بداية نهاية المحافظين الجدد



منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية والولايات المتحدة الأمريكية، بجمهورييها ودمقراطييها، تتولى قيادة الإمبريالية العالمية ومشاريعها في المنطقة والعالم. ومع انهيار المنظومة الاشتراكية ازدادت الوحشية الإمبريالية في ظل غياب القطب الآخر. وسنحت أمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة فرصة تاريخية، استغلتها حتى النهاية، لتوسيع نفوذها وتجيير القضايا السياسية الدولية والإقليمية لخدمة مصالح الرأسمال.
وجاء صعود المحافظين الجدد انعكاسًا طبيعيًا لهذه المرحلة، ولمطامع شركات النفط والسلاح والتقنيات المتقدّمة، ولما أفرزه هذا من مشاريع عدوانية وحروب لصوصية في العراق وأفغانستان وغيرها بهدف ضمان مصالح هذه القوى.
ولكن الرياح لم تجر بما اشتهته سفن جورج دبليو بوش وقباطنة اليمين الأمريكي المتطرّف، وإذ بقوى دولية وإقليمية جديدة تفرض نفسها على الساحة المُحتكَرة إمبرياليًا. فشهدنا صعود اليسار في أمريكا اللاتينية، وتعاظم قوّة الصين وروسيا، ونشوء محاور ممانعة أخرى في شرق آسيا والمنطقة العربية والإسلامية. والمشترك في هذا كله هو أنّ طبيعة الصراع والتطوّر أنتجت نوعًا من المقاومة لنظام القطب الواحد.
وإذا كان المحافظون الجدد قد وضعوا نصب أعينهم في المنطقة قبل بضع سنوات مشروعَ "الشرق الأوسط الكبير والجديد"، فإن ما حدث على أرض الواقع في العراق وغيره كان فشلا مدوّيًا لمخططاتهم وضربة كبيرة لمصداقيتهم. حتى بات الهدف الواقعي هو الحفاظ على الوضع الحالي والإبقاء على الأنظمة العربية الموالية للإمبريالية. وكذلك الأمر في الباكستان وأفغانستان التي تتقهقر فيها قوة عملاء واشنطن.
ولم يقتصر إفلاس المحافظين الجدد على استقالة رموزهم، بل ايضًا في تحوّلات الرأي العام الأمريكي نفسه، رغم غسيل الدماغ الإعلامي الشديد، واستقطاب السيناتور الدمقراطي باراك أوباما لكثيرين في المجتمع الأمريكي، من خلال طرح رؤية سياسية مُغايرة لطروحات المحافظين الجدد.
إن أفول المحافظين الجدد، وفشل الليبرالية الجديدة المتطرّفة والقوة العسكرية، يقول إن العالم لم ولن يستسلم للإرادة الإمبريالية. ولكنه لا يعني بالضرورة تغيُّر مصالح القوى المهيمنة في الولايات المتحدة أو جنوح الإدارة الجديدة نحو نهج أكثر إنسانية. ولكن يؤكد، أكثر من أي شيء، أنه يمكن ويجب مقاومة الإمبريالية، وأن الشعوب الحيّة لا تُقهر، إذا ما توافرت لديها الإرادة والجاهزية النضالية للدفاع عن حقوقها.

(الاتـــــــحـــــاد)

الأربعاء 12/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع