تصعيد مدروس.. أهداف مبيتة



لا يمكن إخراج العدوان الإسرائيلي الدموي والهمجي على قطاع غزة عن سياق الاستراتيجية الإسرائيلية الثابتة والمتدحرجة تجاه تحقيق أهدافها، ويأتي في مقدمتها محاولة تكريس فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وجعل إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة مشكلة داخلية، واثبات عدم قدرة الفلسطينيين على تحقيقها، إضافة إلى خفض سقف الطموح الفلسطيني إلى مستوى الرؤية والمخطط الإسرائيلي المعلن والصريح لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وكل السلوك الإسرائيلي بعد أنابوليس يشير إلى وجهة محددة وثابتة لا تحتمل التأويل، فمن تكثيف الاستيطان والإعلان عن أن حدود التسوية الدائمة هي حدود جدار الفصل والعزل العنصري، إلى تقويض قدرة السلطة على فرض الأمن والنظام من خلال اجتياحاتها المتكررة وتصفيتها لعدد من الكوادر الفلسطينية التي سبق أن التزمت بقرار التهدئة، وتعطيل قدرة السلطة على ممارسة الحكم وإعادة بناء وإصلاح مؤسسات السلطة، إلى محاولة تفريغ المفاوضات من جوهرها وصرفها عن تناول قضايا التفاوض الرئيسية ولب الصراع، تحت ذرائع قديمة جديدة، تارة باسم الحفاظ على ائتلافها الحكومي، وتارة أخرى باسم عدم إيفاء السلطة "بالتزاماتها" الواردة في خطة خارطة الطريق، وخاصة مكافحة "الإرهاب" كما جاء مؤخرا على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي.
ويمكن لجردة حساب بسيطة لما تحقق بعد أنابوليس، أو بعد الإطلاق الرسمي للمفاوضات أن تؤكد حقيقة أن إسرائيل ليست معنية مطلقا بعملية سلام ذات مغزى يمكن أن تفضي إلى حل مقبول للصراع الفلسطيني، مستفيدة ومتذرعة إلى أقصى حد بالحالة الفلسطينية، وبالتحديد ما تقدمه حركة حماس لقاء تثبيت دويلتها في قطاع غزة. فبعد أن أخذت قطاع غزة وأهله إلى كارثة إنسانية مفجعة وهبطت بالمطالب الوطنية إلى مستوى الاحتياجات اليومية والتفاوض عليها، تنتقل اليوم عبر ما تسمى "بالمقاومة" إلى جعل سكان القطاع درعا بشريا تستدرج من خلفه حوارا إسرائيليا ثم دوليا معها، بصفتها العنوان الفاعل "للتهدئة" والقوة الوحيدة التي تمسك بتلابيب الشعب الفلسطيني في القطاع، حتى وإن كان ثمن التطبيع معها المئات من الضحايا، فهدف البقاء على الانقلاب يبرر المأساة لديهم مهما كان حجمها.
ولا شك، أن إثارة قلق مصر ومخاوفها ومحاولة ابتزازها المتواصل وجرها إلى التعامل مع نتائج سياسة حركة حماس وسلوكها الذي يفتقد للمسؤولية يهدف إلى دفع مصر للاعتراف بها بحكم الجوار، ودفعها للبحث عن مخارج تؤدي إلى الاعتراف بها وبإمارتها كأمر واقع لا يمكن تجاهله. وفي سبيل هذا الهدف، توظف حركة حماس قوى إقليمية متهافتة على العلاقة مع إسرائيل لتحقيق هذه الغاية، فتحت شعارات التهدئة الصحيحة والضرورية، تتسلل حركة حماس لانتزاع الاعتراف بدويلتها وحكومتها.
في خضم هذه الأهداف الإسرائيلية الاستراتيجية للقضاء على الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال الناجز، تمثل حركة حماس ومشروعها وأدوات تثبيتها لهذا المشروع، فرصة تاريخية للاحتلال الإسرائيلي لتسهيل تصفية القضية الوطنية، وهو، أي الاحتلال، لن يجد في حركة حماس، خصماً يشابه م.ت.ف وحركتها الوطنية، فمقابل تمكين حركة حماس من تثبيت سيطرتها على قطاع غزة والتلويح لها بالدولة المؤقتة التي سبق أن وافقت عليها، وإعفائها من "شبهة" الاعتراف بإسرائيل "كعذر" ديني، يمكن لحركة حماس أن تستمر في الإجهاز على هدف النضال الوطني متفرغة لمهمتها "الإلهية" في إقامة حاكميتها الدينية في غزة. ولهذه الغاية ستجد حركة حماس كل الذرائع الدينية والدنيوية لتمرير هذا التفاهم الإسرائيلي- الحمساوي.
أمام هذه التحديات المركبة، الداخلية والخارجية، نحن بحاجة ماسة إلى إستراتيجية وطنية مضادة تقدم مخرجا وطنيا وواقعيا للازمة الراهنة سواء في مواجهة المخطط الإسرائيلي المتواصل، أو في مواجهة مشروع حماس وتداعياته.

* رئيس تحرير مجلة "الطريق" الفلسطينية

حيدر عوض الله
الأربعاء 12/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع