براءة طفلة راحلة..



اطفال يرحلون عن طفولتهم في سبيل الوطن.. نأسف لوداع بسماتهم..! سرت في الشوارع، بين جثث سوداء، خطوت بقدمي فوق دماء حمراء اللون، وها هي غزة تصطبغ باللون الاحمر بحلول فجر جديد.. مشيت وسمعت.. سمعت طفلا رضيعا يقول: "آه.. آه.."
يا ليته يأخذ روحي وفؤادي لترحل عنه كل آهات الكون! مشيت.. مشيت ويا ليتني لم امش.. مشيت وتوقفت فجأة امام جثة صغيرة جدا بحجم الدمية لولو، تجرأت وكشفت عن وجهها، آه من المشهد الذي شاهدته عيناي.. وجه طفلة بريئة.. تحولت براءتها الى دم تحت التراب.. في سبيل الوطن.
سقطت دمعتي الندية على يد طفل آخر كان يدعى احمد.. كان يلفظ انفاسه الاخيرة، وحين لمست دمعتي يده البيضاء الملساء، فتح احمد الغالي عينيه فبان لي صفاء عينيه التائه بين نار العدو الظالم!
اتمنى ان اجلس مكان اطفال الوطن وأموت شهيدة، من اجل ارجاع الطفولة، البراءة، البسمة الوديعة الى قلوب اطفالي الاحباء.. اجل انهم اطفالي.. فأنا بالمستقبل سوف اكون امّا فلسطينية لأفقد اطفالي ايضا.. اجل انهم اطفالي واطفال الأمة كلها..
هل لديكم تفسير لسؤالي المحير جدا وهو: "لماذا لا ينام يلعب، يدرس، يأكل، يضحك الطفل الفلسطيني؟ لماذا سلبت منه طفولته وحقه بامتلاك لعبة صغيرة وشرائح من السكر؟ لماذا لا يقدر الطفل الفلسطيني النوم في حضن والديه كما باقي اطفال الكون؟؟
لماذا يجب ان يعيش يتيما من غير اب او أم..؟ أهذا هو القدر؟ أهذا هو حكم العدو الظالم؟؟  أهذا هو نتيجة لصمت العرب؟ اهذا؟.. اهذا؟.. لا ادري ما اقول.. فعلا.. مشاعري لا يمكن كتابتها كلها.. فالقلم كاد يبكي من قساوة القدر..
مشيت في الشوارع رأيت امهات شاردات البال والفكر.. رأيت مشهدا رهيبا من الحزن والنحيب.
سمعت ام محمد تقول: "اخذوا ولدي مني.. وتركولي قميصه الاحمر.. بدي محمد يا ناس..!"
اما تلك العجوز التي اعشق صمودها الجبار فكانت تصرخ وتقول: "حفيدي الغالي.. كنت احكيله قصة ليلى الحمراء وفجأة لقيته مرمي على الارض، يا ويلكم من الله كان عم يضحك.. ليش هيك..!"
وضعت يدي على كتف العجوز الحبيبة لمساعدتها ودعمها لكنني لطالما اسرعت جارية في دربي ودموعي تسيل كالفيض على وجنتي..
اجمل ما حدث في ذلك اليوم هو انني في النهاية وجدت محمد.. كان يمكث في الزاوية باكيا باحثا عن امه.. حدثته وقلت له: "انت محمد"؟ قال لي بصوت مخنوق وديع: "ايوه.. انا محمد.. بدي ماما.. بدي ابوسها وأحضنها.. بدي جدتي.. بدي انام.. بدي أكل..".
امسكت بيديه وأخذته الى امه وجدّته العجوز. وأهديته قبلة وآه لو بامكاني ان اعطيه عمري كله..!

(الصف العاشر – مدرسة المطران – الناصرة)

شادن جمال ابو احمد *
الخميس 13/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع