إنتاج جديد لمسرح النقاب في مقرّه الجديد: وجبة هجاء مع محمد الماغوط!!



حيفا- "جْمال محَمّلي واجراس بتعنّ/ وأيام المضت عالبال بتعنّ/ حمّلت بضاعتي ورُحت بيعنْ/ غريب وما حدا مني اشترى".. هذه العتابا التي كانت تغنيها والدة الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط، لطفلها الصغير، رافقته حتى مماته لما فيها من زخم رمزيّ كان قد كلّل رحلة اغترابه وغربته كشاعرٍ مرهف الحس حاول من دون كلل أو يأس، تدعيم الحاجة إلى الصدق والحرية والعدالة وسط ازدحام الزيف والقمع والظلم، في بيئتنا العربية خاصةً والشرق أوسطية عامةً! وفي ذلك تقول زوجته الشاعرة سنية صالح: "مأساة محمد الماغوط أنه وُلد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط. ومنذ مجموعته الأولى وهو يحاول... توسيع ما بين قضبان النوافذ ليرى العالم ويتنسم بعض الحرية. وذروة هذه المأساة هي في إصراره على تغيير هذا الواقع، وحيدا لا يملك من أسلحة التغيير إلا الشعر. فبقدر ما تكون الكلمة في الحلم طريقا إلى الحرية نجدها في الواقع طريقا إلى السجن"! وفعلاً، لم يعرف الماغوط في حياته قط معنى المساومة على القيم الكبيرة: "إن العدالة التي تشمل الجميع وتستثني فردا واحدا ولو في الأسكيمو هي عدالة رأسها الظلم وذيلها الإرهاب"... "المهم في الأمر أن تكون صادقا في ما تكتب! يستمع الناس إلى الشاعر الذي لا يخذلهم سواء في شعره أو في مواقفه"!
وعلى هذا، يأتي الإنتاج الجديد لمسرح النقاب في المقام الأول إكراما وإجلالا لهذا المبدعٍ الفذّ والكاتب العملاق الذي رحل عنّا قبل عامين جسدا لكنه لا يزال يحيا بداخلنا مع إطلالة كل فجر ومع مجيء كل مغيب، مع كل مظهرٍ للقمع وعند ابتسامة كل طفل بريء! إنه فارس الكلمة الصادقة، "الحاجب على باب الحزن والسخرية"، نسر الشعر المتمرد، محمد الماغوط (1934-2006) الذي "لم يجد في كل هذا الشرق مكانا مرتفعا لينصب عليه راية استسلامه!"
ويقول معدّ العمل ومخرج المسرحية الدكتور مسعود حمدان: في وجبة هجاء مع محمد الماغوط بحثتُ عن مغامرة إبداعية جديدة، الأولى ربما من نوعها، لصهر شعر ونثر الماغوط في بوتقة مسرحية تحكي عن طريق شخصية "الأعرج" بإيجاز وكثافة جزءًا يسيرا من قصته كمبدع وكمواطن سوري إبن السلمية على حد سواء! ولهذا الغرض قمت باختيار توليفة من كتابه الشهير "سأخون وطني- هذيان في الرعب والحرية (1987) رصّعتها بمقاطع من روائع شعره الأول ليكون هذا العمل شمعة الإنتاج الأولى لمسرح النقاب في مقرّه الجديد نهتدي بها وتنير دربنا في محطاتنا القادمة! ولكي "يقضي على التخلّف" أراد خبير "النفط والمسرح" من مشهد "الكوميديا النفطية" أن يعود من لندن حاملاً معه شكسبير، بعد أن اشتراه جاهزا ومعلّبا "وبأي ثمن" يُطلب منه! ولأنني أعرف أن مسرح النقاب يعجز عن منافسة الخبير في إمكانياته المادية، أردت فقط أن أعدّ تراجيكوميديا مسرحية من نصوص نثرية وشعرية لكاتب عربي كان قد اشتراني بصدقه وبسخريته المريرة وبكبريائه المتواضع لأعرض أمام المشاهدين لحظات مبكية مضحكة من كوميديا السواد ومن مأساة العبث والتأمل والخواء والمفارقة التي عاشها الماغوط في متحف الرعب، ألا وهو سجن المزّة مشهد "بروتوكولات حكماء العرب" وخارجه (مقهى أبو شفيق في مشهد "نوم الهنا"، مشهد المواطن والكلب ومشهد الخروج)!
ويضيف د. حمدان: من يدري؟ قد تبقى الذاكرة المدججة بالغضب القاطع كحدّ السيف، وإن أطبق الظلام في عصور الضباب والغبار الآسن (مشهد إصلاحية نورمبرغ العربية- إمتحان التخرج)، منارةً وحيدة ربما، تحدد معالم الطريق إلى الحرية (مشهد العصفور) وبوصلة تحاول أن ترسم من جديد خارطة اليقظة الضائعة لشعوبٍ ومجتمعات غلب عليها النعاس والسبات:
"عندي غبارٌ للقرى
رمدٌ للأطفال
وحولٌ للأزقة
وحجارةٌ لصنع التماثيل وقمع المظاهرات
وعندي... شعوبْ
شعوبٌ هادئة وساكنة كالأدغال
يمكن استخدامها
في المقاهي والحروب وأزمات السير" ("النخاس" من "الفرح ليس مهنتي")
ويعلق د. مسعود حمدان: "أعي حقيقة أنّ عملنا هذا ما هو إلا عرفان منا بالجميل (متواضع وجزئي جدا فحسب) لروح الماغوط العفوية الأصيلة الصادقة التي تستحق أكثر من ذلك بكثير، ومع ذلك فإنني أرجو أن أكون قد وفّقت في اختيار النصوص، في إعدادها إعدادا مسرحيّا، في تجسيد شخوصها وأجوائها وفي إخراجها مسرحا شعريّا مدعوما بمنطلقات الماغوط نفسه في مسيرته الإبداعية وفي سيرة حياته على حد سواء!"
ويقول المخرج صالح عزام، المدير الفني لمسرح النقاب: ان العرض المسرحي الذي أعده الدكتور مسعود حمدان فيه الأسود، والجميل، والممتع، والمؤلم، والساخر، والمرح، ونجح حمدان في إعداده هذا الجمع على المسرح بين الليل والنهار، بين الأمل واليأس، بين مرارة الهزائم وغضب العاجز، وقدم لنا صورة لما يعانيه الإنسان العربي من بلاء سياسييه ومثقفيه وجنده وشرطته وأجهزة إعلامه، مكثفا ذلك البلاء الكثير الوجوه في بلاء واحد هو فقدان الحرية. وفيها ما يبكي وما يحزن وما يضحك حتى الموت... "
أعد المسرحية (بتصرف) وأخرجها: د. مسعود حمدان، فكرة الديكور: جماعي، تنفيذ ديكور: عامر عليان ورامي عزام، إضاءة: صالح عزام وعامر عليان، ملابس:اينجا ليفنزون، موسيقى: د. مسعود حمدان، مؤثرات صوتية ومكس: عامر عليان وفارس وهبة، غناء: حنان زاهر ونصر الدين، مساعدة مخرج: أمنية حمدان، أقنعة: ساشا شرنين، مدير التقنيات: عامر عليان، تمثيل: أشرف منصور، ميساء خميس، عاصم زعبي وصالح عزام.

الخميس 13/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع