لا يوجد حد لجشع وجنون الاثرياء النهابين الجدد في نظام العولمة الرأسمالية الجديد



لم يكن خبرا عاديا ما قرأته قبل حوالي الاسبوع في جريدة "يديعوت احرونوت"، عن احد الاثرياء النهابين الجدد من روسيا اجبرني على كتابة هذا المقال المتواضع وهذا فحواه: قدم احد اولئك الاثرياء النهابين الى اسرائيل واشترى خمس فيلات متلاصقة على مساحة من الارض وسعها احد عشر دونما وهدم تلك الفيلات الخمس من اجل بناء فيلا واحدة تبلغ مساحتها آلاف الامتار، وتضم ملعبا للتنس وبركة سباحة وكل وسائل الراحة والرفاهية ناسيا او متناسيا ان هناك ما يزيد عن مليون ونصف مليون انسان يعيشون تحت خط الفقر بينهم حوالي الخمس مئة الف طفل من سكان اسرائيل يهودا وعربا لأن الفقر والعوز لا يفرق بين شعب وآخر ولا بين قومية واخرى او بين دين وآخر فكيف ومن اين جاء كل ذلك الثراء الفاحش وبهذه السرعة؟!!
حفنة من اللصوص والمحتالين استغلوا انهيار النظام الاشتراكي واستولوا على اقتصاد وموارد دولة عظمى بكاملها واصبحوا بين ليلة وضحاها من اغنى اغنياء العالم يملكون مليارات الدولارات، استولوا عليها بالغش والاحتيال واصبحوا يتحكمون بمصير تلك الدولة العظيمة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وبدأوا بتغيير والغاء القوانين الاجتماعية والاشتراكية وسن قوانين الخصخصة والقضاء على القطاع العام لصالح القطاع الخاص الذي يخدم الاقلية الرأسمالية التي تتحكم بمصير الملايين من البشر لمصلحة هؤلاء الاثرياء النهابين وبدعم وتأييد النظام العولمي الرأسمالي الجديد المدعوم من الشركات الرأسمالية في العالم وخاصة الامريكية التي اصبحت ايضا شريكة لهؤلاء الاثرياء النهابين.
في الايام الاولى من النظام الرأسمالي الجديد الذي قام على انقاض النظام الاشتراكي عرف هؤلاء النهابون كيف يستغلون الفوضى الاقتصادية والادارية واشتروا بأبخس الاثمان موارد ومصانع دولة عظمى بأكملها كانت تقدر بمئات وربما بألوف المرات اكثر من السعر الذي دفعوه مقابل موارد النفط والغاز والنيكل والذهب وموارد اخرى ثمينة لا تعد ولا تحصى وكل ذلك بطرق الغش والاحتيال والرشوة وايضا بطرق المافيا الاجرامية كالتهديد بالقتل، وكل واحد من هؤلاء المحتالين كان لديه "جيش" مأجور ينفذ كل ما يطلب منه.
في هذا الجو الملائم لهؤلاء اللصوص والمحتالين وفي بداية النظام الرأسمالي الجديد، كان هؤلاء يقتتلون فيما بينهم على الغنائم، لكن سرعان ما ادركوا ان الاقتتال ليس لمصلحتهم، فتوجهوا معا للاستيلاء على الحكم عندما  كان يالتسين السكّير في السلطة وقبل "الانتخابات" بوقت قصير كانت شعبيته أي يالتسين في الحضيض وقد تدنت الى 4% نتيجة لادمانه ومرضه وكان يشتغل ساعتين او ثلاث في اليوم فقط واللذان كانا يديران شؤون "الدولة" هما حارسه الخاص وابنته بينما الفساد والغش متفشيان في كل مكاتب الحكومة وبالحكم نفسه.
وفي ذلك الجو الملائم لهؤلاء اللصوص والمحتالين فقد قرروا واتفقوا فيما بينهم ان يدعموا يالتسين باموالهم "بالحملة الانتخابية" لابقائه في الحكم ليتسنى لهم العمل بحرية بسبب شخصيته الضعيفة وهذا ما حصل ولكن بعد انتخابه بمدة وجيزة: اصيب بنوبة قلبية وكل طيلة "حكمه" قضاها في المستشفى بينما واحد من هؤلاء اللصوص والمحتالين واسمه بوريس يوروزفسكي نصب نفسه رئيسا للحكومة بعدما تنازل عن جنسيته غير الروسية وكل شيء مر بسلام حسب الخطة. وفي عدة مناسبات كان هذا الذي يدعى بوروزفسكي يتباهى بانه هو الذي كان وراء الحرب مع الشيشان ليتسنى له الاستيلاء على مقدرات تلك الدولة ويمنعها من الصلح مع روسيا لينفرد بالاستيلاء على انبوب النفط المزمع اقامته على اراضيها وقضى على الجنرال ليبر ذي الشعبية الواسعة الذي وقّع اتفاقية السلام مع روسيا ولكن اخيرا كما يقول مثلنا الشعبي: "لم تأت العتمة عل قد يد الحرامي" وبعد وصول فلاديمير بوتين الى الحكم وهو من رجال المخابرات السابقين في النظام السوفييتي وله شخصية قوية لا يتكلم كثيرا ويعمل اكثر مما يتكلم فاستولى على محطات التلفزيون والاذاعة التي كانت بحوزة اولئك اللصوص وزج بأحدهم في السجن ويدعى ميخائيل خوضوروفسكي وباقي اللصوص هربوا من روسيا فملثلا بوروزفسكي موجود في انجلترا بينما فلاديمير فيزنسكي وربما ايضا ميخائيل تشرنوي قد يكون غادرا روسيا وربما انهما موجودان في اسرائيل ايضا.
وفي ظل ذلك الجو العدائي ضد هؤلاء اللصوص والمحتالين لكونهم ينتمون بالصدفة للديانة اليهودية بدأ اللاساميون الروس اللصوص ايضا يستغلون هذ الجو للتحريض على ابناء الديانة اليهودية جميعا وهذا ما لا نرضاه ابدا نحن الامميين الذين اخذنا على عاتقنا النضال من اجل اخوة الشعوب وعلينا فضح ومحاربة الاساليب الرأسمالية القذرة التي تفرّق بين الشعوب وتقوي النعرات القومية والدينية والطائفية بين ابناء الشعب الواحد والوطن الواحد ليتسنى لهم الاستمرار بالحكم ونهب ثرواته بينما الماركسيون والامميون يناضلون ويفكرون ويعملون بعكسهم تماما لأن القضية طبقية اجتماعية بين مستغِل ومستغَل وبين ثري وفقير وليست بين شعب وآخر او قومية واخرى او دين وآخر كما يحاول المنظرون الرأسماليون وقطاريزهم وعكاكيزهم من عامة الناس الفقراء وغير الواعين طبقيا ويعتقدون" ان "كلب الشيخ شيخ" لكنهم لا يدركون ان الكلب كلب ولا يمكن مقارنته بالاسد لأن ذلك ضد قوانين الطبيعة والمنطق ايضا.
ان الذي يحدث في روسيا اليوم بعد الانهيار الاشتراكي ممكن حدوثه في أي بلد آخر مثل امريكا واسرائيل ايضا. الانتخابات الامريكية تكلف المرشح للرئاسة عشرات وربما مئات الملايين من الدولارات وفقط كبار الاغنياء يمكنهم ان يرشحوا انفسهم، فمثلا المرشح الدمقراطي كيري في الانتخابات الامريكية السابقة فهو متزوج من اغنى النساء في امريكا وزوجها السابق ملك "الكتشوب" في امريكا واسمه هنري هاينز ومن لا يعرف من هما البوشان الاب والابن وعلاقة عائلتهما مع عائلة بن لادن صاحبة الثراء الفاحش في السعودية وديك تشيني كان مديرا لشركة نفط عملاقة تدعى "هيليبرتون" وقد حصلت على عقود بالمليارات بعد الغزو الامريكي للعراق، وفي لبنان ايضا وصل رفيق الحريري الى الحكم بواسطة ثروته التي "جمعها" في السعودية عندما بدأ عمله هناك محاسبا في شركة عمار شيّدت قصورا للعائلات الثرية في السعودية وبواسطة تلك الشركة تعرف الحريري على اصحاب الحل والربط في عالم المال والسياسة وحصل على الجنسية السعودية مقابل "خدماته لعائلة الملك" وبتوصية منها وصل لرئاسة "الحكومة اللبنانية" التي ما زالت في الحكم رغم معارضتها من قبل اغلبية الشعب اللبناني.
وفي اسرائيل ايضا يتكلمون كثيرا الآن عن "المال والحكم" والتحقيقات الاخيرة مع كبار رجال الحكم ومنها رئيس الحكومة السابق وابنه المتهم بجمع اموال غير قانونية تحت ستار التبرعات لحملته الانتخابية وهل نسيتم، وزير المالية السابق هيرشزون الذي اتهم باختلاس اموال "نقابة العمال القومية" التي كان يرأسها وهو من الاصدقاء المقربين لرئيس الحكومة الحالي ايهود اولمرت وقد اجبر على الاستقالة من منصبه كوزير للمالية تمهيدا لتقديمه للمحاكمة بتهمة الاختلاس؟!.
ان هذه الظاهرة ان دلت على شيء تدل على الانحطاط الاخلاقي والابتعاد عن المبادئ وعدم الاستقامة والانحدار الى المستنقع المادي الذي لا يستفيد منه الا قلة ضئيلة من الذين يتربعون على كرسي الحكم من محترفي السياسة وتجارها، بينما الاغلبية الساحقة من كل شعوب العالم مهضومة الحقوق وتعيش في فقر مدقع وليس صدفة ان الملياردير الكبير "بيل غيتس" وفي الاجتماع الاخير في دافوس قال: "انه عار كبير على الرأسمالية العالمية اليوم وفي ظل حكمها ينام حوالي المليار ونصف انسان جياعا لعدم استطاعتهم الحصول على قوت بطونهم وبطون اطفالهم". واخيرا من اجل الدفاع عن لقمة العيش التي اصبحت مغمسة بالعرق والدم في هذا الزمان الرديء عشرات المرات اكثر من السابق لافتقاد النظام الاشتراكي الذي كان يقف بالمرصاد لأولئك النهابين وقد بدأ العديد من البشر يشعرون بفقدان ذلك السند الجبار وبدأوا يحنون الى تلك الحقبة من تاريخ الانسانية فواجبنا من اجل ذلك جميعا التكتل والنضال معا من كل الشعوب والقوميات والاديان لاجل الحصول على لقمة عيش كريمة لنا ولاطفالن، سواء ا رضي هؤلاء النهابون او أبوا وان لم يعجبهم هذا الكلام فلينفلقوا.

(حيفا)

موسى ناصيف *
الأثنين 10/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع