غزة تواجه سيناريوهات التهجير بسلاح الصمود



غزة - كتب محسن الإفرنجي - يواجه سكان شمال قطاع غزة الذي يشهد كثافة سكانية الأعلى عالميا مخاوف متزايدة جراء التهديدات الإسرائيلية بترحيلهم من مناطق سكناهم لتكثيف عملياتها الحربية ومواصلة الاجتياحات والتوغل في ظل إصرارهم المطلق على البقاء في منازلهم وعدم الرحيل عنها ومغادرتها.
وكان وزير "الأمن" الإسرائيلي أيهود باراك عرض على المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر مشروعا يقضي بترحيل جماعي آلاف للفلسطينيين من المناطق التي تطلق منها الصواريخ محلية الصنع على البلدات الفلسطينية المحتلة قبل قصفها.
واللافت لنظر المراقبين للشأن الإسرائيلي أن باراك طلب استشارة قانونية تمكنه من إخلاء السكان من المناطق التي يتم منها إطلاق صواريخ المقاومة المحلية ليتسنى لقواته اجتياح تلك المناطق وقصفها بكثافة.
وأبدى مواطنو شمال القطاع قلقا بالغا إزاء نوايا قوات الاحتلال تجاههم بترحيلهم خاصة بعد فشل عملية "الشتاء الساخن" مؤكدين أنهم لن يغادروا بيوتهم وأرضهم "مهما كلفهم الثمن".

 

دروع بشرية للحماية...

وقال المواطن أحمد الصباح (56 عاما) من سكان تل الزعتر شمال القطاع: "إسرائيل لا تتورع عن ارتكاب أية جرائم بحق المدنيين والأطفال والنساء وكبار السن لكنها لن تقتل فينا إرادة الصمود ولن نغادر أرضنا".
وأوضح الصباح الذي استشهد نجله البكر قبل عام ونصف خلال تصديه لعملية اجتياح أن المخاوف قائمة من أي عدوان إسرائيلي قادم مشددا على أن الصمود هو العنوان الأبرز لكل الفلسطينيين.
واستدل الصباح باستبسال المواطنين ودفاعهم عن المنازل المهددة بالقصف لا بهروبهم وتركها مما منع هدمها بعد أن شكل المواطنون بأجسامهم درعا بشريا ضد أي عدوان إسرائيلي على هذه البيوت رغم أن الطائرات كانت تحلق فوقها بكثافة.
وقال: "تلقى المواطن أبو بلال الجعبير من جباليا وهو والد شهيدين قبل أيام تهديدا بإخلاء منزله تمهيدا لقصفه وما أن انتشر الخبر حتى بدأ المواطنون يتجمعون ويشكلون دوريات من المدنيين غير المسلحين لحماية المنزل من القصف بأجسادهم وأرواحهم".
وعلى عكس ما أرادت قوات الاحتلال فبدلا من أن ترهبهم تكرر الموقف التضامني ذاته مع العشرات من أصحاب المنازل المهددة بالقصف مما حال دون قصفها خاصة أن المواطنين ينظمون عملية الحماية للمنزل المستهدف من خلال تقسيم صفوفهم إلى دوريات تتولى كل منها وقتا زمنيا محددا حتى لا يتركوا المنزل هدفا سائغا لطائرات الاحتلال.
ولا ينكر الصباح أنهم يعيشون أجواء حرب حقيقية خاصة خلال الأسبوع الأخير الذي ارتكبت فيه قوات الاحتلال مجازر بشعة في إطار عملية أسمتها "الشتاء الساخن" أسفرت عن استشهاد أكثر من 120 مواطنا ثلثهم من الأطفال وإصابة ما يزيد عن 350 بجراح مختلفة غير أنها أخفقت مبكرا في تحقيق أهدافها القاضية بمنع إطلاق الصواريخ محلية الصنع.
وأضاف: "هم يملكون القوة ولا إرادة لهم ونحن نملك كل الإرادة وبعض أسباب القوة التي ترعبهم أكثر مما ترعبنا أسلحتهم المتطورة جدا".
أما المواطنة الحاجة أم سهيل (65 عاما) التي دمر القصف الإسرائيلي أجزاء كبيرة من بيتها فلا ترى لها مأوى غير بيتها "حتى لو هدموه على رأسنا".
وتؤكد الحاجة أم سهيل التي ترتسم في معالم وجهها خارطة الوطن المسلوب أنها تعيش وأسرتها أصعب أيام في حياتهم لم تر مثيلا للمجازر الإسرائيلية التي ترتكبها بحق المدنيين وخاصة الأطفال مستذكرة بدموع ساخنة مشاهد الأشلاء المتناثرة والجثث المقطعة والدماء النازفة.

 

* مزاد علني للقتل والتهجير


ويرتكز سيناريو الترحيل الإسرائيلي الجديد على توجيه إنذارات للسكان المدنيين من خلال توزيع المنشورات وعبر الإذاعات من أجل ترويعهم وإرهابهم ودفعهم لمغادرة أماكن سكناهم باتجاه جنوب قطاع غزة ومن ثم البدء في قصف الأحياء السكنية التي تطلق منها الصواريخ تجنبا لوقوع ضحايا.
ومن بين السيناريوهات الإسرائيلية ما طرحه النائب الوزير فيلناي بأن يتم هدم البيت الذي يطلق منه صاروخ بواسطة الجرافات رغم أن الصواريخ لا تطلق عادة من البيوت.
وذكرت صحيفة "معاريف" أن إحدى العروض تقوم على أن يتم توزيع المناشير بالمرحلة الأولى بالمنطقة التي تم إطلاق الصواريخ منها وذلك حتى يخرج المدنيون من بيوتهم وبالمرحلة الثانية تطلق قوات الاحتلال قنابل دخانية حتى يشعر المدنيون بالخروج من بيوتهم وبالمرحلة النهائية إذا لم يتوقف إطلاق الصواريخ من المكان تطلق قوات الاحتلال صواريخ على المكان ويدمر البيوت التي أطلق منها الصواريخ.
وتأتي هذه السيناريوهات تزامنا مع  ما أسموه "فتوى غير مسبوقة" أطلقتها مجموعة من كبار الحاخامات في إسرائيل الخميس الماضي، تتيح لقوات الاحتلال الإسرائيلي قصف التجمعات المدنية الفلسطينية، في حال انطلقت منها هجمات على تجمعات سكانية يهودية.
وتنصّ "الفتوى"، الصادرة عن "رابطة حاخامات أرض إسرائيل"، على أن الشريعة اليهودية تبيح قصف التجمعات السكانية المدنية الفلسطينية، إن كانت مصدرًا لاستهداف اليهود.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تجري مباحثات مكثفة للخروج بقرار من المحكمة الإسرائيلية يبيح لها استهداف مناطق سكنية مأهولة بالمدنيين يطلق منها الصواريخ تمهيدا على ما يبدو لمجازر رهيبة قد ترتكبها قوات الاحتلال في المرحلة القادمة.
ورغم أن التهديدات الإسرائيلية بترحيل سكان شمال القطاع ليست الأولى ويبدو أنها لن تكون الأخيرة فإن ثمة رسالة وحيدة يوجهها الفلسطينيون عنوانها ومضمونها كلمة واحدة "صمود بلا حدود".. فهل وصلت الرسالة؟

الأثنين 10/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع