في أزمة الثقافة العربية..!!



لقد سعت الانظمة العربية الديكتاتورية على امتداد التاريخ المعاصر الى طمس وتزييف وتشويه الجوهر الدمقراطي الحقيقي للثقافة العربية، بدءا بشراء الضمائر وتدجين المثقفين وانتهاء بالاغتيال والتهميش، وتعرضت الثقافة الوطنية الدمقراطية والشعبية الى حصار وتعتيم مكثف ومبرمج، واُخضع اصحاب القلم والمثقفون، على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم الايديولوجية، الى قمع وقهر نفسي وجسدي، وحوربوا في خبزهم وحريتهم، واعتقلوا وغرموا داخل الوطن وخارجه، وصودرت كتبهم وجرى تحويل المؤسسات الثقافية واتحادات الكتاب والادباء الى هياكل خاوية.
ولا ريب، ان ازمة الثقافة العربية هي وجه آخر من اوجه الازمة الفكرية والسياسية والاجتماعية التي تعيشها الشعوب العربية والقوى الوطنية التقدمية الشعبية والعلمانية المناضلة، وهذه الازمة بالطبع تخلق آثارا سلبية مدمرة على الحركة الثقافية العربية اذا ما قدر لها ان تستمر وتتواصل فترة اطول.
وترتبط ازمة الثقافة في الوطن العربي بمظاهرها المختلفة واشكالها المتعددة، من ارهاب وقمع المثقفين ورجالات الادب والفكر والسياسة الى تكفير المفكرين، وتشويه وتذويب الشخصية العربية الوطنية عدا عن غياب الدمقراطية السياسية وحرية الابداع والتفكير والعداء العلني السافر للفكر العلمي التقدمي المادي المتنور، فكر التغيير.
ومن الطبيعي ان تنشأ في ظروف القمع الثقافي والسحق الوحشي لكل من يخالف ارادة النظام الحاكم، الافكار الانهزامية والمفاهيم والقيم السلبية، والثقافة الضحلة الزائفة والمدجنة وتوظيف ذلك بهذا الشكل او ذاك في خدمة السلطة والمؤسسة العربية الحاكمة.
ان الثقافة الابداعية الحقيقية لا يمكن ان تنمو وتتطور وتزدهر الا في ظل الدمقراطية، والترابط الجدلي بين الثقافة والدمقراطية شرط اساسي وضروري لتطورهما معا، وهو المناخ الذي تنتعش فيه الثقافة الوطنية الجماهيرية العمالية والتقدمية ويصان فيه التنوع الثقافي الابداعي والتفكير الحر، وان الدفاع عن حرية الفكر والابداع وكذلك الكفاح ضد الوان واشكال الارهاب والاغتيال الفكري بأشكاله واجب مقدس على جميع المثقفين الاحرار والقوى الطليعية المتنورة في المجتمع العربي. وعليه فان المثقفين يتحملون مسؤولية كبيرة في الدفاع عن الحريات الدمقراطية، ولأن هذه الحريات في الاقطار العربية تتعرض الى انتهاك فظ ووحشي فهي تحتل مكان الصدارة بين هموم الادباء والكتاب والمفكرين الدمقراطيين.
أخيرا، وأمام هذا الواقع المرير والبائس فان المطلوب من جميع المؤمنين والمدافعين عن الحرية، الذين يرفضون سحق الانسان وتزوير ارادته وسلب احلامه وتسميم الهواء الذي يتنفسه، هو العمل باصرار ودأب لاستئصال سرطان الارهاب والدكتاتورية واحباط مشاريع خنق الثقافة الدمقراطية، ووقف جرائم القمع والملاحقة والتعذيب التي يتعرض لها المثقف العربي السابح ضد التيار.

(مصمص)

شاكر فريد حسن *
الأثنين 10/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع