تخدم مصلحة مَن زيارة الرئيس الايراني الى العراق المحتل!!



انتهت في مطلع هذا الاسبوع، يوم الاحد، الزيارة التي قام بها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى العراق المحتل والتي استمرت ثلاثة ايام. اجرى خلالها محادثات مع المسؤولين في حكومة الدمى الامريكيين في بغداد، عملاء وخدام الاحتلال الامريكي لبلادهم. وقد اثارت زيارة الرئيس الايراني هذه الى العراق اهتماما عالميا ومنطقيا وعراقيا متباينا من حيث اهميتها السياسية والاستراتيجية وما يتمخض عنها من مدلولات على ساحة التطور والصراع في الداخل العراقي وفي منطقتي الخليج والشرق الاوسط وفي الموقف من استراتيجية الهيمنة الامبريالية الامريكية في المنطقة. فقد قيّم الكثيرون من الساسة والمعلقين الاعلاميين الزيارة بأنها "تاريخية" حيث انها اول زيارة لرئيس ايراني تطأ قدماه ارض بلاد الرافدين منذ حوالي اربعين عاما، وادعى البعض انها مؤشر ودالة طريق على توثيق علاقات الجيرة الحسنة بين ايران والعراق وشعبيهما!!
اما السؤال المركزي الذي يطرح نفسه بشكل موضوعي ومنطقي هو ما هو المدلول السياسي لهذه الزيارة وهل تخدم اهدافها المصالح الحقيقية للشعبين الايراني والعراقي وخاصة مصالح الشعب العراقي الذي يرزح تحت نير الاحتلال الاستعماري الامبريالي الامريكي الهمجي وخدامه من الدواجن الامريكية في حكومة الدمى؟
ان الاجابة على هذا السؤال تثير الكثير من التساؤلات حول مضمون وابعاد هذه الزيارة. فحقيقة هي ان من بيده "العصمة المغتصبة" في صياغة القرار والموقف العراقيين في القضايا المفصلية الهامة، هو المحتل الامريكي للعراق، اما النظام العراقي القائم فهو ليس اكثر من اداة طيعة في خدمة استراتيجية المحتل الامريكي في العراق والمنطقة، اما الشعب العراقي فهو مسلوب الارادة والسيادة في ظل امتهان المحتل الامريكي لكرامته الوطنية. والتساؤل الاول الذي يطرح نفسه هو، هل كان من الممكن ان تتم هذه الزيارة للرئيس الايراني الى العراق لولا موافقة المحتل الامريكي عليها واعطاء الضوء الاخضر لنظام الدمى مطيته في بغداد!! وكيف يمكن تفسير هذه المفارقة ان ادارة عولمة ارهاب الدولة الامريكية، ادارة بوش – تشيني – رايس التي تحتل العراق وتعتبر النظام الايراني الرمز البارز في اطار "محور الشر" الداعم لقوى الارهاب (اقرأ المقاومة أ.س)، في لبنان والمناطق الفلسطينية المحتلة وفي داخل العراق ضد الاحتلال الامريكي، هذه الادارة الامريكية تعطي الضوء الاخضر لعملائها في بغداد واشارة الموافقة على اتمام مشروع زيارة الرئيس الايراني الى بغداد!!!
وتساؤل آخر، ان النظام الايراني يعتبر ادارة بوش "الشيطان الاكبر" الذي يهدد الامن والاستقرار في منطقتي الخليج والشرق الاوسط، وانه العدو اللدود، اعدى اعداء النظام الايراني الذي يهدد امن واستقرار ايران بسياسة البلطجة والقوة العربيدة بقواعده العسكرية واساطيله وجيشه في العراق المحتل ومياه الخليج العربي – الفارسي، والذي يهدد مع مخلبه الاستراتيجي العدواني الاسرائيلي بعدوان عسكري على ايران اذا لم يوقف النظام الايراني برنامجه النووي!! فكيف يستقيم كل هذا مع توثيق علاقة النظام الايراني مع حكومة الدمى العراقية الخادم المطيع للاستراتيجية العدوانية الامريكية في العراق والمنطقة واعتبار زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد بأنها "تاريخية"!!
الا تعتبر زيارة الرئيس الايراني الى العراق المحتل وعقده صفقات من خلال الاتفاقيات الاقتصادية – التجارية والسياسية مع حكومة الدمى الامريكية في بغداد، الا تعتبر هذه الزيارة من حيث مدلولها السياسي شرعنة للوضع القائم في العراق في ظل الاحتلال ودعما لنظام عميل والذي في ظل تعاونه مع قوى الغزاة المحتلين الامريكيين انزلوا بالشعب العراقي البطل اكبر كارثة وطنية مأساوية لم يعرف هذا الشعب مثيلها منذ نكبة التدمير والمجازر الدموية التي ارتكبها وحوش البشر من جيوش التتار المغول اثناء اجتياحهم لبلاد الرافدين. كيف يمكن دعم نظام مخصي الارادة ارتكب المحتلون بمؤازرته المجازر وجرائم الحرب التي ادت الى قتل اكثر من مليون انسان من ابناء وبنات الشعب العراقي الماجد وحولت اكثر من خمسة ملايين عراقي الى لاجئين قسريا خارج وداخل حدود الوطن العراقي، نظام آزر المحتلين في هدم البنية التحتية المدنية العراقية والاحياء السكنية العراقية في العديد من المدن العراقية ونهب المتاحف ويدمر تدريجيا الحضارة الانسانية المتطورة في العراق وينهب الثروات والخيرات الطبيعية العراقية من نفط وغاز وغيرها. اين مصلحة الشعب العراقي من نظام احتلالي وخدامه حول الشعب العراقي بغالبيته الساحقة الى شعب من الفقراء والمتسولين ومن العاطلين عن العمل! اين مصلحة الشعب العراقي من نظام اجرم ويجرم بحق الوحدة الوطنية والاقليمية العراقية من خلال تأجيج الصراع الطائفي والقومي والاثني الدموي والتهديد بتقسيم العراق الوطن الواحد الى دويلات قومية واثنية هشة، وتمزيق الهوية الوطنية الحضارية للشعب العراقي الى شراذم وملل طائفية واثنية!!
بعد كل ما ذكر كيف يمكن تفسير الدوافع والاهداف الحقيقية من وراء زيارة الرئيس الايراني الى العراق المحتل ودعم نظام الدمى العميل؟ اننا بالطبع لا نتهم النظام الايراني بالعمالة للامبريالية الامريكية او التحالف معها ومع استراتيجيتها في المنطقة، ولكننا نؤكد ان للنظام الايراني مصالحه وتطلعاته لزيادة وتوسيع دائرة نفوذه ليكون له الدور الفاعل والمؤثر في منطقة الخليج والشرق الاوسط وعالميا وبشكل يخدم مصالحه الاستراتيجية والسياسية طبقيا دينيا ودنيويا، وانطلاقا من خدمة مصالحه وتطلعاته فان هذا النظام يقع في تصادم وتناقض عدائي احيانا مع الامبريالية، وخاصة الامبريالية الامريكية واستراتيجيتها للهيمنة في المنطقة، واحيانا يقع في توافق ومفارقة وانسجام مع مشاريع امبريالية يكون على استعداد للتواطؤ معها، كما سنرى.
ونحن لا نتأتئ في موقفنا المبدئي الواضح والصريح من النظام الايراني، فنحن مع النظام الايراني ضد التهديدات البلطجية الامريكية – الاسرائيلية العدوانية العربيدة التي تستهدف الاطاحة بالنظام القائم من خلال عدوان عسكري محتمل وزعزعة اركان استقراره داخليا من خلال محاولة نشر "الفوضى الايجابية" بواسطة عملائهم في ايران، أي اغتصاب مهمة الشعب الايراني في اختيار موقفه من نظامه. كما اننا مع ايران في جميع المواقف المناهضة للامبريالية والداعمة لحركات المقاومة الوطنية ضد المحتلين الاسرائيليين في المناطق الفلسطينية المحتلة واسيادهم الامريكان وضد الاحتلال في العراق ودعم النظام السوري والمقاومة اللبنانية، ولكننا في الوقت نفسه لنا موقفنا الطبقي والفكري والسياسي المناقض والذي لا ينسجم مع مواقف النظام الايراني فكريا وسياسيا، فنحن من اجل نظام يفصل الدين عن الدولة، من اجل نظام ومجتمع علماني وليس نظام الاكراه الديني، من اجل مجتمع العدالة الاجتماعية والدمقراطية (لن اخوض في هذا الموضوع في سياق معالجة اليوم)، وما اود تأكيده في سياق موضوع اليوم هو التقاء المصالح الايرانية للنظام القائم مع مصالح الامبريالية الامريكية في الوضع الراهن للعراق المحتل، فلإيران نفوذها الواسع والكبير في الداخل العراقي، خاصة استنادا الى هوية الانتماء الديني الطائفي في العراق. فغالبية الشعب العراقي من الطائفة الاسلامية الشيعية، والنظام الاسلامي الشيعي في ايران تربطه علاقات تاريخية طائفية وثيقة مع تيارات سياسية طائفية شيعية كثيرة في العراق استغلها ويستغلها في خدمة مصالحه وتعزيز نفوذه في العراق. فعدد من قادة التيارات مثل عبد العزيز الحكيم وغيره تربوا قبل الاطاحة بنظام صدام حسين في ايران، كذلك الميليشيا المسلحة لهذا التيار تدربت في ايران، وعدة مليشيات عسكرية تابعة لتيارات سياسية شيعية ترتبط بعلاقة وطيدة مع ايران مثل التيار الصدري والمليشيا المسلحة التابعة له، و"قوات القدس" تتبع ايران حسب عدد من مصادر الادعاء الامريكية – الاسرائيلية وغيرها. وبعض المليشيات الشيعية تنشط في مقاومة الاحتلال الامريكي وبعضها ينجر الى اتون اذكاء نار الفتنة الطائفية بتوجيه رصاص القتل الى السنّة والاحياء السنية، مقابل تشجيع المحتل الامريكي له ولتوجيه رصاص بعض فرق ومليشيات السنّة العسكرية، الى الشيعة والاحياء الشيعية. وما نود قوله انه جرت محادثات رسمية امريكية – ايرانية قبل اشهر في بغداد تحت يافطة التنسيق لضمان الاستقرار في العراق المحتل، وكان من المقرر عقد لقاء آخر في الشهر الماضي، ولكن بسبب جريمة اغتيال بطل ابطال المقاومة اللبنانية عماد مغنية في دمشق اجلت ايران هذا اللقاء، خاصة وان اصابع الاتهام في ارتكاب هذه الجريمة كانت توجه الى "الموساد" الاسرائيلي بالتنسيق مع الادارة الامريكية. وما يثير التساؤل هو ان زيارة الرئيس الايراني الى العراق المحتل جاءت في اوج المجازر الهمجية وجرائم حرب ما يشبه حرب الابادة التي ارتكبها جند هولاكو الاحتلال الاسرائيلي وبدعم امريكي ضد اهالي قطاع غزة والشعب الفلسطيني ولم يلغ النظام الايراني هذه الزيارة لمقابلة عملاء الاحتلال الامريكي في العراق. فبرأينا ان ما يحكم طابع المواقف الايرانية هو مدى خدمة مصالح هذا النظام. وبرأينا ايضا ان هنالك عدة نقاط ومواضيع التقاء وتوافق المصالح بين النظام الايراني والامبريالية الامريكية واحتلالها في العراق. فالمحتل الامريكي للعراق يسعى الى عقد صفقة تقسيم وظائفي، صفقة مصالح متبادلة مع النظام الايراني، فمقابل التزام ايران باخماد انفاس ونيران المليشيات الشيعية المشاركة في مقاومة الاحتلال وعملائه تغض الادارة الامريكية الطرف عن التغلغل الايراني وتحسن العلاقات بين ايران وعدد من الانظمة الخليجية المدجنة امريكيا، هذا اضافة الى المساهمة في اذكاء وتأجيج الصراع الطائفي بين السنّة والشيعة في العراق وفي وقت ينعم فيه المحتل الامريكي باطالة امد وجوده في العراق المحتل وتعزيز بناء قواعده العسكرية عليه والتهديد بتقسيم الدولة الوطنية العراقية، ولايران مطامع في العراق، خاصة مطامع اقليمية في جنوبه بأكثريته الشيعية، كما انه من المفارقات ان النظام الايراني ينسجم موقفه مع عدوه الامريكي وعملائه في حكومة الدمى العراقية في الموقف المعادي لحزب العمال الكردستاني التركي والمؤيد للعدوان التركي الفاشل ودعوة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في بغداد الى تنسيق الخط بين النظام الايراني والنظامين التركي والعراقي لمواجهة حزب العمال الكردستاني، لمواجهة تطلعات الشعب الكردي في كل من العراق وايران وتركيا دفاعا عن حقوقه القومية ومن اجل حقه في تقرير مصيره. كما ان الرئيس الايراني توصل الى اتفاق مع حكومة دمى الاحتلال الامريكي العراقية ليس فقط بملاحقة وطرد قوات حزب العمال الكردستاني من شمالي العراق، بل كذلك طرد مجموعة وقادة تنظيم "مجاهدي خلق" المعادية للنظام الايراني من العراق.
ولهذا فنحن نعتبر ان زيارة الرئيس الايراني تدور في فلك خدمة مصالح ونفوذ هذا النظام في العراق ولا تخدم المصلحة الحقيقية.

د. أحمد سعد
الجمعة 7/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع