تقول راشيل كوري في رسالتها الأخيرة لأمها قبل أن يقتلها البولدوزر الإسرائيلي:



" إذا أي منا خنقت حياته ورفاهيته وعاش مع أطفال في مكان يضيق، حيث يعرف أن هناك جنودا ودبابات وبولدوزرات قد يدهمونه كل لحظة، بدون أية وسائل معيشية، وبيوتنا مدمرة، إذا دمروا دفيئاتنا التي بنيناها الله أعلم كم من الوقت، ألا تعتقدين أن أغلب الناس في حالة مشابهة سيدافعون عن أنفسهم قدر استطاعتهم وبكل الوسائل الممكنة؟"
إن ما يحصل في هذه الأيام في قطاع غزة، من قتل وتدمير، وابادة جماعية، هو ليس بسبب القذائف التي يطلقها الفلسطيني على بلدات إسرائيلية...والسؤال الذي يجب أن يطرح: لماذا يطلق الفلسطيني تلك القذائف، التي تشبه بمفعولها قرصة الذباب لا أكثر؟
انه القهر، الجوع والتجويع المتعمّد، انه عدم اعتراف الآخر، الإسرائيلي بإنسانية الفلسطيني. والإجابة على هذا السؤال موجود في كلمات المناضلة راشيل كوري.
وتقول راشيل في رسالتها لأمها: " يمكنك أن تتخيلي قيمة الزهور التي مر على قطفها أسبوعان وجف سوقها، وفوق كل ذلك، تأتي البولدوزرات وتجرف الخضار والبساتين. ماذا تبقى للناس هنا...قولي لي إن كان بامكانك التفكير بأي شيء، أنا لا أجد شيئا"
وهناك جملة في مذكراتها، عندما تتحدث عن معاناة الأطفال وظروف حياتهم:"أتساءل ماذا سيحصل لو أنهم عرفوا الحقيقة". ماذا عنت راشيل في سؤالها هذا؟ ماذا كان في داخلها ورأسها عندما طرحت على نفسها هذا السؤال؟ باستطاعتنا أن نتخيل وأن نتوصل إلى ما لم تقله جهارة، وهو أن هؤلاء الأطفال لا يملكون شيئا يخسرونه، وسيلجأون إلى أعلى درجات التضحية.
في داخل راشيل كانت صرخة إنسانية: "على هذا أن يتوقف" وتقول أيضا: "أعتقد أنه على جميعنا أن نترك كل شيء وأن نكرس حياتنا لنوقف ذلك..."
صرختها أيضا تخطت الألم الفلسطيني، إنها صرخة تنادي لإيقاف الظلم أينما كان، الظلم الناتج عن التمايز الطبقي المتنامي باستمرار في العالم، والدمار الناتج عن التحكم في حياة الناس.
راشيل هي موديل إنساني، يحاول أن يبحث وأن يتوصل إلى الأسباب الحقيقية لما يحصل في هذا العالم، على الإنسان أن يبحث عما كان وعما هو موجود الآن...وتقول: " هناك فرصة أن يغيرك ما تبحث عنه" بشرط أن يغوص المرء في الأعماق ولا يستعمل النضال كشيء مجازي في حياته ليعزي نفسه.

رياض مصاروة
الأربعاء 5/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع