حتى لا نقول أكلت يوم أكل الثور الأحمر:
بين النور وبين بوش وبن لادن



قام الكثير من اللغط والحديث حول قضية الأستاذ فريد نصار من عرابة والذي اتهم من قبل بعض الأهالي أو من ينتحلون صفة ممثلي الأهالي في إحدى مدارس قرية طرعان بأنه "قد أفسد أخلاق الطلاب وقد سب الدين" وغير ذلك من المغالطات التي ليس لها مكان.
قد يكون المتضرر المباشر من هذه القضية هو الأستاذ فريد ذاته لكن لهذه القضية تبعات وأصداء تفوق المصير الشخصي للأستاذ وتتخطى الحالة الخاصة وحيثياتها.
المسألة في هذه الحالة هي ليست مسألة أستاذ عادي أو وضع خاص؛ السؤال الحقيقي الذي يقف وراء هذه القضية هو: أي مجتمع نريد، وأي مستقبل ينتظرنا؟
من السهولة بمكان في عالم  اليوم عالم الردة والرجعة، عالم سيطرة الهرطقة والغيبيات، وعالم جورج بوش وأسامة بن لادن اللذان يقفان بذات الجهة من المتراس وليس كما يتوهم البعض (بأن بينهما حرب ضروس) أن يقوم أي من أنصاف المتدينين الذين لا يعرفون من الدين غير اللحية والحجاب والمظاهر الخارجية ليتهموا معلما فاضلا آثر ان يعطي وان يفتح عقول أبنائه وطلابه على ان يعود كالببغاء على مقرر وزارة التعليم.
المواجهة في هذه القضية هي بين ثقافة  السائل والمفكر والمبدع وبين ثقافة القطيع التي يريد البعض تربية أبنائنا عليها، ثقافة هز الرأس والسمع والطاعة من غير سؤال ولا استفسار ولا وضع الأمور في امتحان الشك والسؤال والذي هو هو ما أوصل العالم والعرب والمسلمين في زمان حرياتهم الى التقدم والتطور والى إضاءة الأرض بفكرهم السمح النير.
من قال ان كل شيء في الإسلام متفق عليه ومغلق أمام النقاش؟ من قال ان لا مجال للسؤال والنقاش؟
من يقول ذلك فهو إما جاهل أو متجاهل فلو كان لا مجال للنقاش لما قامت في التاريخ الإسلامي كل هذه المذاهب والفرق الفلسفية والفكرية التي أغنت العالم واستقت من العالم ومن ثقافات العالم التنوع الفكري والحضاري.
لولا حرية الاجتهاد والتفكير ووضع الأمور موضع التساؤل لما كانت نهضة إسلامية ولا كانت نهضة عالمية حقيقية. لولاها لما كان هناك شيعة وسنة ومعتزلة وصوفيين وقرامطة وإسماعليين وإثني عشرية. ولما كان إبن رشد وإبن خلدون والرازي تماما كما لما كان جليليو ونيوتن وآينشتاين وماركس وروسو وغيرهم وغيرهم.
هل ناقش هذا الأستاذ أو أي أستاذ غيره أو تلميذ موضوع الحجاب؟ فليناقشة ومما الخوف؟ هل هناك وحدة في تفسير فرض الحجاب؟
أنا أقول لكم أنه لا توجد مثل هذه الوحدة المصطنعة فهناك من علماء المسلمين من لا يوجب الحجاب بشكله الذي اصطلح عليه قسم من  المسلمين اليوم والذي يعود في أصوله الى ديانات سابقة منها غير سماوية بعيدة عن الإسلام وثقافته السمحة.
أكثر من ذلك.. هل تساءل الأستاذ أو غيره عن مسلّمات؟
فليسأل وليفتح المجال لطلابه النقاش والحديث وليستمع الى رأي مغاير ومختلف ولنحترم الرأي والرأي الآخر.
يقول بعض الجهلة والمتجاهلين أننا نتبع سنة الله ورسوله!! هل حقا هم يتبعوها؟ إن كانوا كذلك فما رأيهم بالقول الذي سمعته من أحد رجال الدين الذي بالفعل أعمل عقله وضميره وقال أن كل شيء قابل للمراجعة فإذا رسول الله قد راجع ربه ليس مرة ولا اثنتين ولا ثلاث بل 9 مرات بحسب السيرة النبوية عندما عرج الى السماء وفرضت على المسلمين 50 صلاة في اليوم فالتقى الرسول بحسب السنة النبوية بالنبي موسى عليه السلام وطلب منه ان يراجع ربه لأن أمته لا تستطيع الصلاة 50 مرة في اليوم وبالفعل هذا ما كان وراجع محمد ربه مرة تلو أخرى وفي كل مرة كان ينقص الرب 5 صلوات الى ان وصلت عدد الصلوات من 50 الى 5 في نهاية المطاف بحسب السنة النبوية.
فإن كان الله يراجع والرسول قد سمع رأي النبي موسى وراجع ربه 9 مرات الا تستحث هذه الحادثة فيمن يدعون التعصب للإسلام أن يفكروا؟ أو أنهم أفضل من رسول الله؟؟!!
كلام المهاجمين للمتنورين من المسلمين وغير المسلمين مردود عليهم. هؤلاء ليسوا مدافعين عن الإسلام في شيء وإنما هم مدافعون عن هيمنة فئة من المسلمين ومن رجال الدين المغرقون في رجعيتهم بحيث يصبح كل نقاش وكل سؤال وكل حديث لا يعجبهم إن كان في السياسة أو الاجتماع أو حقوق النساء أو غيرها من المواضيع ما هو الا كفر.
أما للأستاذ فريد وهو معلمي وانا كما الكثير من طلابه مدينون له بالكثير الكثير من المعلومات لكن وأهم من ذلك مدينون له بفتح الآفاق والنظر الى القضايا والأمور من أكثر من زاوية، أقول لأستاذي اولا أني أعتز به وبأمثاله من المعلمين ومربي  الأجيال الذين يخلصوننا من عقلية القطيع، وأقول له ثانيا بأنه ليس وحده وواجب كل الشرفاء من أبناء هذا الوطن وهذا الشعب التضامن معه لأنه تضامن مع أنفسنا قبل أي شيء آخر. وحتى لا نقول "أكلت يوم أكل الثور الأحمر" علينا أن نمنع السوداويين وأمثال بوش وبن لادن من السيطرة على مجتمعنا. وانا أكيد من أن شعبنا لا يريد هذا المستقبل وهو أهل لما هو أفضل.

عبد كناعنة
الجمعة 7/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع