نجـاد فـي بغـداد : أول زيـارة مـن نوعهـا منـذ العـام 1979



إضافة إلى كونها الأولى من نوعها منذ نحو ثلاثة عقود، تكمن أهمية زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد إلى العراق، غداً، في الجدل الذي تثيره مقولة تصاعد النفوذ الايراني في العراق والمنطقة بالتزامن مع احتدام المواجهة الغربية مع إيران، وما اذا كانت الحكومات العربية ستتخطى الرغبة الاميركية في توتير مسار العلاقات العربية ـ الإيرانية، بينما يقبع العراقيون تحت الاحتلال الاميركي.
ورغم أن الكلام عن «نفوذ» إيراني في العراق «الجديد»، بات من قبيل البداهة في أي سياق خطابي، غربي أو عربي، إلا أن هذا النفوذ ما يزال غير واضح الارقام والنوايا. ففيما يجادل بعض الخبراء بأن طهران تريد الهيمنة الشاملة على جارها سياسياً واقتصادياً ودينياً، يرى آخرون أنها غير راغبة ولا قادرة على تحقيق مثل هذه الاهداف.
ويرى الخبير في الشؤون العراقية في «مجلس العلاقات الخارجية» في واشنطن، والي نصر، أن نفوذ طهران في بغداد قام خاصة على العلاقة التي بنتها مع أحزاب المعارضة الشيعية التي نشأت في ظل صدام حسين، ولا سيما في جنوب العراق. ويضيف نصر ان «زيارة نجاد تشكل عامل استقرار يفتقده العراق بشدة»، مشيرا الى أن نجاد ليس بحاجة الى المجيء الى بغداد للقاء رئيس الوزراء نوري المالكي وحاشيته الذين ذهبوا الى طهران لاجراء محادثات معه والهدف من الزيارة اظهار ايران لاعبا اساسيا في المنطقة «والجار الوحيد الذي يعامل العراق كحكومة حقيقية».
ويقلل فريق من المحللين من قدر «النفوذ» الايراني، معتبراً أن قدرات إيران في السيطرة المباشرة على أي من الفصائل العراقية هي مقيدة، نظراً للعداء المحتدم في ما بين القوى الشيعية، واضطرار طهران لاحتساب كل خطواتها في التعامل بحساسية معها.
ويذكّر نصر أن طهران توسطت في اتفاق بين الزعيم مقتدى الصدر ـ الذي يعتقد انه يقضي قسطا كبيرا من وقته في إيران ـ وخصمه الرئيسي حزب «المجلس الاعلى الاسلامي العراقي» (الذي نشأ في إيران)، للحيلولة دون نشوب نزاع بين الجانبين في ميناء النفط الجنوبي في البصرة.
ماذا تريد إيران؟
يعتبر نصر أن ما تريده إيران هو «حماية مصالحها القومية في العراق، وهو ما يعني إقامة أواصر الود والعلاقات السلسة مع العراق، وألا يعود البعثيون الى سابق نفوذهم، وان يهيمن الشيعة على العراق ليفتحوا مجالات الاعمال والتجارة والنفوذ امام ايران».
لكن محللين آخرين يخالفون هذا الرأي، وبينهم الخبير لدى «المجموعة الدولية للازمات» بيتر هارلنغ، الذي لا يرى «أي إشارة إلى أن إيران تريد تشكيل العراق سياسياً»، معتبراً أن «إيران تخفي رهانها حتى يتسنى لها الرد على أي سيناريو في المستقبل، بدلاً من المضي في تنفيذ برنامجها الخاص بالعراق».
من جهة أخرى، تقول كبيرة الباحثين في برنامج الشرق الأوسط «تشاتام هاوس» روزماري هوليس، إن الايرانيين أنفسهم ليس لديهم سياسة منسجمة. برأي هوليس، ثمة فريق في طهران يريد «عراقاً مستقراً» يمكن أن يفيدهم سياسياً واقتصادياً، فيما يهتم فريق آخر بدحر القوات الاميركية من العراق، بعد إلحاق المهانة بها.
وتشير هوليس إلى المطامع في الجنوب الغني بالنفط، لافتة إلى أن الايرانيين «يتسابقون للمساعدة بمشروعات التنمية، وليس مجرد تسليح الميليشيات لطرد الاميركيين».
إيران والعرب
فيما يتوجه أحمدي نجاد إلى بغداد، تتابع دول الخليج العربية الزيارة «المقلقة» الاولى من نوعها لرئيس ايراني منذ قيام الثورة الاسلامية في العام ,1979 رغم زيــارات عدة قام بها أعلى المسؤولين العراقيين إلى طــهران منذ الغزو الاميركي، واتفاقيــات تجـارية عديــدة أبرمــها الجانبان.
ولا يعود مرد القلق الخليجي إلى الطموحات النووية الايرانية، بقدر ما هو وليد التهديد الذي يشكله أي نزاع عسكري محتمل بين إيران والولايات المتحدة، على أمن دول الخليج، ليس بسبب الملف الايراني فحسب، بل لملفات أخرى يتصدرها دعم طهران لحركة «حماس» الفلسطينية و«حزب الله».
وقد حرص أحمدي نجاد، منذ انتخابه في العام ,2005 على دحض التوجس الخليجي، وطي صفحة العداء الايراني ـ العربي، الذي بلغ الذروة في دعم العرب لحرب صدام المدمرة على إيران (19881980). وزار أحمدي نجاد، في العام الماضي، الامارات وقطر (حيث شارك لأول مرة في قمة لمجلس التعاون الخليجي).
كما زار وزير الخارجية الكويتية محمد صباح السالم الصباح طهران حيث اكد ان بلاده «تعرف من هو صديقها ومن هو عدوها، وأن ايران صديقة لها»، تزامناً مع جولة كان يقوم بها الرئيس الاميركي جورج بوش في الخليج، مركزا على حجم «التهديد الايراني».
ولم تبقَ السعودية بعيدة عن التقارب الايراني العربي، اذ وجه الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز دعوة رسمية الى الرئيس الايراني لاداء فريض الحج في مدينة مكة المكرمة، كما زار مسؤولون إيرانيون مصر لاستئناف العلاقات المنقطعة منذ الثورة الاسلامية. كل ذلك في وقت تقيم فيه دمشق وطهران حلفا وثيقا، فيما العلاقة بين ايران والاردن متوترة.
وعشية الزيارة، قال نائب وزير الخارجية الايراني علي رضا شيخ عطار، للاذاعة الرسمية، ان تقديم «قرض ايراني بقيمة مليار دولار الى العراق كان احد قضايا النقاش الرئيسية مع الجانب العراقي. استنادا الى الاتفاقات يغطي هذا القرض مشاريع اساسية ينفذها مقاولون ايرانيون باستخدام سلع ومعدات ايرانية».
(أ ف ب، رويترز)
السبت 1/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع