ديوان "عاشق من الجليل" لحاتم جوعية هتاف للقلب والروح والوطن



حاتم جوعية من الاصوات الشعرية الشبابية التي اثبتت حضورها ووجودها على ساحة الادب المحلي، واستطاعت ان تشق لها طريقا رائدا، وهو ينشر قصائده ووقفاته ومتابعاته النقدية باستمرار ومثابرة في الصحف المحلية والدوريات الادبية والثقافية الصادرة في بلادنا. حاتم جوعية شاعر الحب وعاشق الوطن والجليل، يتدفق بالعواطف القوية، فيغني للحب والعشق ويناجي حبيبته الشقراء وملاكه الطاهر التي تحتل كل ذرة من كيانه ووجدانه ويهتف لجليله ووطنه الغالي، وللفرح الانساني الذي لا بد ان يأتي.
ولجوعية ديوان شعر بعنوان "عاشق من الجليل" يضم قصائد متنوعة متعددة المضامين، كثيرة الفضاءات في الحب والغزل والطبيعة والارض والوطن والمجتمع والسياسية والرثاء والمناسبات المختلفة، ويهدي هذه القصائد الى اصحاب الكرامة والنفوس العالية وعشاق الفجر والوطن، الى الضمير الانساني اينما وجد، في زمن عز فية الضمير وماتت المبادئ والقيم، والى الذين ضحوا بكل شيء.
ومنذ قراءتي الاولى للديوان استمالتني لغة حاتم جوعية الشعرية القريبة من القلب والروح، اضافة الى الصوفية والروحانية والرومانسية الحالمة العميقة النافذة الى اعماق الذات والطبيعة والوجود. ان قصائد جوعية تجمع بين قوة المعنى وصدق التعبير والحس المرهف وقوة العاطفة والتموجات الجمالية ووفرة التعابير والمفردات والاوصاف التي تداعب القلب وتدغدغ الوجدان، وتمتزج فيها الفكرة بالحالة النفسية وزخم المشاعر في تلك اللحظة، وفيها نزعة انسانية وروح وطنية وقومية. كما تنقل احزانه وآلامه وآماله وتترك الاثر العميق في نفس القارئ، ولنسمعه يقول في قصيدة "تباريح عاشق":


حملت طيفك في صحوي وفي حلمي
    وذقت حبك شهدا اذاب في نغمي
فما وجدت سوى عينيك منعطفا
    ولا اردت سوى لقياك من نعم
اهيم فيك فهل للصبا من امل
    يحيا به بنوال الوصل والرأم

 

كانت حياتي فراغا دونما هدف
    حتى اتيت فأصخت عذبة النسم


وحاتم يتفنّن في شعر الغزل والوصف ويحافظ على الايقاع الموسيقي الذي يطربنا، ومن غزلياته الجميلة التي شدتني بسلاسة معانيها وطلاوة كلماتها قصيدة "اواه من عينيك" التي يقول فيها:


يا منية العمران القلب هيمان
   ذاب التياعا وساد الروح اشجان
فأسهر الليل في شوق وفي وله
   ما قرّ قلب ولا رمش واجفان
عيناك.. اواه من عينيك سحرهما
   انا الغريق بوادي العشق ظمآن
واشتهي قبلة من فيك دافئة
   وارشف الشهد، اني فيك سكران


وجوعية الذي رضع حب بلاده وترابها وجليلها، يحمل راية الاحرار ويؤمن بالحرية والمساواة والعدالة ويكره الظلم والقهر والاستبداد والاستغلال ويعيش هموم وعذابات الوطن وجراح الواقع. يقول رأيه بصراحة وجرأة، وقد كتب شعرا عن يوم الارض والانتفاضة الشعبية الفلسطينية، وعن فلسطين والجليل، ويوم السجين واطفال الحجارة، ويظهر ما للحجر من دلالات وتأثير في يد الطفل الفلسطيني مقاوما ومهاجما دون ان يخشى بنادق المحتل.. فيقول في قصيدة "طفل الحجارة":


سأغني للحجر.. سأغني للحجر
كلما يبدو القمر
اذكر الطفل الذي مات شهيدا
فمه بسمة صبح
ويداه كتراتيل صلاة
وتسابيح اله
وجهه وجه القمر
انهم اطفال شعبي علم الرفض وعنوان الكفاح
فهم زهر الاقاح
لهم مجد الخلود
يولدون
في ظلال الموت من رحم المآسي يولدون
يولدون


ورغم الجرح النازف والقيد والآلام والاحزان والقهر الذي يرزح تحت وطأته ابناء الشعب الفلسطيني، فان جوعية يتسلح بالحلم والامل، واثقا من الانتصار ومؤمنا بزوال الاصفاد وليل الطغيان وعودة النازحين والمهجرين الى ديارهم ووطنهم، ويدين بحدة وشدة مواقف الزعامات والقيادات العربية الخنوعة الانهزامية والمتساوقة مع المخطط العدواني الامبريالي – الاسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني وضد الشعوب العربية من المحيط حتى الخليج فيقول:


يا ملوكنا خذلونا ويحهم
   سلموا الاوطان وانجروا انسحابا
يا ملوكا كحذائي عرشكم
   خزيكم قد جعل الخصب يبابا
ما الشعب العرب لا يهتز ما
    لعروش الظلم لا تهوي خرابا


ولا ينسى جوعية ان ينشد ليافا عروس البحر وعاصمة الساحل الفلسطيني، يافا الشعاع والشراع والوطن والامل:


يافا يا انشودة المنشدين العائدين
يافا حنين اللاجئين
ما حال بياراتك العطشى
لرائحة الأحبة والصحاب

 

ماذا يقول البحر للميناء بعد الغياب
يافا عروس البحر درة ساحل البحر الكبير


وفي ديوان "عاشق من الجليل" قصائد رثائية جميلة منها قصيدة "منار الفداء" التي يرثي ويبكي فيها القائد الوطني وشاعر الشعب والمقاومة طيب الذكر توفيق زياد، وهي مرثية تسح دموعها بخفر وتنسحب حرقتها من السطر الاول الى السطر الاخير حيث يقول:


بكاك السهى، والمجد، والفن والشعر
    رحيلك ما اقسى ولا مثله وزر
بكاك النضال الحر يا خير قائد
   ترف على الاجيال آمالك الخضر
ودعتك قلوب الكادحين واجهشت
    وقد طاب منها السر لله والجهر
اليك منار المجد اجمل باقة
تتيه على الفن الجميل وتأسر
ملأت الدنى نفح الكفاح وسؤددا
    فأنت مدى التاريخ حلم معطر


وهناك مرات اخرى في الديوان لرسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي والموسيقار محمد عبد الوهاب والاذاعي حكمت وهبة، وفي هذه القصائد نجد التفجع والتحسر وألم الفقدان. ان قصائد حاتم جوعية تتفاوت من النواحي الفنية والجمالية وثمة قصائد متماسكة وقوية وفي منتهى الروعة والجمال، واخرى ضعيفة ويغلب عليها الطابع التقريري، كقصيدة "لك اكتب احلى الاشعار مما يفقدها اصالتها ورونقها، وهي قصائد تتوزع بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة.
وكلنا امل ان يتخلص حاتم من نزعة "الأنا" التي تقتل الابداع، مع التمنيات له بالتوفيق والمزيد من العطاء والاصدارات الشعرية.

(مصمص)

شاكر فريد حسن *
الثلاثاء 4/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع