لطفًا ! اقرأ الظواهر التالية واستقرئها !
* والد يعلم أحد أبنائه في مدرسة ثانوية عبرية ، ويعلم ابنه الآخر في مدرسة ثانوية في قريته . دُعي لحضور اجتماع أولياء أمور الطلاب في كل من المدرستين ، وفي وقتين مختلفين .
يحضر الأب قبل نصف ساعة إلى المدرسة العبرية ، ويجلس بوقار منتظرًا ، بينما لا يرى ضرورة أبدًا لأن ينظر إلى بطاقة الدعوة التي وجهتها المدرسة المجاورة لبيته .
* سائق قروي يسافر في شوارع كفار سابا أو في كفار آتا وفق قوانين السير : هادئ ، ما شاء الله !
يصل صاحبنا إلى قريته ، فلا يتقيد بقوانين السير ، ولا بالقيم : يلقي الأوساخ عبر النافذة ، يبصق من النافذة ، يقوم بـ " حركة " ، يقف وراء سيارة ، ويحــول بينها وبين مواصلة سيرها .
* عامل مهني في القرية ( م ) يتنمرد ويغضب ، يهمل الأمور التي عُهدت إليه ، وعندما يعمل في المدينة اليهودية المجاورة تراه لطيف العشرة ، يشرح ، ويوضح ما قام به من عمل ، ويحافظ على متطلبات الناس وراحتهم .
* موظف قروي يعمل يومين في تل أبيب ، ويومين في بلده . في المدينة تجده محافظًا على قوانين العمل ، ومنضبطًا ، وللوقت لديه معنى ، بينما هو في القرية يتغيب بعذر وبدون عذر ، يماطل ، ولا يحفل بأحد .
* الصك الذي يُكتب في نتانيا غالبًا ما يكون له رصيد .
الصكوك هنا كثيرة في القرية ، وكثيرًا ما تكون كاذبة من ساعة توقيعها ، أو قبل ذلك بقليل ، والحق !
* س من العرب يقف أمام الشرطي دافيد متطامنًا ، بينما يقف أمام قاض من أبناء جلدته ، وكأن القاضي في نظره لا شيء .
* معلم قروي يحسب ألف حساب للمفتش الذي وفد من هرتسليا ، ويأخذ بتملقه ومداراته ، بينما تتغير نغمته إذا عرف أن هذا المفتش من بني العروبة ، فعندها تنهال الأسئلة : ومن هذا ؟ وما ثقافته ؟ ومن الذي عينه ؟ ولماذا لا يأتيني دون أن يعلمني ؟
* مثقف قروي يتواضع جدًا وهو يخاطب الدكتور أبراهام ، بينما يستكثر أو يستكبر أو يستثقل أن يخاطب عربيًا ، ويقول له : دكتور إبراهيم !
* فلان الذي تعلم في أوروبا يستعمل ألفاظًا مهذبة هناك ، نحو : من فضلك ! هل تسمح ؟ آسف ! شكرًا ! لطفًا !......بينما لا تدخل هذه الألفاظ قاموسه في القرية .
* شخص قروي سياسي يحاور يوسف الأحمد جاره، فترتفع وتيرة النقاش بينهما وكأنهما في شجار حقيقي ، بينما في نقاشه حول القضية نفسها مع يوسي ينتظر بفارغ الصبر ليدلي دلوه بكلام هادئ متزن .
* يزور بعضنا مكاتب ودوائر في حيفا والخضيرة ، فنقف بالدور منتظمين ، وفي القرية عندما نضطر للوقوف نتعجل ، أو نستأذن لسبب أو لآخر ، أو نشير للموظف – الذي لنا به علاقة - بأن ييسر الأمر وبأقصر الأوقات ...أو على الأقل نهمهم بالشتائم لأننا ننتظر طويلاً .
* ننضبط أمام المشغّل في المستوطنة ، ونلتزم له بالموعد وبتنفيذ العمل كما اتُفق ، بينما نحن في القرية نماطل ونكذب ، وتنتهي " الشغلة " على شبه عداء .
وحتى أفكارنا هنا تختلف عن أفكارنــــا هناك شكلاً ومضمونًا !!!!
وقس على ذلك نماذج وعينات ، ثم اسأل معي :
ما سر هذه التغيرات في السلوك ؟ لماذا هذه الازدواجية ؟
هل هو تقيد بالأنظمة ، وانقياد لها هناك – بدافع الخوف ؟
أو للمراءاة بأننا أبناء حضارة مثلهم ؟
هل هو شعور بالنقص إزاءهم ، أو على الأقل اقتناع داخلي بصحة مسالكهم ، وإعجاب بهم ؟
هل هو خلق نتزيّا به مؤقتًا على قول من قال في تجنيس : "ودارهم ما دمت في دارهم " ؟
لقد أشار البحتري إلى أن تشاكل الأخلاق بين الأقوام المختلفة تقرب المسافات بينهم :
إذا تشاكلت الأخلاق واقتربت
دنت مسافة بين العرب والعجم
فهل يكون هذا – ربما – سببًا لمجاراتنا ما جرى عليه الآخرون – وكأننا نريد بهذا أن نشاكل – شكليًا - الحضارة الأوروأمريكية ؟!
ولكن ذا الإصبع العَدواني يذكّرنا بقوله :
كل امرئ راجع يومًا لشيمته
وإن تخلق أخلاقًا إلى حين
يعني ذلك أن شيمتنا الحقيقية وطباعنا – كما هي – تتجلى في القرية وبين ظهرانــَي أهليها ؟! وفي مساحة أراضيها ؟ ؟ !
وأخيرًا : ما سبب مثل هذه الظواهر ؟
السبب الرئيسي - في تقديري – أن الشخص من هذا القبيل هو – عمليًا – لا يحترم نفسه ، ومن ثم لا يحترم عروبته ، ولا إخاله يرعوي عن استعمال لفظة " عربي " في معرض الشتائم – كما يفعل غلاة اليمين المتطرف - ، فهو بوعي أو بغير وعي يربط بين العربي واللا نظام ، وبين العربي واللا صدق ، وبين العربي واللا مسؤولية ، ولذا فهو يتصرف بسلوكين مختلفين .
ومن جهة أخرى فإن العربي الذي يحترم ذاته ، ويحترم شعبه له سلوك واحد ، وموقف واحد ، وأخلاقه تجري على نسق واحد – وفق مقاييس النظام واحترام الآخر ، والإخلاص للعمل ....
وما أحوجنـــا إلى ذلك !
نعم ، ما أحوجـــنـــا ، والله !
د. فاروق مواسي
الجمعة 7/3/2008