عشية انعقاد المؤتمر العام الرابع لحزب الشعب الفلسطيني:
إسهام في النقاش حول أي حزب نريد؟؟؟



سيقول البعض اننى من بقايا الحرس القديم، هذا شرف عظيم لي.. وقد يتهمني البعض بأنني لا أرى المتغيرات الدراماتيكية التي حصلت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والتي توجت بانهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، وتراجع نضال حركات التحرر العربية والعالمية، والطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية، فهذا غير صحيح!! فمن يمتلك أداة التحليل الماركسي (المنهج المادي الجدلي) لا يمكن أن يتجاهل تلك المتغيرات العاصفة التي أعادت النظر بشكل كبير في العديد من المفاهيم والمقولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة، كونها مقولات مطلقة، وفي أشكال مواجهة الظلم والاحتلال والهيمنة الرأسمالية وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تشكل مركزا  للإرهاب الدولي وإشاعة الحروب ضد الشعوب، ومحاولاتها إجبار الحكومات والأنظمة السياسية تحت ضغوطها العسكرية وإغراءاتها المالية إلى تبنى النهج الدمقراطي  وفق الطريقة الأمريكية، ولو بالطريقة القيصرية التي تلد الصراعات الداخلية، وتؤجج النعرات الاثنية والعرقية والطائفية.
ومع ذلك فان هذه المتغيرات لا يمكن أن تلغى حق الشعوب المظلومة بالتحرر من التبعية والإلحاق والقهر القومي والطبقي، والبحث عن أقصر الطرق لتحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الإنسانية لشعوبها، وتحتاج الشعوب المقهورة  لنضال طويل وصعب، ولأحزاب سياسية من طراز جديد قادرة على مواجهة الأعداء الخارجيين والداخليين، وقادرة على قيادة الجماهير الشعبية من حالة التبعثر إلى حالة التوحد، ومن حالة التوحد إلى حالة التنظيم، ومن حالة التنظيم إلى حالة الثورة.
إن محاولة الارتداد عن الفكر الماركسي والاشتراكي، والترويج للفكر الليبرالي الرأسمالي، هو مناف للتاريخ والتطور الاجتماعي، وقوانين المادية التاريخية، فالتاريخ لا يسير بخط مستقيم بل بشكل لولبي كما قال ذلك لينين قائد ثورة أكتوبر الاشتراكية، وما محاولات البعض التخلي عن الفكر الاشتراكي، والاستسلام لقوى العولمة المتوحشة، وقواها العمياء بمجرد سقوط النموذج السوفييتي، والتضرع  في معابد السلطة المطلقة، يطلبون المغفرة والشفاعة، يتمسحون على عتبات السلطان الجديد والعطايا وفوائد السمسرة ومنظمات البقشيش، سوى فقدان لسلطة العقل والمعرفة والتنوير، فقد أصبحوا يلوكون الماء، ويمضغون القات ويستغيثون براعي العالم المتوحش، يروجون لأفكار السوق السياسي، ويبايعون العولمة المتوحشة، والمنظمات غير الربحية السياسية.

 

وعلى كل حال فقوانين التطور وقوانين الثورة ليست ثابتة، بل تحكمها سيرورة التغير والتطور، والسؤال المطروح اليوم أمام رفاق حزبنا، حزب الشعب الفلسطيني وريث الشيوعيين الفلسطينيين، وأنصاره وأصدقائه، أي حزب نريد؟؟ كيف نخوض مع جماهير شعبنا نضالا ضد مضطهدينا القوميين والطبقيين؟؟ كيف ننتظم من أجل تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال والعودة؟؟ كيف نعبر عن مصالح  الجماهير الشعبية سياسيا واقتصاديا وفكريا؟؟ كيف نوحد طاقات شرائح وفئات شعبنا  المختلفة المتضررة ضد الاحتلال والاستيطان والجدار العنصري والحصار والانقسام، ومن اجل التحرر الوطني، والتحرر الاجتماعي؟؟
كيف يتحول حزبنا إلى حزب جماهيري؟؟ كيف نعزز صلاتنا الجماهيرية بالقوى الأساسية في المجتمع الفلسطيني وقواها المحركة الأساسية للنضال والكفاح وفي مقدمتهم العمال والمزارعين والنساء والشبيبة والمثقفين الثوريين، وامتلاك القدرة لاستلام السلطة بالشكل الدمقراطي، وعبر الانتخابات البرلمانية؟؟ ما هي وسائلنا الكفاحية لمقاومة الاحتلال والاستيطان، والدفاع عن شعبنا ضد العدوان المتواصل والهمجي عليه؟ كيف  نربط النظرية بالممارسة العملية؟ وكيف نستقطب الجماهير لمقاومة الاحتلال؟؟ لقد رحل عنا قادة كبار وعظام من حزبنا، امتلكوا الرؤية السياسية الواقعية، والشجاعة الكفاحية، فاحترمتهم جماهيرهم قبل رفاقهم.
لماذا لم يتبوأ حزبنا الصدارة في المجتمع، مع أنه يملك تاريخا مشرقا، ورؤية سياسية صائبة ونظرية علمية ومنهجا ثوريا وخبرة طويلة في الكفاح الوطني والطبقي، ولم تتلوث أياديه بدماء شعبنا الفلسطيني؟ ما دور حزبنا في توحيد واستقطاب كل قوى اليسار الفلسطيني؟؟ العديد من الأسئلة من الواجب والضروري الإجابة عليها حتى يكون مؤتمرنا الرابع نقلة نوعية في تطور الحزب، يحدد بدقة استراتيجية وطنية  كفاحية تسهم مع القوى الوطنية وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية  في تحقيق أهداف شعبنا الفلسطيني.
ونحن على أعتاب المؤتمر العام الرابع الذي سيعقد في السادس والسابع من أيار المقبل، فقد قدمت اللجنة المركزية، مشروع البرنامج السياسي والنظام الداخلي لمناقشته في المؤتمر العام حددت فيه الهوية الفكرية والطبقية والسياسية للحزب، وعلى قاعدة إثراء هذا البرنامج فانني أؤكد على:
1) أهمية التحليل الماركسي الدقيق  للواقع الفلسطيني المتغير بشكل عام، ليس فقط سياسيا، بل اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.. الخ، دون الخوض في التفاصيل لأن البرنامج السياسي يجب أن يكون مكثفا، ولكنه يحتاج إلى ملحق يفسر فيه ويشرح، ويحلل الواقع الفلسطيني ويربط هذا الواقع بالتطورات المتوقعة على الساحة الإسرائيلية والعربية والدولية، ومعرفة دقيقة  للقوى المحركة الأساسية في المجتمع الفلسطيني التي لها مصلحة حقيقية في إزالة الاحتلال وكافة أشكال الإلحاق والتبعية الاقتصادية والسياسية، وتحديد القوى المتذبذبة، وكذلك القوى التي ارتبطت مصالحها بالاحتلال الاسرائيلي، وتشكل معيقًا، وتحديد معالم المرحلة الحالية، وتناقضها الرئيس حتى يستطيع الحزب أن يستقطب الجماهير، من أجل استقلال الوطن سياسيا واقتصاديا، ومن اجل التقدم الاجتماعي، وبضرورة معرفة أشكال النضال ووسائله، بمعنى ضرورة تحديد الأهداف التي يدعو الحزب الجماهير إلى تحقيقها، والطرق والوسائل المؤدية إلى تحقيقها يعتمد بشكل أساس على معرفة قوانين تطور المجتمع الفلسطيني، بمعنى أن يمتلك الحزب برنامجا سياسيا واضحا، فصحة سياسة الحزب أهم شرط لتعاظم دوره ونفوذه في المجتمع، وحتى يضع برنامجه بدقة عليه معرفة الوضع داخل الوطن، وخارجه، ويعبر بصدق عن مصالح الشغيلة والكادحين سياسيا واقتصاديا وفكريا، وحتى يكون البرنامج السياسي بوصلة لكل رفيق ومثقف.
2) التأكيد على الأخذ بمبدأ الوحدة الفكرية والتنظيمية للحزب، بمعنى "وحدة الإرادة والعمل" ولا يمكن ضمان توحيد كافة طاقات الرفاق، وتقوية صفوفهم دون هذه الوحدة. وهى احد الشروط الضرورية لنشاط الحزب الناجح. إن أي تنظيم خال من وحدته الفكرية لأعضائه أشبه بحشد يرغب في التحرك على الطريق ولكنه لا يعرف ألي أين يبتغي الذهاب ولماذا؟ وعندما يجري الحديث عن الوحدة الفكرية والتنظيمية فإننا بحاجة إلى الانضباط الصلب والواعي، والوحدة الفكرية والتنظيمية، وهذا يخلق حزبا من طراز جديد لا بد من أن ينجح في تحقيق رسالته التاريخية، وحدة فكرية تدعمها وحدة تنظيم مادية، والتصدي لكل محاولات الانتهازيين، والعناصر الثرثارة والمتعجرفة والتي تحاول أن تقلل من أهمية التنظيم وقدرته الفاعلة على توحيد الجماهير، مع التأكيد على أهمية حرية النقاش والانتقاد والنقد والنقد الذاتي، والتي تنظمها لتكون قوة لها، فالحزب في نهاية المطاف ليس مقهى أو ناد أو جمعية خيرية، وضرورة التصدي بحزم للميوعة التنظيمية، وامحاء الحدود، واحترام الهيئات القيادية.
3) إن قوة الحزب تكمن في صلته الوثيقة بالجماهير، بايلاء الاهتمام الشديد للقطاعات الأساسية للمجتمع الفلسطيني، وفى مقدمتها قطاع العمال والشغيلة  والكادحين وقطاع النساء، وقطاع الشبيبة وطلبة الجامعات والمدارس الثانوية، وكذلك قطاع المثقفين والكتاب والأكاديميين والصحافيين والمهنيين.. الخ كونها تشكل العمود الفقري للحزب، وحزب لا يهتم ولا يضع في نشاطاته هذه القطاعات لا يمكن أن يتطور وينمو ويكون لديه حياة سياسية، وهذا يتطلب العمل باستمرار على تعزيز الصلة بها، ومعرفة حاجاتها وهمومها، وبهذا تتضاعف قوته ودوره في الحياة السياسية والاجتماعية وبدون تعزيز صلته بالجماهير يبقى الحزب منعزلا، ولن يحصل على دعمها، والعمل دائما على جذب قطاعات أخرى لسياسة الحزب ولنضاله المتواصل، كيف يمكن أن تتشكل صورة ذهنية للجماهير عن هذا الحزب؟؟؟ من الذي يساعد على توطيد الصلات بالجماهير، انه عمل الحزب ولجانه القيادية ومنظماته وكل أعضاؤه، وحينما يعطى الرفاق المثل في الدفاع عن الوطن والأرض والشعب والقضية والتضحية واحترام المواطنين والتفاعل مع قضاياهم، وتحسس مشاكلهم والمساعدة في حلها، فان الجماهير تصغي لهم، وتتفاعل معهم، وتنجذب لسياستهم، نتعلم من الجماهير، ونرشدها للدفاع عن مصالحها.


4) ضرورة التثقيف النظري والسياسي، لرفاق الحزب أولا، وتشجيع الثقافة الذاتية، وتعلم أسس المعارف السياسية، والاهتمام بتطوير الكادرات الحزبية، وتعزيز الانتماء الفكري، ورفع مستوى وعي الرفاق السياسي والفكري والتنظيمي، والتركيز على النشرة الداخلية والجماهيرية للحزب، والاستفادة من التطورات التكنولوجية ووسائل الاتصال الجماهيرية والذاتية. نحتاج لسياسة ثقافية واضحة ودعم وتخصص لها، وخلق صحافة حزبية، وتوفير إذاعة محلية وفضائية، ومواقع الكترونية خاصة بالحزب، على طريق تسليح الرفاق وتحصينهم بالمعرفة العلمية.
5) الاتصال برفاقنا القدامى أصحاب الخبرة والتجربة والتاريخ النضالي والقيادي،   وتشكيل مجلس حكماء منهم، وتعزيز صلاتنا بهم، والاستفادة من خبراتهم النضالية، وتكريمهم، وكذلك بالرفاق المنتشرين في بلدان العالم في أمريكا اللاتينية وأوروبا وإفريقيا، وخلق آليات للتواصل، واطلاعهم على مواقف الحزب وإيصال النشرات والبيانات، وكل ما هو جديد في تاريخ ونضال الحزب، وقضايا شعبنا، والاستماع لهم بروح من الوفاء لتاريخهم النضالي وتجربتهم الغنية.
6) العمل على تطوير مؤسساتنا الجماهيرية كونها تشكل الرئات التي يتنفس منها الحزب، والبحث عن آليات جديدة تخلق حالة من التوازن بين كونها مؤسسات غير حكومية وغير ربحية، وكونها أداة لخدمة جماهير شعبنا، والاستفادة من خدماتها  دون تعطيل دورها المهني، ووضع ضوابط للعمل معها حتى لا تسبح في مدار آخر بعيدا عن سياسة الحزب ومواقفه. وضرورة تقييم التجارب السابقة.
7) إن مجمل التطورات الأخيرة على الساحة الفلسطينية، وزيادة حدة الانقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس، وفشلهما في إدارة الصراع مع الاحتلال الاسرائيلى، وفي التوحد ضمن برنامج الحد الأدنى مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية  لمواجهته، يجبر المواطن على تساؤلات موضوعية أين هو البديل؟؟ أين قوى اليسار الفلسطيني، وما دورها في هذه المرحلة الأزمة والكارثة؟ وهل يمكن إنقاذ المشروع الوطني، وإعادة اللحمة الوطنية، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي القادرة على تبني قضايا التحرر الوطني والاجتماعي والدمقراطي والمدافعة الحقيقية عن حرية التعبير والصحافة، وحقوق المرأة وحق الانتظام والتظاهر. إن هذا يتطلب التقدم بخطوات مسؤولة إلى الأمام لترسيخ العلاقة الحقيقية بين مركز اليسار الدمقراطي بعيدا عن الذاتية والمكاسب الآنية، فهي تشكل الثقل الأول في وحدة اليسار الدمقراطي، التقدمي، وفي إطار الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومن هنا فإننا نثمن أية خطوة على طريق تشكيل جبهة اليسار الفلسطيني الدمقراطي، ولقد تناول حزب الشعب الفلسطيني في مشروع برنامجه السياسي فصلا خاصا بهذا الموضوع وتحت عنوان "نحو وحدة اليسار طريقا للتحرر والدمقراطية والعدالة الاجتماعية".
8) وحتى لا ننتج بضاعة فاسدة فلا بد من ماسسة العمل الحزبي، وتعزيز دور القيادة الجماعية، وتوزيع الملفات المختلفة على أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي، حتى يتحمل كل منهم المسؤولية الجماعية في هيئته الحزبية، وكذلك مسؤوليته الفردية، وذلك بهدف تنفيذ المهمات، وحتى لا ننتج ولاءات فردية بل التركيز على  الانتماء الحقيقي لحزب الشعب الفلسطيني ولمشروعه الوطني التحرري، والاجتماعي والدمقراطي التقدمي.
9) يحظر عدم عقد المؤتمر العام بعد أربع سنوات طبقا للنظام الداخلي الذي يعتبر قانون ملزم لكل الهيئات الحزبية ، ولا بد من عقده في زمانه، ومكانه، واحترام النظام الداخلي الذي توافق كل أعضاء الحزب عليه، وحتى لا نكرر الخطأ السابق في عدم عقده في موعده.
10) وأخيرا مع امتلاكنا  لبرنامج سياسي واقعي وثوري، هل يكفي هذا؟؟ انه يحتاج لرفاق يحملونه، ويدافعون عنه، يؤمنون بالنظرية وبالممارسة، ولا يمكن أن يحوز على لقب عضو الحزب إلا من أثبت انتماءه الحقيقي للوطن والشعب وللحزب، يكون بهذا قادرا على استقطاب الجماهير، والدفاع عن سياسة الحزب.
إن أثمن صفة يتحلى بها المناضل الحزبي، هي أن يعرف كيف يعمل بحماسة في أصعب الظروف، وكيف يتغلب على كافة الصعاب بروح من الانتماء الحقيقي للشعب وللوطن وللحزب، وأن يحتفظ دائما وأبدا بروح تفاؤلية وبهمة عالية، وهو بهذا يشكل النواة الصلبة للحزب.

غزة- فلسطين
  talat_alsafadi@hotmail.com

طلعت الصفدي
السبت 1/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع