حب في السعودية أم خيبة أمل؟



أعتقد أن الكاتب إذا أراد أن يكتب عليه أن يقول شيئًا مفيدًا.. رأيا جديدا أو جملة مفيدة! وأعتقد أيضًا أن عليه أن يصمت إذا لم يكن لديه ما ينفع الناس أو ما يمكث في الأرض.. فالعبث يقود إلى العبثية.. تلك التي لسنا بحاجة إليها بالمطلق في هذه الظروف التي تمتهن أمتنا العربية والإسلامية.
فالعبثية فوضى، والفوضى إذا لم تنضبط وإذا لم يكن الهدف من التعبير عنها إلغائها أو أخذ العبر منها فإنها تقود إلى العدم. ولسنا بحاجة إلى العدم والعدمية.
فالكاتب الروائي والمسرحي السعودي إبراهيم بادي في "حب في السعودية"، يهدي هذه الرواية الصادرة عن دار الآداب ط.1 عام 2007، إلى أمه فاطمة ويضيف منذ البداية أنها.. أنه "لست إلاّ فوضى تعبر عن نفسها."(!) وهي بحد ذاتها وصفًا دقيقًا لحياة السعوديين "الموديرن" الذين لا هم لديهم إلاّ المتعة... فهل هذه حقيقة الشباب السعودي؟
ومنذ البداية أيضًا يحكي لنا عن تلك الفتاة الصينية التي حلمت أنها فراشة وحين أفاقت لم تعد تدري أهي فتاة حلمت أنها فراشة أم أنها فراشة تحلم أنها فتاة.. ولست أدري رغم الكلام الجميل لتلك القصيدة إذا ما كان الخلط العبثي بين الواقع والحلم يقودنا إلى شيء ذي قيمة.
والرواية تتحدث عن فاطمة (لماذا يطابق هذا الاسم لاسم أمه؟ وهل قادته إلى ذلك عقدة أوديب؟) وهي موظفة تسويق في الإدارة الرئيسية لأحد المصارف. ناهزت الرابعة والعشرين.. درست خارج السعودية.. تكذب على أهلها وعلى الشاب الجديد الذي تحب.. وتمارس الحب معه في البداية عبر الهاتف المحمول... وتحب شابًا آخر في نفس الوقت وتجتر كل ما فعلته مع هذا وذاك بعد كل مرة في الخلوة غير الشرعية.. تتمرد على هيئة الحسبة وتعيش حياتها الخاصة بالسر. والدها سعودي وأمها لبنانية.. وتبقى معها بإستمرار العباءة السوداء التي تغطي عريها في المطعم وفي السيارة وعلى قارعة الطريق.. يتساءل بطل الرواية خالد: "هل كان من حقها أن تمثل العفة، والبتولية، وتكذب علي؟" (ص 24).
وتدور الأحداث بين بيروت ومدن السعودية الرياض والطائف، كانت مخطوبة لشاب عندما أقامت العلاقة الحميمه مع آخر. تكذب حتى في ذلك.. لم تكن مخطوبة.. في سنها يجب أن تكون مخطوبة أو متزوجة. المهم ألاّ يعرف خالد أنها على علاقة مع غيره. هنالك بطلان.. إيهاب بطل حبري أما خالد لا ندري إذا كان الكاتب أم أنه حبري أيضًا.. هذا غير مهم. فسواء بسواء إذا كان الكاتب هو أيهاب أم خالد. يقول الكاتب: "ما الفائدة من كل هذا الهذيان" وتساءلت كقارئ عندما وصلت إلى هنا: هل سيظل كاتبنا يهذي حتى آخر الرواية؟ وهل سيبقى الكاتب يحاور شخصياته الذكورية كمن يمارس العادة السرية؟ أو يمارس الجنس عبر الهاتف المحمول والإنترنت؟ أو بلغة عربية بسيطة يستمني! ويحاور ذاته.. يتضجر إيهاب.. يلازمه الخبل وهو يكتب على الحاسوب المحمول المتنقل ويشرب الخمر بينما يكتب. ويكون الناتج حتمًا مخمورًا. الكاتب يجعل من إيهاب عاشقا عصريا.. يحب خمس نساء ويكون على علاقة حميمة معهن كلهن.. فاطمة وهتون وديان ودنيا وعلوة.. دون خوان سعودي ثم يتحول إلى "جيغولومان" رجل مومس يقبض أجرًا من أريع نساء سعوديات أخريات، كل واحدة منهن تدفع له ألف دولار على المواقعة الواحدة. ثم يقوم بمساعدة إحداهن بإسقاط فتيات سعوديات من خلال الإنترنت، أحدث أدوات العولمة والهايتك.
وأم إيهاب "فاتنة" جميلة.. سعى إليها حتى إخوة أبيه!... الشخصيات في هذه الرواية تملى على الكاتب أما هو فيخلط بين خالد وإيهاب وذاته.. يهذي.. يعترف أن الشخصيات تتحكم في كل شيء (ص 149) فيتنافس معها. إنها شخصيات مفككة ضائعة.. يعتقد الكاتب "أن الكتابة من أجل القراء لا تستحق أن تقرأ. الكتابة من أجل الكتابة هي ما يستحق أن يقرأ فقط". (ص 163) يعود بنا إلى "سولفية" الفن من أجل الفن ومن هو الأسبق البيضة أم الدجاجة!
وإذا كان الكاتب مصدوم عاطفيًا فما ذنبي أنا كقارئ؟ إذا خانته حبيبته فليس معنى ذلك أن كل النساء خائنات. ما الفائدة من التعميم؟ لماذا علي أن أشك في زوجتي وأختي وإبنتي؟ لماذا علي أنا أن أتحمل قلق الكاتب وشكه في حواء بشكل عام؟ لماذا هذا الضياع؟ لماذا لا يكون حدًا فاصلاً بين الجرأة في الكتابة وبين الإباحية؟ لماذا يجعلنا نقرف من استمنائه (بالفازلين) على صورة فاطمة بهاتفه النقال ثم يخرج من الحمام يقابل زوجته بابتسامة؟ (ص 199). لماذا يصبح مملا عندما يكرر أوضاع الحب العملي في السيارة وفي المطعم وفي الهواء الطلق أو الاستمناء وكأن هذه هي الحياة في السعودية الآن؟ وإذا كانت زوجته دنيا مغرية لكنه لا يشتهيها إذًا لماذا تزوجها؟ لماذا يجعلها تعود مكسورة إلى زاوية السرير... تبكي حتى تنام؟! ثم يتناول الفازلين وعلبة المناديل... لماذا يدع تلك المرأة اللعوب الخائنة تؤثر على حياته الزوجية؟ لماذا كل هذه العلاقات الجنسية الخائبة المتشابكة الفوضوية؟ وهل هكذا هو الحب في السعودية.. أم أن هذه هي الفوضى عند بعض السعوديين... المتأثرين بحضارة اللاحضارة الأمريكية والمنادين بالحرية الجنسية.
يقول إبراهيم بادي في آخر الرواية: "لا أفكر في ما وراء العبارات. أكتب فقط. كل يوم أجلس أمام كمبيوتري المحمول، بمجرّد أن أصحو. أكتب. أتوجه إلى عملي. ثم أعودُ إلى الكتابة." (ص 262).
فأقول له: أجل أكتب.. فأنت موهوب. لكن عليك أن تقرأ أكثر مما تكتب. أجل أكتب لكن أكتب ما له معنى وليس لمجرّد الكتابة. أكتب عندما تنضج. أكتب عندما لا تجد بديلاً آخر. فهذه الرواية وإن كانت من نسج الخيال كما تدعي منذ البداية.. وإن كانت "فوضى تعبّر عن نفسها" كما تقول... فما ذنبي أنا البعيد عن أجوائها هنا في فلسطين الـ 48 أن لا تقول لي شيئًا ولا توصل لي شيئًا ولا توصل لي أية رسالة... فتزعجني؟ أنت موهوب.. نعم، لكن إعلم أن جائزة أفضل نص مبتكر التي نلتها في مهرجان المنستر الدولية في تونس لا تعني لي شيئًا. عرّج علينا وسوف ترى الحب في غزة!

وليد الفاهوم
السبت 8/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع