حسْنَة وزينة



- يا ألله، غدًا الجمعة
- لا تنسَوْا، يوم الخميس القادم، رحلتنا
- واضح، لن ننسى، ولكن ماذا علينا أن نلبسَ؟
- زينة، هل أنتِ على استعداد؟
- لا..
- لماذا؟ أنتِ.. كنتِ قد قُلتِ..
- نعم، لكنّ والدتي تريد شراء غسّالة جديدة ولن أستطيع الذّهاب إلى الرّحلة، على كلٍّ، ستكون لنا في المستقبل رحلات كثيرة
- أنتِ أيّتها المشاغبة، ألا ترين؟ صرخ سائق الحافلة على حَسْنة التي كادت تصطدم بها. وهل تظنّين أنكِ طائر أو أنّكِ تعدّين باقي الطّيور وتحلّقين معهم بين الغيوم، ألا ترين الشّارع!
جَلَسَتْ حَسْنة على حافّة الشّارع تُفكّر في صديقتها زينة التي لا تملك المال الكافي لدفع رسوم الرّحلة. هل عليها أن تذهب إلى والِدَيْ زينة لكي يدبّرا أمورهما لدفع رسوم رحلة ابنتهما زينة، فلو كان معهما المال لدفعا، لكنّهما لا يملكان من المال ما يكفي لتغطية نفقات الرّحلة، حيث أنّ أباها كان مُعطّلاً عن العمل فترةً طويلةً، وإذا صارحَتْهما بطلبها ستُحْرجهما وهذا لا يليق بها كصديقة لابنتهما. هل عليها أن تُعلن للصّف عن حملة ماليّة لجمع بعض النّقود فضلاً عن رسوم الرّحلة. لكِنّها لا تستطيع الكذب فهو حرام، هل تُصارح زُملاءها بوضع زينة المالي؟ ولكنّ هذا سيُحرج صديقتها أمام زميلاتها وزملائها. ماذا عليها أن تفعل؟ كيف عليها أن تتصرّف؟ وهذا ما حيَّرها!
بعد أن مرّ يوما السّبت والأحد، باشر الطّلاب والطّالبات يوم الاثنين دراستهم، لكنّ شُغلهم الشّاغل كان، رحلتهم، ماذا يلبسون؟ وماذا يشترون؟
خَطَرَ على بال حسْنَة أن تتوجّه إلى مُربِّية الصّف وتطلب منها مساعدةً لزميلتها، لأنّها متأكدة بأنها ستجد الحلّ.
- مُعلّمتي، لحظة من فضلِك، أريد أن أتحدّث معكِ
- تفضّلي، ما بك مُرتبِكة
- أريد مساعدة زينة..
- إنّي أحترمُك وأُقدّر شعوركِ، لكنّي لا أستطيع مساعدتكِ، وإذا ساعدْتُ هذه عليّ أن أساعد تلك، وأنا لا أستطيع مساعدة الجميع
- ولكن..
- حسْنَة، إرجعي إلى صَفِّك، من فضلك

******************

عندما عادت حسْنة إلى بيتها، كسرت "قُجَّتها" الفَخّارية، ووجدت أنّ ما وفّرته من العيد لا يكفي رسوم الرّحلة.
نادتها أمّها طالِبةً منها أن تذهب إلى البقّالة لشراء الطّحين والحليب وحاجِيّات رحلتها.
- حاضرة يا ماما سأذهب.. أخذَتْ حسْنَة النّقود من والدتها وذهبَتْ
إلى البقّالة.
- مرحبًا، يا خالة، أعطني من فضلِك زجاجَتَيْ حليب وكيلو طحين وأريد أن أسألك شيئًا، صديقتي وزميلتي في الصّف تريد أن تذهب للرّحلة..
بعدها ذهبت إلى البقّالة المُجاوِرة.
- مرحبًا، يا عمو، أعطني من فضلك كيسين من المُكسّرات وكيسين من
- النّقرشات، وأريد أن أسألك شيئًا، صديقتي وزميلتي في الصّف تريد أن
ذهب للرّحلة..

******************

حان موعد الرّحلة، يوم الخميس.
- زينة، زينة، استيقظِي! استيقظِي! وبسرعة الحافلة قرب المدرسة وتنتظِرُنا
- لكنّي.. لكنّي..
- لا مجال للحديث الآن، هيّا إلى المدرسة، لنلحق الحافلة 

 ********************

وبعد مرور بضعة أيّام، طلبَتْ حسْنة من زينة:
- أتستطيعين مساعدتي، في موضوع الحساب
- بكلّ تأكيد وسرور، يا حَسْنَة، وأستطيع مساعدتك في الرّسم أيضًا، ومتى شئتِ
- وهل أستطيع أن أنام عندكِ فأنتِ تعرفين والدي.. وأنا أشعر بالرّاحة عندكِ
- أعرف جيدًا، تفضّلي وأنت تعرفين أنّ بيْتنا بيتك..

 *********************

بعد أسبوعٍ، دخلت مُربية الصّفِّ تمسكُ بيَدِها يدَ طفلة أُخرى غريبة عن الصّفِّ.
- هدوء، هدوء من فضلكم أيها التّلاميذ، أريد أن أُعرِّفكم على التّلميذة الجديدة يارا، حيث أنّها عادت لتوّها من الخارج مع والديْها بعد أن كانا يعملان في أوروبا، أين يوجد مقعد شاغر ليارا، أيّها التّلاميذ.
- معلّمتي هنا بجانبي، قالت زينة
- لكن يا زينة، حَسْنَة تجلس بجانبكِ
- هذا غير مهم، فحسْنَة تستطيع أن تجدَ مكانًا آخر، أليس كذلك يا حسْنة.
أخذت حسْنَة أغراضها وذهبت إلى مقعدٍ آخر شاغر. سال دمعها من مقلتيها
على وجنتَيْها ورطّب دفترها ولم تستطع إخفاء شهقاتها وشعرت بضربات قويّة وغريبة في صدرها لدرجة أنّ قلبها كاد يقفز من سجنه وتمنّت لو تأتي السّاحرة وتُخفيها في الحال عن تلاميذ صفّها، كي لا يرَوها كم هي مُحْرَجة، وتمنّت لو كان لها جناحان لتطير إلى البعيد دون رجعة بعد أن حطّمت زميلتها قلبها.

* الرسمة هي من إبداع ربى خالد داود

 

* (الكاتبة، سلوفاكيّة القوميّة وتقيم في حيفا. وهي حاصلة على شهادة علم المكتبات من جامعات جمهورية سلوفاكيا)

إديتا داود
السبت 1/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع