رجال صنعوا التاريخ الفلسطيني:
فؤاد نصار- نصف قرن من النضال الوطني



 "1914 – 1976"

47 عاما من الكفاح والنضال بكافة اشكاله "العسكري والسياسي و النقابي والجماهيري والوطني" قضاها القائد المناضل الرفيق فؤاد نصار متنقلا بين السجون والمنافي والمطاردة والتشريد، مكرسا حياته دفاعا عن القضايا الوطنية والاجتماعية وعن العمال والفلاحين والفقراء عامة، قاتل "بالسيف والقلم" على حد سواء، قاوم الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية.
وعندما غادرنا لم يترك وراءه لا مالاً ولا بنين، ولكنه ترك وراءه مسيرة بطولية وتراثا غنيا بالفكر والابداع والرؤية الثاقبة، فمن قائد فصيل عسكري في الجبل، الى قائد نقابي لاكبر تجمع عمالي في فلسطين، الى قائد حزبي في عصبة التحرر الى كاتب لامع ومثقف ثوري.
لا يسعنا الا ان نرفع رؤوسنا عاليا احتراما واجلالا للفارس الذي ترجل ولذكراه العطرة التي ستظل تلهم رفاقه وابناءه في حزب الشعب الفلسطيني ولكافة الاجيال وتشد عزائمهم وتمدهم بمزيد من الصمود والعطاء والعزم على مواصلة النضال لتحقيق الاهداف التي قضى من اجلها الشهداء والمناضلين..

 

*نبذة عن حياته*

ولد الرفيق فؤاد نصار عام 1914 في قرية بلدوان السورية من ابوين فلسطينيين.
شارك في المقاومة الفلسطينية منذ ثورة البراق في عام 1929.
اسس الرفيق فؤاد نصار مجموعات انصار المسلحة عام 1936.
في اوائل عام 1939 قاد الثورة المسلحة في منطقة القدس والخليل خلفا للقائد عبد القادر الحسيني الذي جرح في احدى العارك.
انتخب امين عام "مؤتمر العمال العرب " في فلسطين عام 1945.
مسؤول تحرير صحيفة "الاتحاد" الخاصة بعصبة التحرر الوطني في فلسطين بين عامي 1946 و1947.
انتخب امينا عاما لعصبة التحرر الوطني في شباط من العام 1948 .
لعب دورا اساسيا في تشكيل "قوات الانصار" الجناح العسكري للحزب الشيوعي الأردني عام 1970.
عضو المجلس الوطني الفلسطيني عام 1972.
حاصل على وسام "الصداقة بين الشعوب" عام 1974 وعلى وسام "ديمتروف" من الدولة البلغارية.

 

*نشاطه السياسي والوطني*

شارك في العمل الوطني منذ ثورة البراق سنة 1929 وأسهم في المظاهرات التي انفجرت ضد الاستعمار البريطاني وضد الغزو الصهيوني واحتجاجا على اعدام الوطنيين الفلسطينيين الثلاثة "حجازي وجمجوم والزير". يقول فؤاد نصار: "كانت هذه البداية ومنذ ذلك الحين انغمست في العمل الوطني".
في عام 1936، عندما وصلت المقاومة الفلسطينية إلى أوجها، قام فؤاد نصار بتشكيل   "مجموعات انصارالمسلحة" التي كانت تصنع المتفجرات وتخفيها ثم تهاجم المواقع والاليات البريطانية.
اعتقل في نفس العام، وقدم للمحكمة بتهمة "تشكيل منظمة سرية معادية للانتداب البريطاني والقيام بنشاط شيوعي"، وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة عام بعده يتم إبعاده لعام آخر. ولكن نتيجة للاضراب العام في فلسطين اطلق سراح فؤاد نصار مع غيره من المعتقلين السياسيين بعد ستة اشهر من سجنه، وفرضت عليه بعد ذلك الاقامة الجبرية في الخليل.
يواصل فؤاد نصار نشاطه السياسي في منفاه في الخليل فتعود السلطات البريطانية وتنفيه بعد اربعة اشهر الى بلدة يطة بسبب نشاط السياسي، غير ان ذلك لم يمنعه من مواصلة نضاله الوطني، فتقوم سلطات الانتداب بتقديمه مرة اخرى للمحاكمة، وتحكم عليه بالسجن سنة اخرى، فيقضي شهرا في سجن القدس ثم ينقل لسجن عكا حيث يلتقي هناك بالعديد من رجالات فلسطين الوطنيين والتقدميين وكان ذلك في أواخر 1937.

 

*قائد الثورة المسلحة في منطقة القدس والخليل عام 1939*

خرج من السجن، ولكن سلطات الانتداب البريطانية فرضت عليه الاقامة الجبرية واثبات الوجود في مدينة الناصرة، ولكنه لم يتقيد بذلك، وفر الى الخليل ليلتحق بالثورة الفلسطينية من جديد، واستدعته القيادة العامة للثورة في اواخر 1938 الى لبنان ليعود في اوائل 1939 الى فلسطين قائدا للثورة المسلحة في منطقة القدس والخليل، خلفا لقائد الثورة عبد القادر الحسيني الذي جرح في احدى المعارك، وظل في قيادة الثورة لهذه المنطقة حتى اواخر عام 1939 حين بدأت الحرب العالمية الثانية، واخذت السلطات الفرنسية في سوريا ولبنان تضيق الخناق على الثوار.

 

*حنكته العسكرية وتكبيده العدو خسائر فادحة*

قاد عدة معارك ضاربة ضد وحدات من جيش الاحتلال البريطاني، بينها معارك كسلا وعرطوف وام الروس ومار الياس وغيرها حيث كبد العدو خسائر فادحة بالمقاتلين والعتاد وتجلت في كل هذه المعارك شجاعته الفائقة وحنكته العسكريه واخلاصه المتناهي للقضية الوطنية ووفاؤه التام ومحبته وصلاته الوثيقة بالجماهير الشعبية التي التفت حوله واحبته وحافظت على حياته عندما اصيب اثناء القتال بجروح بالغة في يده اليمنى وكتفه في تشرين الأول 1939.

 

*حياته في المنفى ومرحلة نضالية اخرى*

في منتصف شهر كانون الاول من العام 1939 انسحب، بناء على توجيهات القيادة العامة للثورة مع مجموعة من رجاله الى بغداد، وهكذا انسحب على رأس رفاق سلاحه الى الاردن مشيا على الاقدام ووصل الى بغداد عبر الصحراء بتاريخ 1/1/1940.
دخل الكلية العسكرية في بغداد وتخرج منها بعد 9 اشهر.
في آذار من العام 1941 قامت ثورة الضباط الوطنية في بغداد (حركة رشيد الكيلاني) ضد الانجليز واشترك فيها، وانسحب بعد فشل الحركة مع رفاقه الثوار الى ايران في شهر حزيران من نفس العام ووصلوا الى مدينة كرمنشاه، غير ان السلطات الايرانية لم تسمح لهم بالبقاء.
في صيف 1941 اعتقلت السلطات البريطانية فؤاد نصار وعددًا من رفاقه، وهكذا زج به في السجن، وقد استمرت فترة ابعاده وسجنه ثمانية عشر شهرا، وخلال وجوده في العراق، تعرف إلى جميع الشخصيات الوطنية البارزة في العراق، ولا سيما قادة الحزب الوطني.
في اواخر عام 1942 اصدرت حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين عفوا عاما عمن شاركوا في الثورة، عند ذلك استدعت السلطات العراقية اللاجئين السياسيين الفلسطينيين وخيرتهم ما بين الرجوع الى فلسطين او البقاء في العراق، واختار فؤاد نصار الرجوع فورا الى فلسطين، ووصلوا في 1/1/1943.
فرضت السلطات البريطانية عليه الاقامة الجبرية في مدينة الناصرة، وهناك اعاد اتصاله بالعمال والنقابيين الذين كان قد تعرف عليهم في الثلاثينيات وانضم للحركة النقابية التي كانت قد تطورت في ظروف الحرب العالمية الثانية تطورا كبيرا.
في اواخر عام 1944 انعقد المؤتمر الاول لعصبة التحرر الوطني واقر برنامجها وتم انتخاب لجنتها المركزية وانتخب الرفيق فؤاد نصاراحد اربعة امناء للجنة المركزية للعصبة.

 

*نضاله النقابي..... وانتخابه امين عام مؤتمر العمال العرب في فلسطين*

في عام 1945 تأسس "مؤتمر العمال العرب في فلسطين" باشتراك فعال من جانب فؤاد نصار، وفي غمرة نضال مثابر ضد القيادة الرجعية التي كانت تسيطر على الحركة النقابية في فلسطين، وانضم اليه "اتحاد العمال العرب" الذي كان قائما من قبل ذلك، وانتخب فؤاد نصار امينا عاما للمؤتمر واصبح مسؤولا عن تحرير صحيفة "الاتحاد" لعصبة التحرر الوطني في فلسطين، واستمر فؤاد نصار مسؤولا عن تحريرها بحكم موقعه في قيادة العصبة واستمر كذلك طوال عامي 1946 و1947.
في شباط 1948 انعقد في الناصرة المؤتمر الأول لعصبة التحرر الوطني، واختير فيه الرفيق فؤاد نصار امينا عاما للجنة المركزية للعصبة.
بعد نكبة عام 1948 تمزق شمل العصبة واقام فؤاد نصار وبعض رفاقه في القسم الذي عرف فيما بعد بالضفة الغربية، وبدأ فؤاد نصار مع هذا العدد القليل ببناء الحزب من جديد بعزيمته الفولاذية واصراره العنيد محتفظا بالتسمية السابقة "عصبة التحرر الوطني في فلسطين"، وكانوا يطالبون باقامة الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة.

 

*اعتقاله والحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات عام 1951*

بعد ضم الضفة الغربية للاردن، اتخذت قيادة العصبة في ايار من العام 1951 قرارا بتشكيل "الحزب الشيوعي الاردني" وصاغ نصار برنامجه الاول ووافقت عليه اللجنة المركزية، واختارت اللجنة المركزية فؤاد نصار امينا عاما للحزب، ولكن في نهاية عام 1951 القي القبض عليه، بعد ثلاثة اشهر من مجيئه لعمان، وقدم للمحكمة وحكم عليه بموجب ما يسمى بقانون مكافحة الشيوعية بالسجن لمدة عشر سنوات، وبقي في سجن الجفر الصحراوي طيلة هذه المدة مقيدا بالسلاسل الحديدية في قدميه، وعندما انتهت مدة محكوميته في تموز من عام 1956 رفضت السلطات الاردنية اطلاق سراحه ولفقت له تهمة الدخول للبلد بشكل غير مشروع بعد ان رتبت مع المخابرات السورية مؤامرة رميه على الحدود الاردنية السورية، ثم اعيد الى الاردن ليقدم للمحكمة من جديد، الا انه تم فضح المؤامرة، واطلق سراحه في اواخر العام 1956 في اعقاب حملة جماهيرية محلية وعربية ودولية واسعة، كذلك في اعقاب العدوان الامبريالي الثلاثي على مصر، وفي اعقاب انتخابات برلمانية اكتسحت فيها القوى الوطنية والتقدمية اغلبية مقاعد مجلس النواب الأردني وحصل الحزب على مقعدين بالرغم من الحظر المفروض عليه قانونيا، وجاءت الحكومة الوطنية في الاردن برئاسة سلمان النابلسي، التي اقرت اطلاق سراحه.

 

*تمثيله للحزب في الاجتماعات والمؤتمرات العالمية*

مثل الحزب في مؤتمرات واجتماعات الاحزاب العمالية العالمية في 1957 و1960 و1969 وكان مدافعا ثابتا عن نقاوة النظرية، واستقر به المقام في اوائل العام 1960 في المانيا الدمقراطية حيث مكث هناك حتى ايلول من العام 1967.

 

*تشكيل قوات الانصار المسلحة عام 1970*

في نيسان 1970 عقد المؤتمر الثاني للحزب في عمان بقيادة فؤاد نصار، وانتخبت اللجنة المركزية للحزب والتي انتخبت بدورها فؤاد نصار بالاجماع كأمين اول لها واقر المؤتمر اتفاق الاحزاب على تشكيل منظمة انصار المسلحة باسم "قوات الانصار" للإسهام في الكفاح المسلح ضد العدوان الامبريالي- الاسرائيلي ضد الشعوب العربية، في عام 1972 اختير فؤاد نصار عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني.

 

*حصوله على وسام الصداقة بين الشعوب*

في تشرين الثاني من عام 1974 منحت هيئة رئاسة مجلس السوفييت الاعلى الوسام الرفيع "وسام الصداقة بين الشعوب" للرفيق فؤاد نصار بمناسبة بلوغه الستين وتقديرا لدوره البارز في الحركة الوطنية للشعبين الشقيقين الفلسطيني والاردني، ولاسهامه الشخصي الفعال في تعزيز عرى الصداقة والتحالف بين الشعوب، وكانت الدولة البلغارية قد منحته قبل ذلك وساما رفيعا هو "وسام ديمتروف".

 

*رحلته مع المرض*

في تشرين الاول عام 1975 بدأت رحلته مع المرض وظل يعاني الآلام التي لم تعد تنفع معها المسكنات بصبر ورباطة جأش وأثناء ذلك لم تفارقه دعابته وروحه المرحة، واستمر على صفائه الفكري يناقش أدق المسائل حتى وافته المنية وهو في عنفوان عطائه في 30 ايلول من العام 1976.

 

* لفؤاد نصار نشاط فكري واسع*

كان للرفيق فؤاد نصار نشاط فكري واسع فقد كان كاتبا لامعا ومثقفًا ثوريًّا، كرس قلمه لكتابة مئات المقالات في الصحف المحلية والعربية والعالمية، والتي لعبت دورا كبيرا في تعريف الراي العام العالمي على قضية ونضال شعبنا الفلسطيني. ومن ابرز مؤلفاته "الفضية الفلسطينية وموقف الزمرة المنشقة منها" و"المهمات المطروحة امام الحزب في الظرف الراهن".

 

واخيرا فان فؤاد نصارسيبقى في القلب والوجدان بفضل مسيرته النضالية التي تميزت بالصدق والاستقامة والجرأة والشجاعة والشفافية والنقاء الثوري.

شامخ بدرة
السبت 8/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع