجحفة بحق الجماهير العربية عامة، وبناء على ذلك دعا سكرتير فرع الحزب الشيوعي وسكرتير فرع الشبيبة في ذلك الوقت الرفيقان سليم كناعنة وابراهيم شمشوم لاجتماع خاص لاعضاء الشبيبة الشيوعية الطلاب في مدرسة عرابة الابتدائية في نادي الحزب، وكان من بينهم الرفاق محمود مصطفى عبد الهادي وسعيد خليل ياسين واحمد مصطفى كناعنه وعمر السعدي وتوفيق كناعنة وجرى البحث معنا حول فكرة الاضراب، وبعدها ألقيت علينا مسؤولية العمل بين الطلاب من اجل التحضير للقيام باضراب عام للطلاب في المدرسة ضد هذه الضريبة المجحفة غير العادلة.

 

وبالفعل، بدأ التحضير لهذا العمل الكبير مع عدد من الطلاب الواعين وبشكل خاص في صفوف السابع والثامن، حيث عقدنا عدة اجتماعات للطلاب في نادي الحزب الشيوعي وبمشاركة سكرتير فرع الحزب سليم كناعنة وسكرتير فرع الشبيبة ابراهيم شمشوم اللذين شرحا للطلاب اهمية هذا العمل لجماهير عرابة بشكل خاص ولجماهيرنا العربية بشكل عام، وفعلا استطاع الحزب ان يخلق جوا عاما بين الاهالي في عرابة ضد هذه الضريبة، ومن اجل الاضراب العام في المدرسة الابتدائية لهذا الهدف. وفعلا جرى الاضراب بتاريخ 09\03\1954 وكان اضرابا شاملا في مدرسة عرابة حيث كان عدد طلاب المدرسة في ذلك الوقت حوالي (650) طالبا وطالبة. وبالاضافة لشمولية الاضراب قمنا بمظاهرة رافعين شعارات من اجل الغاء "ضريبة الرأس" ومن اجل اقامة مراحيض في المدرسة والغاء لجنة المعارف التي عينها الحاكم العسكري وضد سياسة السلطة التي تنتهجها ضد جماهيرنا العربية، وطفنا في شوارع القرية ولاقينا تأييدا واسعا من الاهالي وكانت هذه اول مرة يجري مثل هذا العمل في عرابة، واختتمت المظاهرة باجتماع عام وبمشاركة جماهير واسعة من سكان القرية واهالي الطلاب في ساحة مسجد القرية تكلم فيه الرفاق عمر سعدي وتوفيق كناعنة حسب المهمة التي ألقيت علينا من قبل الحزب حيث حددت في الكلمات المطالب الاساسية التي نريدها واهداف هذا الاضراب التاريخي في حياة جماهير عرابة وفي حياة جماهيرنا العربية في هذه البلاد عامة، لانه في النهاية كان قد حقق الهدف الذي جاء من اجله وألغيت هذه الضريبة المجحفة بحق جماهيرنا العربية في هذه البلاد بالرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه أهالينا في ذلك الوقت.

 

ان هذا العمل النضالي الهام أدى ايضا الى رفع حاجز الخوف بين جماهير قريتنا بالرغم من اعتقال العديد من أولياء امور الطلاب، وكان من بين الذين اعتقلوا في ذلك الوقت، وارجو المعذرة اذا خانتني الذاكرة ولم اذكر البعض منهم، السادة: علي قاسم نصار ومحمد عبد الرحيم السعدي ومحمد الموعد وعبد القادر خليل ياسين وعبد الرحمان محمد نصار وحسن نصار بدارنه وابراهيم احمد كناعنة ومصطفى ابراهيم احمد كناعنة رحمهم الله جميعا وأمد الله في أعمار كايد خليل موسى ومحمد شاكر خطيب وابراهيم شكري شمشوم وسليم ابراهيم احمد كناعنة، وحكم على هؤلاء جميعا باثبات الوجود يوميا في مركز بوليس مجد الكروم لمدة ستة اشهر حينذاك، وهذا المكان يبعد عن قريتنا حوالي خمسة وعشرين كيلومترا هوائيًأ وكان عليهم ان يذهبوا الى هناك يوميا وان يمروا في منطقة المل العسكرية المليئة بالالغام في ذلك الوقت. ولكن والدي ابراهيم احمد كناعنة رفض الذهاب الى مجد الكروم لاثبات وجوده ولذلك حكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة اشهر قضاها في سجن الدامون وبعد خروجه من السجن وانهاء مدة الحكم طلبوا منه مرة اخرى التوجه الى مركز شرطة مجد الكروم من اجل اثبات وجوده هناك حتى نهاية مدة الستة اشهر ولكنه رفض ايضا الاستجابة لهذا الطلب وبعدها احضر لهم تقريرا طبيا من الدكتور يوسف حداد المقرب من الحزب الشيوعي وقال في تقريره انه نتيجة لكبر سنه لا يمكنه المشي مثل هذه المسافة الطويلة، وكان والدي في ذلك الوقت قد تخطى السبعين عاما، وبهذه الطريقة تخلوا عن مطالبتهم له باثبات الوجود، اما الاخرون فبعضهم خفضوا لهم مدة الحكم لكبر سنهم، والبعض الاخر اكملوا مدة الحكم حتى النهاية، وهم عمليا قيادة فرع الحزب الشيوعي في القرية بذلك الوقت: محمد شاكر خطيب وابراهيم شكري شمشوم وسليم ابراهيم كناعنة. فبالاضافة الى اثبات الوجود كان قد حكم عليهم بالسجن لمدة ثلاثة اشهر لتغيبهم يوما واحدا عن الحضور لاثبات الوجود في مركز شرطة مجد الكروم، بالرغم من انهم في ذلك الوقت لم يستطيعوا المرور من المنطقة العسكرية بسبب مناورات عسكرية كانت تجري هناك، وبالرغم من انهم ذهبوا في ذلك اليوم الى بيت المختار وأبلغوه بأن يعمل على ابلاغ الشرطة عن عدم تمكنهم من الذهاب نتيجة للمناورات العسكرية التي تجري في منطقة مرورهم. وبالإضافة لإثبات الوجود اليومي، فقد فُرض عليهم ايضا عدم الخروج من البيت منذ غروب الشمس حتى طلوعها، وفي بعض الليالي كانت تأتي الشرطة الى بيوتهم من اجل التأكد من انهم لم يخرقوا الاوامر ولم يغادروا بيوتهم ليلا. وفي تاريخ 10\05\1954 بينما كان بعض الرفاق مجتمعين في بيتنا باشتراك الرفيق منعم جرجورة واذا بقوة من الشرطة بقيادة الضابط "شويلي" تداهم البيت من اجل التأكد من ان سليم موجود في البيت ولم يخرج ولم يخرق الاوامر، وقد دخلوا بشكل استفزازي، الامر الذي اثار جميع الحاضرين، وقد تصدى لهم الرفيق منعم جرجورة والذي قال للضابط ان للبيوت حرمة والدخول بهذا الشكل هو زعرنة، وبعدها اعتقل في تلك الليلة الرفاق ابراهيم شكري ومحمد شاكر خطيب والرفيق منعم جرجورة واطلق سراحهم جميعا في اليوم التالي وقد وجهت للرفيق منعم جرجورة تهمة "تحقير الشرطة واتهامها انها لا تعرف القانون" وكان قد اطلق سراحه بكفالة ذاتية. وتماديا في الاجراءات الارهابية حكم الحاكم العسكري على الرفاق محمد شاكر خطيب وابراهيم شكري وسليم كناعنة باثبات الوجود مرتين في اليوم على الرغم من بعد المسافة بين عرابة ومجد الكروم، والهدف من كل هذا هو كسر معنوياتهم.

 

ان هذه الاحكام الجائرة قد طالت عددا من قيادة الحزب الشيوعي في منطقة الناصرة نتيجة لعلاقتهم التنظيمية مع فرع الحزب الشيوعي في عرابة ومنهم طيبو الذكر الرفاق فؤاد خوري ومنعم جرجورة وسليم القاسم وتوفيق زياد وجميعهم حكم عليهم بإثبات الوجود في مركز شرطة الناصرة، ولكن الرفيق توفيق زياد له قصة اخرى حيث اعتقل بعد ان تحدث في اجتماع شعبي في ساحة القرية في شهر نيسان من سنة 1954 حيث حضر الى عرابة مع الرفاق الذين كانوا معتقلين بعد الاضراب وهم: سليم كناعنة وابراهيم شكري ومحمد شاكر وكايد خليل موسى. وكان الهدف من الاجتماع هو رفع معنويات الجماهير في عرابة واشعارهم بأهمية العمل الجبار الذي قامت به عرابة وخلال عودته من عرابة بعد الاجتماع اعتقل الرفيق توفيق زياد واقتادوه الى مركز شرطة طبريا وهناك اعتدوا عليه بشكل وحشي وصلبوه ولكنه كان يقاوم بشدة هذا العدوان، وقد اعتقدوا انهم بهذا الاسلوب يستطيعون كسر معنوياته ولكنه خرج من هناك اشد قوة وصلابة، وبعد كل هذا التعذيب جرت له محاكمة في عكا وكان احد السجناء اليهود رأى وشاهد بأم عينه ما قاموا به من أساليب وحشية في تعذيب توفيق زياد، فجاء وشهد في المحكمة لصالح توفيق. ومنذ ذلك الحين تعرفت على الرفيق توفيق زياد وكنت كما ذكرت سابقا قد تعرفت على عدد اخر من قادة الحزب والشبيبة الشيوعية في منطقة الناصرة الذين كان لهم فضل كبير عليّ وعلى تعميق معرفتي بالحزب وبمبادئه السامية ومن خلالهم ازدادت معرفتي في مواجهة الظلم والمصاعب وفي المواقف  الجريئة التي على الشيوعي ان يتحلى بها مهما كانت المصاعب التي يواجهها.

 

وفي تلك الفترة ايضا كان هناك علم للدولة على سطح المدرسة في بناية الجامع اي بالقرب منه، الذي تمزق بفعل الهواء، وهذا المكان قريب جدا من بيتنا، فحاولت السلطات تلفيق تهمة لي بأنني انا الذي مزقت العلم وحاولوا ايجاد أدلة مفبركة ضدي قبل مواجهتي بهذه التهمة الدنيئة، وفي ذلك الوقت اعتقلوا الرفيق عمر سعدي وحاولوا الضغط عليه وارهابه ليشهد ان توفيق كناعنة هو الذي مزق العلم ومعروف ان اخوة الرفيق عمر سعدي خالد وعلي قد اصبحوا منذ مدة اعضاء في الحزب الشيوعي وبيتهم بيت شيوعي مفتوحا لرفاق الحزب والشبيبه الشيوعيه وكان معروف عن الرفيق علي السعدي انه لا يعد للعشرة اذا تمادا احد الاعوان على الحزب او على احد رفاقالحزب او الشبيبه . ونتيجه لانهم بيت شيوعي وبيتنا كذلك وعلاقة هذين البيتين طيبه جدا مع بعض.ارادوا بهذه الطريقه السافله نسف هذه العلاقه . وهكذا يكونوا(ضربوا عصفورين بحجر واحد ) ولكن خسئوا وبالرغم من الضغط الشديد الذي مورس ضده الا انه رفض القيام بهذه المهمة والتي ارادوا من ورائها كسره وتشويه سمعته، وسجني. وبعد ان فشلوا في تحقيق ما ارادوا، حاولوا ايضا الضغط على احد اقاربي من اجل نفس الهدف، الا انهم فشلوا في ذلك ايضا فلجأوا الى شاب متخلف عقليا وهو ابن احد جيراننا الطيبين، ولقنوه في بيت المختار ما يجب ان يقول امام المحقق، وعندما جاء المحقق وسأله: من الذي مزق العلم يا سليم؟ فأجابه:"بدكوا اقول لكم الصحيح من الذي مزق العلم؟" قالوا له نعم هات يا سليم ما عندك. عندها قال لهم ان الذي مزق العلم هي كلبة نعمة وجيجات مرت حسين. (نعمة ومرت حسين هم ايضا جيراننا). وعندما سمعوا هذا الكلام رأوا ان كل الدروس التي علموه اياها لم تفيد، وخجلوا من انفسهم ولذلك اقفلوا هذا الملف الذي ارادوا به توريطي ظلما وعدوانا، ولم يكن الهدف انا فقط بل كل بيتنا لاننا كنا خمسة اخوة شباب ولنا جميعا وبشكل خاص سليم ويوسف دور هام في تثبيت دور الحزب وفي مواجهة عملاء السلطة في عرابة.

(عرابة البطوف)
(يتبع)

توفيق كناعنة*
الخميس 13/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع