مرشحو العرب لبلديات فرنسا: طعم للهزيمة ... يساراً ويميناً



باريس : أورلي ليست مطارا فقط. ستون ألفا، يتنفسون أبخرة الكيروسين، من نفاثات الإقلاع والهبوط التي لا تنقطع، إلا سويعات ليلا. مجمعات المساكن الشعبية والعمالية، تلامس المدرجات.
ويقسم غازي حمَّادي، أغلظ الأيمان «لم أقل لعربي واحد في دائرة أورلي أن ينتخبني لرئاسة البلدية لأني عربي، لم يقل ناخب واحد سأقترع لك، غازي، لأنك مغاربي الأصل».
غازي ليس المغاربي الوحيد، أو المتحدر من أصل عربي، الذي يخوض معركة الانتخابات البلدية، إنما هو واحد من عشرين مرشحا من هؤلاء، في مدن يسكنها أكثر من عشرين ألف نسمة، دفع بهم «الاشتراكي» الفرنسي، إلى رئاسة لوائحه الانتخابية.
البلديات تتناول ما يقارب 35 ألف مدينة وقرية. ويكاد ينحصر ترشيح هؤلاء في مدن «الحزام اليساري الأحمر» حول باريس. وهو خيار يراهن على استقطاب أصوات الثلاثين في المئة من الناخبين، من كتل عربية، أو مهاجرة، قد يجتذبها رنين الأسماء العربية.
وتتوارث منذ الحرب العالمية الثانية، قيادات شيوعية واشتراكية، البلديات، في هذه الضواحي التي تقطن مساكنها الشعبية وأبراجها القبيحة، أكثرية المليون ونصف مليون ناخب من أصل عربي، غلب مصطلح «التنوع» في نعت تجمعاتهم، على ما عداه من مصطلحات، كالمغاربة، والمتحدرين من الهجرة، أو الفرنكو آراب، كان يتم تداولها ثم استبعادها، وفقا لدرجات ولوجهم النسيج الاجتماعي الفرنسي.
أبناؤهم من الجيل الثاني، كغازي صاروا «بورا»، أي زبدة، في فرنسية أبناء الضواحي، التي قلبت شبان العرب المغاربة «بورا» وزبدة، بشيرا بذوبانهم في النقيع الفرنسي، واندماجهم.
أحب الثقافة العربية، وأعلن انتمائي إليها، والعربية جزء من ثقافتي، لكنني فرنسي مكتمل الفرنسية، ومشروعي الانتخابي ليس جزائريا، بل اشتراكي وجمهوري و»لا ييأس ابن التاسعة والعشرين من العمر، من إقناع جمهور أكثره عربي، يصادفه في أزقة المدينة. وبعد «لا بد من التغيير، سترون، سنغير أشياء كثيرة»، تدعو شيبا متقاعدين من العرب للاقتراع له، ولا تجد تعليقا.. يدس غازي بالعربية «إن شاء الله» فتتردد تلقائيا، على كل الشفاه.
«ليس المهم أن أدعى غازي، المهم ما سأقوم به، قد أكون برأسين، وثلاثة أذرع، المهم ليس من أين أتينا، بل إلى أين نحن ذاهبون»، ثم يخرج من المخبز العربي. «يجب أن يكون للعرب بلدية، وكلمة في أحوال البلدية في المدينة»، قال الخباز التونسي الأصل، الذي لن يتردد في الاقتراع للمرشح العربي الشاب.
ولا صوت يعلو على صوت المعركة الانتخابية، التي تنسي المدينة، زمنا يسيرا، مطارها، حتى موعد دورة الانتخابات البلدية الأولى، الأحد المقبل، حيث يخوض غازي معركة الانتخابات في أورلي، ضد المشرف على الثمانين، غاستون فيانس، الحارس القديم في الحزب الشيوعي الفرنسي، ورئيس البلدية، منذ الستينات دون انقطاع.
وفي أوبرفيلييه، الشيوعية منذ ستة عقود، يقف الشاب الأربعيني، فيصل منيا، منذ أسابيع على مدخل سوق الأحد في المدينة، حيث يرأس لائحة لحزب «الإتحاد من أجل حركة شعبية».
«قولي لأبنائك أن يقترعوا لي، لا تنسي سيدتي»، السيدة طأطأت رأسا خلف الحجاب، يعد بالتأييد. فيصل منيا المولود في الجزائر، اختار حزب ساركوزي «لأن الرئيس كان أول من وزّر عربياً، مع رشيدة داتي في وزارة العدل». وفيصل يقود لائحة من بين 15 لائحة ساركوزية، يقودها مرشحون من أصل عربي.
«تخرجت من المدرسة المركزية للهندسة الصناعية، ثم اخترت السياسة، أردت أن أكون نافعا، فانتسبت إلى الإتحاد من أجل حركة شعبية». والمعهد المركزي للهندسة، وليد نابوليون، الذي أقامه، لإنجاب نخبة تقود الإدارة. وقد فعلت، ولا تزال، وهي تنهض وحيدة، إلى جانب «البوليتكنيك»، والمعهد الوطني للإدارة، بأمر إعداد النخب السياسية الفرنسية، إلى حد ارتقائها تدريجيا مرتبة الطــائفة المكتملة، أعرافا وعصبية، في سيطرة خريجيها على الإدارة والسياسة والأحزاب في فرنسا، واقترانها بعصــبية الفرق السرية، التي بدأ يلجها متحدرون من أصــل عربي، إيــذانا ببلوغ اندماج العرب سياسيا في فرنسا مرحلة متقدمة، لتكوين نخب ســياسية في الرحم ذاته، الذي تكونت فيه واندمجت نخب الأقليات الوافدة إلى المجتمع الفرنسي.
وعندما يقول فيصل، لمن يرجو أصواتهن في مقهى السوق «أرفض مثلكن حل مشكلة البطالة، بدوافع رواتب متواصلة لمن لا يعمل» يستجيب مؤيدا، خطاب اليمين الانتخابي الدائم «العاطلون عن العمل تفسد أخلاقهم المساعدات المالية، فيقعدون عن البحث عن وظيفة»، وهو خطاب كان يستهدف المهاجرين العرب بشكل خاص.
«لقد اطلعت على الاستطلاعات، ولا أزال ثالثا، خلف الشيوعي والاشتراكي» يعترف بواقعية شديدة فيصل منيا.
وكغازي حمادي، الاشتراكي في أورلي، وكامل حمزة في لاكورنوف، ورشيد كاسي في نانتير، لا يقود العرب، لوائح انتخابية إلا في مدن شيوعية أو يسارية، حيث يقترع 75 في المئة من المتحدرين من أصل عربي تقليديا لليسار.
ولا تعترف الأحزاب علنا بتبنيها استراتيجية تعريب اللوائح لاعتبارات تكتيكية صرفة، إذ «تجتمع الأحزاب الكبرى»، كما يقول سليمان ديب، مرشح الساركوزية إلى مجلس القضاء في أوبرفيلييه، «على اختيار مرشحين من أصل عربي في مدن يصعب عليهم الفوز فيها، فيرشح اليسار عربا في قلاع اليمين، ويسمي اليمين مرشحيه العرب، في قلاع اليسار، كأوبرفيلييه، ولاكورنوف، حيث لا أمل لهم بالفوز».
وتتراوح مراتبهم في اللوائح، تبعا لنسب الناخبين من أصل عربي في المدن التي تجري فيها الانتخابات، باستثناء وزيرة العدل رشيدة داتي، التي تقود لائحة قوية في الدائرة، البورجوازية، السابعة في باريس.
ويفيد مرصد التنوع في الانتخابات «إن نسبة مرشح التنوع، بلغ نسبة السبعة في المئة، في بلديات 254 مدينة، يتعدى سكانها 300 ألف، نصفهم سيدخل المجالس البلدية»، لكن 35 مرشحا من أصل عربي، يقودون لوائح يمينا ويسارا.
فرانسوا هولاند زعيم الحزب الاشتراكي اعترف أن «الطلب المتزايد في صفوف الفرنسيين على التنوع مع نسبة ضئيلة كهذه لا يجد جوابا ملائما».. وبمجرد أن تنتهي الانتخابات، «سنرى ونفكر بأسماء أخرى» خصوصا أن 80 في المئة من الفرنسيين ابدوا استعدادهم، في الاستطلاعات، لانتخاب مرشحين من اصل عربي.
محمد بلوط
السبت 8/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع