الشرارة الأولى تنطلق من أرشيف أم الفحم



صالة العرض في أم الفحم لا تتوقف عن إقامة المشاريع والفعاليات والمعارض الفنية والدورات وغيرها الكثير، لكن المشروع الأكبر، الذي يشغل بال الجميع وبدأ الإعداد له منذ فترة وسيستمر على مدى سنوات، هو مشروع  تأسيس الأرشيف الذي سيكون نواة  لمشروع المتحف الفلسطيني، حيث سيتم تجميع المواد من أرشيفات البلاد وأرشيفات شخصية وأرشيفات بريطانية وعثمانية ومقابلات شخصية، والحديث هنا عن أرشفة (12) قرية ومدينة في وادي عارة: أم الفحم، أم القطف، من الغرب وحتى سالم من الشرق ومن الخط الأخضر في الجنوب وحتى وادي الملح في الشمال.

 

* أبو شقرة: التاريخ نصب أعيننا


يقول سعيد أبو شقرة، مدير عام الصالة: إذا كانت أمي تمثل الحكاية الفلسطينية، فبلا شك كل أم وأب يجسد هذه الحكاية، ماذا عملنا جميعا من اجل تجسيد هذه الحكاية الجميلة والتاريخية لأولادنا؟ بصراحة، لم نعمل شيئا والكثير من هذا التراث والتاريخ اندثر وضاع من أيدينا بدون أن نعطيه أي اهتمام، وآن الأوان، بأن نقوم ونغير سلم الأولويات في حياتنا لنضع الحضارة والتاريخ والماضي نصب أعيننا.. الكثير من مشايخنا وكبار السن فينا توفوا أو فقدوا الذاكرة واخذوا معهم الحكاية والسر الكبير لهذه الحضارة، فعلينا من جهة واحدة أن نشعر باللوم الشخصي على أننا أضعنا فرصا كثيرة لتوثيق أجمل القصص وعلينا أخذ المسؤولية لإنقاذ ما تبقى من هذه القصص الجميلة والتي لم يبق منها الكثير!
فأنا على سبيل المثال وبشكل شخصي، يتمحور من حولي قصص كثيرة سمعتها في العشر سنوات الأخيرة من أمي عن التراث الفلسطيني، تجسد قصة الأرض والتراب، لدرجة أنني وجدت نفسي أسجل أمي في قصصها عن نفسها من لحظة زواجها وعندما كانت طفلة في الثانية عشرة من عمرها، قصة أبيها الشيخ يوسف، الذي وجد نفسه لاجئا في بلد غير بلده بعيدا عن أولاده وأحفاده وقصتها أيضا مع أخيها المناضل محمد يوسف الشريدي، الذي يحكي بتاريخه قصة الإنسان الفلسطيني المناضل والمرتبط بشعبه وبلده.

 

* المتحف العربي القادم


يضيف أبو شقرة: يهدف أرشيف أم الفحم ومنطقة وادي عارة، عمليا، إلى حفظ هذا التاريخ من الاندثار ولكنه بسبب أهميته يحمل أبعادا كبيرة، فهو سيكون احد دعامات وأسس المتحف العربي الذي سيقوم.، هذا المتحف سيكون متحفا للفن المعاصر، لكنه لن يكون ناجحا إذا لم يكن له ارتباط بالفن الفلسطيني والتراث القديم، لأننا لن نستطيع أبدا أن نغرس الشعور بالمحبة والانتماء والشموخ بالإنسان والثقافة العربية، بدون أن نعرف أو أن نعّرف أولادنا بما كان سابقا، لذلك بدأنا بهذا المشوار الذي هو بمثابة أهم مشروع تقوم به صالة العرض خلال 2008 وللسبب أهميته، فقد توجهت صالة العرض للفنون لشخصيات عديدة لها الخبرة في هذا المجال للمساعدة في اقامة هذا المشروع، وارتبطت صالة العرض مع الدكتور مصطفى كبها، كمؤرخ ومحاضر في جامعة بئر السبع والجامعة المفتوحة ويعد من البارزين في هذا المضمار، ليأخذ مسؤوليته في إقامة الكوادر المهنية وبناء هذا المشروع، وكذلك توجهنا للفنان "جاي راز"، الذي يعتبر من المؤرخين البارزين في مجال التصوير ليساهم مع الدكتور مصطفى كبها في بناء النواة الرئيسية لهذا الأرشيف.
سيكون الافتتاح في شهر أيار المقبل وبالمقابل سيتم افتتاح معرض شامل وكامل لصور فوتوغرافية وقسم من المستندات التي تم جمعها أو سيتم جمعها إلى ذلك الحين، تطمح صالة العرض في أن يتم جمع ما يقارب المائة ألف صورة حتى السنة القادمة.. ويوم الأحد القادم سوف أسافر مع "جاي راز" إلى انجلترا للبحث في المتاحف الانجليزية عن جميع المواد الموجودة هناك من فترة الانتداب أو ما قبلها لجلبها لتكون جزءا من أرشيفنا الأول من نوعه والذي نطمح أن يكون مثلا للاقتداء به في باقي القرى والبلدان العربية.
حتى يوم افتتاح المعرض تعمل صالة العرض على تجهيز كتاب من (350) صفحة، يحكي قصة الأرشفة والمعرض الذي سيقام وهذا الكتاب سيكون الجزء الأول من (3) كتب، تحكي قصة أم الفحم ومنطقة وادي عارة من جميع جوانبها الجغرافية والاجتماعية والحضارية والمعمارية وغيرها..كما أننا نسعى لإقامة مجلس شعبي ومجلس أمناء للأرشيف،على اعتبار أن هذا الأرشيف يمثل المنطقة بتاريخها وحضارتها بمشاركة شرائح اجتماعية من جميع أنحاء المنطقة.

 

* د. كبها: سنرفع أصوات المغيبين

 


ويقول د. مصطفى كبها- المدير الأكاديمي للمشروع: دوري يتمثل بالاشراف على سير العمل- اعطاء استشارة، فحص المواد من ناحية قيمتها التاريخية، ومسح حاجات الأرشيف، من حيث الوثائق والمقابلات الشفوية والصور.. وقد تم اختياري لهذا العمل، بسبب تجربتي في هذا المضمار، كوني مؤرخ ومختصا في التاريخ الفلسطيني الحديث والتاريخ الشفوي.
رسالتي لشهادة الدكتوراة كانت عن الصحافة الفلسطينية في فترة الانتداب البريطاني.. الشعب الفلسطيني يفتقر إلى الوثائق بسبب الدمار الذي حل به جراء النكبة في المدن الكبرى وعدم قدرة الناس على الاحتفاظ بالوثائق.. حتى انه كان هناك خوف من الاحتفاظ بالوثائق.. لذلك سيتم التعويض عنها بالتاريخ الشفوي أو بمن شاركوا في صنع التاريخ، واللافت للنظر، أن هذه الأصوات هي أصوات مغيبة، التاريخ الفلسطيني كان تاريخا نخبويا: الحسينية والنشاشيبية وما إلى ذلك.. وكانت هناك عملية إغفال للأصوات المغيبة، الطبقات الوسطى أو الدنيا.. كتبت عن تاريخ ثورة الـ 36 وكتابا عن تاريخ النكبة وإشكالياتها وفي مؤسسة "مدى"، كنا وما زلنا بصدد إجراء مشروع جمع الروايات الشفوية وصياغة كتابة تاريخية.. قمت مع مؤرخ فلسطيني من رام الله، بإصدار (3) أجزاء من سلسلة تاريخ فلسطين الشفوي، الأول عن عبد الرحيم حاج محمد- القائد العام لثورة (36) والقضاء على الثورة من خلال القاضي بشير إبراهيم- احد قضاة الثورة، والجزء الثالث عن بلاد الروحة (قرية السنديانة- نموذجا)، والجزء الرابع تحت الطبع وهو "معجم عام للقاضي والثوار والمساعدين" ويحوي أكثر من (12) ألف ترجمة شخصية لأشخاص شاركوا في الثورة.. كما ان هناك كتابا تحت الطبع بعنوان "جولات في القرى الفلسطينية المهجرة"، وكتاب باللغات الثلاث: العربية والعبرية والانجليزية، بعنوان "تحت عين الرقيب"، صدر في لندن عام 2007 وهذا عدا عن مقالات عديدة وأعمال أخرى تتعلق بتاريخ الشرق الأوسط العام.
وعن كيفية العمل على هذا المشروع، قال د. كبها: في البداية سنعمل على تطوير الآليات لجمع وتوثيق التاريخ المحلي وربط ذلك بالرواية الفلسطينية العامة ويتم في (3) محاور: صور فوتوغرافية، وهي أساس المعرض الذي سيفتتح في شهر نيسان القادم وسيصدر في كتاب، ثم جمع مرويات شفوية، وثالثا وثائق أرشيفية، وهي شهادات على المستوى الشخصي (وثائق ملكية، مراسلات على المستوى الفردي والمستوى الرسمي) وطبعا التأكيد على الأبعاد الثقافية والحضارية، على سبيل المثال تاريخ الحركة الرياضية والثقافية وأصحاب الحرف وما إلى ذلك، إضافة إلى البعد السياسي.
المشروع مكون من مرحلتين: المعرض وبناء الأرشيف، والذي سيستمر لعدة سنوات، خلالها سنجمع من الأرشيفات المحلية والشخصية، فهناك عائلات لها أرشيفاتها الخاصة.. وأرشيفات عالمية، خاصة البريطانية ومن المخطط زيارة الأرشيف العثماني، الحديث هنا  عن  ارشفة (12) قرية ومدينة في وادي عارة: أم الفحم، أم القطف من الغرب وحتى سالم من الشرق ومن الخط الأخضر في الجنوب وحتى وادي الملح في الشمال، وهذه مشروع ونواة لمشروع فلسطيني عام.
وعن ما تم إنجازة حتى الآن، يقول كبها: حتى الآن، المشروع جيد وتم التخطيط له بالشكل السليم، من حيث التوجه للناس والأرشفة وإجراء المقابلات، وتقنيات إجراء المقابلة وكيفية تفريغها بعد ذلك، وأقمنا لذلك دورة تأهيل خاصة، مدتها (80) ساعة، من ضمنها (40) ساعة للتمرين على إجراء اللقاءات.. كنت اذهب مع الطالب إلى اللقاء، حيث يجري المقابلة ساعة ونصف وبعدها تعالج التقنيات مع الطالب، من حيث التفريغ وثم الأرشفة.. وهذا ليس المشروع الأول، فقد خضت العديد من المشاريع المماثلة ولكن حتى تنجح يجب أن تخطط كما يجب وان يعمل بها أشخاص مؤهلون.
وعن اهتمامه بالتاريخ الشفوي، يقول: من منتصف الثمانينيات وأصبحت من الرائدين في ذلك المضمار، كان لي مثل هذا المشروع في جامعة "بير زيت"، وفي سخنين كان هناك مشروع لتأهيل شباب الجبهة لورشات لجمع مواد عن "يوم الأرض" وما اعرفه أنهم باشروا في ذلك قبل "يوم الأرض" الأخير بقليل.
وأنا ادرس في الجامعة، آليات المقابلة الشفوية وموضوع التاريخ الشفوي- حوارات الروايات الشفوية، ادرّس في جامعة بئر السبع (تاريخ وإعلام) وفي الجامعة المفتوحة. ودرّست أيضا في جامعة حيفا وكلية بير بيرل.. درست في كل الجامعات ما عدا القدس و"بار إيلان".

 

* إغبارية: نوثّق الماضي والحاضر


ويقول المهندس محمود إغبارية مركز مشروع الأرشفة لصالة العرض والفنون في أم الفحم: بدأ المشروع من فكرة سعيد أبو شقرة، الذي تعرف على شخص كبير في العمر عن قرب، وله باع طويل في معرفة تاريخ أم الفحم وكان هناك حاجة لتوثيق أقوال هذا الشيخ، ولكن بسبب انشغاله الدائم بأعماله لم يتسن له إجراء حديث معه، ومع مضي الوقت سمعنا المنادي ينع هذا المسن ومن هنا نتجت هذه الفكرة.
برنامج الأرشفة له 3 مسارات: توثيق شفوي، تجميع صور ومستندات قديمة، وتصوير شخصيات مسنة، التوثيق الشفوي هو التسجيل الخطي بالإضافة إلى تصوير في الفيديو للشخص وليس فقط تاريخ الماضي بل توثيق الحاضر أيضا، والذي سيكون مرجعا للأجيال القادمة، فنحن الماضي بالنسبة لجيل المستقبل.. بالإضافة للأرشفة، نجمع المعارض القائمة بموازاة المشروع من ناحية تصويرية وموجود تحت تصرفنا (15) مصورا عربيا ويهوديا يقومون بتصوير زاوية معينة من تاريخ وادي عارة: أحدهم يصور الفرق الرياضية السابقة والحاضرة، وآخر يصور المساجد في كل وادي عارة، وأخر يصور الدعاية الانتخابية في السنوات الجديدة والقديمة، تصوير أزمة السير في وادي عارة، المصانع، المدارس، مداخل القرى والمدن في وادي عارة، بطل إسرائيل في الملاكمة عامر إغبارية، مقامات الأولياء والمقابر، المتقاعدين الأوائل من المثقفين والمتعلمين، المسنين وهم من اكبر المشاريع.
وعن نظرته إلى المشروع يقول: أنظر إلى المشروع كمشروع قومي وليس مجرد عمل، فنحن اليوم وفي جيلنا، نعرف القليل عن الماضي وأولادنا لا يعرفون شيئا، فمن لا ماضي له، لا حاضر ولا مستقبل له...
نأخذ المادة ونترجمها من الصوت إلى الكلمات المكتوبة وبعدها تمر تحت اشراف الدكتور كبها، للتدقيق بها لغويا وتاريخيا، ثم ندخلها إلى التوثيق وتلخيص المقابلة، وتنسيقها مع توابع لكل الأحداث التي حدثت في كل فترة وفترة، العمل على توثيق زمني وحسب الأحداث، محور زمن وحدث وشخصيات، والمميز في المشروع أن كل شخص وصلنا إليه، حدثنا قصة خاصة به ومعظم القصص لم ترو لأحد والقصة ممكن أن تكون له أو لأحد والديه.. أجرينا- حتى الآن- لقاءات شفوية مع ما يقارب (70) شخصية والعملية مستمرة، هناك أشخاص في فترة الانتداب العثماني هروبوا ووصلوا إلى اليمن والهند وغيرها وهناك من تاهوا في الصحراء وعادوا إلى بلادهم بعد سنوات عدة.

ميسون أسدي *
الأثنين 3/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع