مـن الـروضة الــى الـريـاض
كلمات غير عاديّة للمربّي رياض اغبارية



غريب أمــر الإنسان ومحيّر سلوكه النابع من جيناته الخـاصة به تارة وتأثره من بيئته ومجتمعه تارة أخرى. ونغوص في متاهة حب البقـاء وحق الموت علينا. فلا مفر من حضـور الملاكين الشفوقين الرحومين ليلقّنانا قولا قد لا نستطيع ترديده ونحن أموات. نحن لا ننتظر الملاكين وحضورهما لنقول ما لدينا، فقد قلناه وفعلناه ... وهذا ما قام به طيب الذكر الأستاذ رياض اغبارية مديـر مدرسة الكرمة في حيفا، الذي ووري الثرى قبل أيام بعد صراع مـرير مع المرض.

 

تعرّفت على الأستاذ رياض ليس فقط من خلال عملي في جهاز التربية والتعليم في بلدية حيفا، بل من خلال التـوافق الإنساني ولمسات الأدب والشعر، من خـلال لغتنا الجميلة التي أحــبها واخلص إليها حيث استنشق عبقها واستهم ليصل آخر افقها البحري والبري والجوي . لكنه لم يصله...

 

تعرفت على الأستاذ رياض من خلال تحسسه وتعامله مـع "الخط الرفيع"، هذا الخط الذي طالما حتحت عقولنا فرسمناه في مخيلاتنا وهميا ومن بعد ذلك ليصبح خطا فاصلا قوله يحدد منهج ونهج سلوكنا اليومي. الخط الرفيع بين الرسمي والشعبي، المسؤولية الجماعية والفردية، الانتـماء للوطن وللمؤسسات الرسمية، العطاء والمصلحة الشخصية...... والعديد من المقولات التي عرفها رياض جامعا إياها في روضة واحدة تارة وفي رياض عامة تارة أخرى.

 

ففي هذا المسـلك أبدع رياض وتعلمـت منه الكثير من الحـكمة، حكمة النظر والبصيرة والصبر وحكمة الحياة اليومية. فخـطك الرفيع تحول الى ميزان العدل والقسط، ميزان التربية والتعليم، وهذا دينك وديدنك، هذا هو معدنك الأصيل وهذه هي حياتك فمن الثانوية الى الجـامعة في حيفا وتل أبيب ومن طمرة الى الكلية الاورثذكسية الحيفاوية والى التفتيش في أم الفحم والفريديس وجسر الزرقاء ومن ثم لتستقر في حيفا التي أحببتها واحبتك  بناسوتها  وكرملـها وبحرها عزيزيا كان ام ابو نصور، معدنك اللـغوي والتربوي دفعك دائما للكتابة في العديد من المجلات لتدلو بإسهاماتك وسلاطة لسان قلمك. هكذا عرفناك.

 

تعرّفت على الأستاذ رياض من خلال احتـرامه للصغير قبل الكبير فطلاب ومعلمو ومعلمات مدارسه ومدرسته الكرموية نالوا قسطا وافرا من التعامل باحترام متبادل، ولم يبخل بحبه واحترامه لكل من عمل معه في المدرسة وخارجها. وفي هذا المجال تحضرني كلمة حق قيلت برئيس بـلدية حيفا الأسبق عبد الرحمن الحاج "لم يخاصم احد، ولم يجرؤ احد على مخاصمته"، فانك الحاج بهيبته وتقواه وعبد للرحمن بتعاملك الإنساني.

 

لا نستطيع ان نقول لك الوداع يا أستـاذ لانك ستبقى فينا حيا ولإحياء ذكراك سنـعمل بجهد وكدّ وكأن لفراقك معنى ومغزى يفيد المستقبل.

(حيفا)

د. ماجد خمرة *
الأربعاء 12/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع