الورقة الأخيرة لاقتصاديّي واشنطن



ما نشهده في الآونة الاخيرة من تحركات اقتصادية وعسكرية وسياسية، على اكثر من جبهة، ما هو الا ورقة قد انتظرت سنوات ليحين دورها في اللعبة. هذه الورقة هي ما تبقى من عهد بوش في الصراع لقلب موازين القوى والسيطرة الكاملة على العالم وبالاساس من الناحية الاقتصادية. هنا تبرز سياسة الام الحنون، التي يخدمها ازواج كثيرون فنتج عن علاقاتهم غير الشرعية،بنت مدللة، هي اسرائيل. ان نشوة الام الحنون لا تقتصر على البنت المدللة فقط، بل على رؤساء وامراء عرب هم ابناؤها بالتبني. قمعوا شعوبهم ووضعوا حبّات التنويم لهم في كؤوس الشاي ليطول السبات ويجدوا انفسهم عندما يصحون في هذا المأزق ولأمد طويل.
اليوم نرى بوضوح حجم الضغط الذي يمارسه بوش، في نهاية مسيرته الختامية لسد المتطلبات الرأسمالية لأسياده، الذين امّنوا له الحكم، حتى هذا اليوم. هنا مربط الفرس. عند المسيرة الختامية لبوش والسنة الاخيرة للجمهوريين في البيت الابيض. فنحن نشهد تحركات استراتيجية تبدأ في البنتاغون وتنتهي في منطقتنا بحجم لم نشهد له مثيلا منذ عقود. حيث ان التخطيط يشمل ادق التفاصيل لادوار الاعوان في الهجمة الاقتصادية العسكرية، التي يغزو بها شرقنا الاوسط.
نعود بالذاكرة قليلا، عند حادث اغتيال قائد المقاومة اللبنانية عماد مغنية والى التعاون المخابراتي والتنفيذي العسكري بين امريكا واسرائيل وعدد من دول المنطقة، مما رشَح من معلومات في وسائل الاعلام حتى الآن. وما تبعه من وجود للبوارج العسكرية الامريكية في شواطئ لبنان لنجدة قوى الموالاة اللبنانية المراهنة على الامبريالية الامريكية والمتآمرة على المقاومة، التي تتوعد بالانتقام والتي تحذر من حرب قادمة قريبة بهدف القضاء عليها. ان هذه التطورات الاخيرة هي جزء من الاستراتيجية الامبريالية الكونية فيما يخص المعارضين لها في لبنان.
اما العدوان الاجرامي على غزة فهو ايضا جبهة اخرى خططتها الادارة الامريكية بكل حيثياتها لتعتمد على اسرائيل في التنفيذ فقط، دون الخروج عن النص الحرفي المكتوب بفاصلة واحدة، بعد ان خذلت المدللة امها في حرب تموز الاخيرة في لبنان. وبعد ان تأكدت الادارة الامريكية ان ابنتها استخلصت العبر وتغلبت على نقاط ضعفها كما حددها تقرير فينوغراد. مما حدا بالاسياد الى اعطاء الاوامر بشن الحرب لاخضاع غزة وضمان سلطة محمود عباس عليها لاستئناف الحل الامريكي في فلسطين.
اما ابناء الامبريالية بالتبني، الملوك والرؤساء والامراء خدام الاسياد فتتعدد ادوارهم في الهجوم الامبريالي على هذه الجبهة المركبة، لكنهم يؤدون ادوارهم باخلاص شديد. لم تترك الامبريالية الامريكية شاردة او واردة الا وازالتها من امام القطار الامبريالي للشرق الاوسط الجديد، فبعد 24 سياعة على تصريح رئيس الحكومة التركية عن عدم تحديد موعد لانسحاب الجيش التركي من شمالي العراق وان العملية العسكرية ستنتهي بعد تحقيق اهدافها وعلى رأسها القضاء على القوة العسكرية لحزب العمال الكردستاني، نجد ان الجيش التركي وبشكل مفاجئ قد بدأ بالانسحاب بشكل سريع ومكثف، فما عدا مما بدا؟!
ألا يرتبط ذلك بتخطيط امريكا للعراق عامة ولكردستان العراق خاصة، حيث وبجهود امبريالية باهظة الثمن اصبح هذا الاقليم عمليا اقليما مستقلا مسلوخا عن العراق الموحد. اقليم له ادارته وعلمه وجيشه المدرب اسرائيليا ونفطه المتقاسم امريكيا. لكن حدود التجزئة تريد امريكا ان لا تتخطى حدود العراق، فهنا ينتهي حق تقرير المصير للاكراد، فهذا المبدأ قابل للتطبيق في العراق وليس في تركيا. فنرجو من الاتراك عدم الاحراج والمساعدة في صون المنجزات الامبريالية المعمّدة بدماء مئات آلاف العراقيين الابرياء!
تصل الايدي المتعددة للاخطبوط الامبريالي الى السودان لتتآمر على وحدته من خلال اذكاء نار التجزئة بدءا بجنوب السودان ثم بدارفور ليفتضح الدور الاسرائيلي في التمويل والتسليح والتدريب في هذه الفترة بالذات. فافتتاح مكتب لحركة تحرير السودان في تل ابيب هو نواة السفارة المأمولة المستحقة بعد استقلال الاقليم الغني بالنفط. انه تعاون مكشوف يُلزم الدفاع المشترك عن مصالح الحلفاء المعلنين عندما تصدر الاوامر من سيد العولمة الاول في البيت الابيض. وتمتد ذراع اخرى للاخطبوط الامبريالي الى سوريا. فبعد ان امرت اسرائيل بقصف موقع في سوريا لتدمره بالكامل منتهكة سيادتها، فلا سيادة للدول في عهد العولمة. تنفذ عملية اغتيال عماد مغنية في العاصمة دمشق. ويجري التحقيق من قبل النظام السوري وتتم الاعتقالات، ولا تعلن النتائج الرسمية. فهل هذا صدفة؟! أم ان ما تكشّف يفضح الانظمة العميلة في المنطقة فيدخل ذلك في باب المصالح الامريكية في المنطقة؟! مما يستدعي الامريكان المساومة على هذه الورقة، التي يملكها النظام السوري؟! كل شيء تحت السيطرة الامبريالية، حتى الشؤون الداخلية للانظمة المستقلة رسميا، الخاص يخضع الى العام، دون اية مراعاة لأية خصوصية.
اننا نمر في ايام عصيبة، تخطط فيها الامبريالية الامريكية الى قطف ثمار عملها، فما خططت له من صراعات على مدار سنوات، تسعى الآن الى الحسم الامبريالي فيها خلال امد قصير.
اما فيما يخص الاقلية القومية الفلسطينية في اسرائيل، في جسد البنت المدللة والذي فشلت محاولات اقتلاعها المستمرة والتي تجذرت وتطورت وفرضت وجودها في واقع الدولة فهل يستثنيها المخطط الامبريالي، الذي يريد ان يرسم الواقع من جديد، ليخدم مصالحه الكونية الممتدة الى طابع حليفته الاستعمارية، اسرائيل؟؟
بالطبع لن تُترك هذه المساحة بيضاء دون ان يمر عليها القلم الامريكي بألوانه الاسرائيلية. فلها نصيبها من التآمر الامبريالي، التمييز القومي مستمر، الضغط الاجتماعي يتصاعد. والتحريض السياسي يلتهب. والتآمر بأشكال مختلفة على احدى نقاط القوة يشتد وهي الشراكة الكفاحية اليهودية العربية وصولا الى الانعزال القومي ليتجرد المكافح من حليفه فيسهل تطبيق تخطيط يهودية الدولة. ليصبح الحق الاساسي لصاحب الوطن الاصلي على طاولة التفاوض للحل الامريكي الشامل في المنطقة، وان عارض صاحب الحق يتهم باعاقة الحل، فيتواصل الضغط والتحريض فيدخل المكافح للحل العادل للشعبين الى دائرة المشكلة، التي يخططون لحلها امريكيا.
ان قرار المستشار القضائي للحكومة باغلاق ملفات مجرمي السلطة، قتلة شهداء هبة اكتوبر، هو تكريس لمكانة العرب في الدولة كما تريدها الحركة الصهيونية وليس كما ينص عليها القانون الدولي. فالقوانين في النظم الرأسمالية تخدم سلطة الحكام  ومصالح طبقاتهم. والتدريبات العسكرية الليلية في القرى العربية متواصلة والتطبيقات العملية رأيناها في البقيعة. وهم يستخلصون النتائج بعد دراسة الوقائع، فلجان التحقيق الرسمية تعمل ليتعلموا من اخطائهم وليس لانصاف الضحية، ففي عرف الامبريالية المتطورة ليس هناك مكان للفشل.
هل يتورعون عن ارتكاب النكبة الثانية بنا، في لحظة من انشغال العالم بحرب اقليمية او الرأي العام بصراعات منطقية آن اوان حسمها الامبريالي؟!
وان شعبنا في المناطق الفلسطينية المحتلة أحوج ما يكون الى عدم التفريط بمصدر قوته الاساسية وهو الوحدة الوطنية والى هذا ندعوه. كما ندعو انفسنا كأقلية قومية الى تعزيز هذه الوحدة لمواجهة مخططات الامبريالية وشريكتها الصهيونية، التي تدوس كل القيم الانسانية بحذاء مصالحها الاستعمارية. لكن حجر الزاوية، الذي يحصّن البقاء والصمود في وجه المخططات الامريكية الاسرائيلية هو الشراكة اليهودية العربية الصادقة، فأمام هذا التحالف الاممي المتين تسقط هذه المخططات. ان هذا التحالف الذي صاغه بوعي ومسؤولية مصيرية حزبنا الشيوعي هو درع الشعبين الواقي للمظالم الخطيرة، التي تحاك في اروقة السلطة خدمة للمصالح التي تتعارض مع المصالح الحقيقية لشعبي البلاد. اننا بتعزيز هذه الوحدة الاممية نصنع المستقبل النيّر للشعبين ونحرر الدولة من تبعيّتها الامبريالية العمياء وخصوصا في هذه الفترة الحبلى بالحسم الكبير للصراعات، التي افتعلتها الامبريالية بنفسها.

(كفر ياسيف)

بشار الحاج *
الخميس 13/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع