القدس أولا



من الممكن طبعًا عدم تصديق المفاوضات التي تجريها اسرائيل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ومن الممكن ايضًا التصديق بأن الجانبين يريدان ولا يستطيعان ذلك.
من الصحيح الاعتقاد ايضًا انه لا يمكن اجراء المفاوضات من دون التمثيل المنتخب للشعب الفلسطيني الذي انتخب حماس، كما انه لا توجد مفاوضات من دون غزة. والآن بعد ان قطبنا جباهنا كما يجب لكل هذه المفاوضات من الممكن القول ان هذا ما يوجد الآن. هناك اولمرت وليفني من جهة ومحمود عباس وصائب عريقات من جهة اخرى بكل ما هو معروف من نقاط ضعفهم.
المباحثات التي يجريها الجانبان لن تحرز السلام وهم ايضًا لا يدعون ذلك. كل ما هو مطروح علي المحك بعد 40 عاما من الاحتلال واراقة الدماء ولشدة الخجل هو اتفاق بسطه لا يمكن تطبيقه الان. لهذا السبب تحديدًا من المهم ان لا تخجل هذه الورقة العديمة التوقعات الموقعين عليها. تحديدًا لانه مجرد وثيقة ذات مغزى اعلاني ورمزي فقط ويمكنه ضمن هذا المفهوم ان يكون وثيقة تمهيدية. من المهم ان يتطرق للقضايا الجوهرية.
ليست هناك اية اهمية للاعلان حول تقاسم مصادر المياه بيننا وبين الفلسطينيين تمامًا مثلما لا توجد اهمية ان تم التوصل الى اتفاق مبدئي حول حجم قوات الامن الفلسطيني. هذا مجرد اعلان فقط: الاتفاق سيكون مُهمًا فقط ان قالت اسرائيل الجزئية وفلسطين الجزئية كلمتهما الواضحة الشفافة والمتفق عليها حول الدولة الفلسطينية المستقبلية ومستقبل المشروع الاستيطاني وحل مشكلة اللاجئين.
من دون كل هذه الامور لا توجد اية جدوى من مواصلة اللقاءات ليس فقط لانها تهدر وقت المفاوضين ووقتنا جميعًا لا بل انها قد تكون كارثية. هذه مسألة تعرفنا عليها من خلال احداث المنطقة: المفاوضات التي فشلت تتسبب بالمزيد من التصعيد الذي يتلوه تصعيد ودورة اخرى من اليأس والعنف الفظيع. هذا ايضًا تعلمناه من فشل اتفاقيات اوسلو ذلك الاتفاق الذي لا يمد يده الى داخل النار المتوقدة الذي لا يمس بلب وجوهر الصراع ومحكوم عليه بالفشل. لذلك ان كان المفاوضون يريدون التقدم فعلا فعليهم ان يبدؤوا بالقضايا الجوهرية.
يجب ان تكون القدس المسألة الاولى التي تطرح علي طاولة المفاوضات. ان كان الجانبان غير قادرين علي الوصول الى اتفاق حول حدودها ومكاتبها فلم كل هذه المفاوضات إذن؟ الوقت لن يشفي اي مرض هنا: ما لا يمكن الاتفاق عليه الان سيكون من الممكن الاتفاق حوله فقط بعد جولة ملعونة ومشؤومة اخرى من العنف وهذه مسألة يرغب الجميع في منعها كما نأمل.
من يطلب تأجيل التفاوض حول القضية الاساسية والمبدئية المتمثلة بالحدود والمستوطنات انما يريد ان يضلل فقط. القدس هي جزء لا يتجرأ من هذا النقاش ـ وهي بالتحديد جزء سهل نسبيًا للحل ان سار الجانبان وفقًا لمشروع كلينتون الذي قد حدد امور البديهية: القدس الفلسطينية للفلسطينيين واليهودية لليهود. بقي فقط تحديد مصير الاحياء اليهودية الضخمة التي بنيت علي الاراضي المحتلة والتي تعتبر مستوطنات بكل معني الكلمة. مصير هذه المستوطنات يجب ان يحسم مثل مصير مثيلاتها الاخريات، الا ان حصل الفلسطينيون على ثمن عادل وملائم لابقائها.
يتوجب دس اليد ولمس جرح المستوطنات كله: ان كان الثنائي اولمرت وليفني يرغبان في التسوية هنا عليهما ان يقولا امورًا واضحة حول مستقبل المستوطنات. تأجيل النقاش حولها كما حدث بصورة بائسة في اوسلو ليس له مبرر ولماذا التأجيل اصلا؟ حتي يصبح عدد لصوص الاراضي نصف مليون؟ وايضًا يتوجب التحدث حول حل مشكلة اللاجئين طبعًا فليست هناك اية طريقة للتملص من ذلك.
ان كانت لايهود باراك حقوق ما في تاريخ الصراع وان قد ساهم بصورة بناءة ما فإن ذلك تجسد من خلال استعداده للتفاوض حول القضايا الجوهرية. باراك الذي تحدث مؤخرًا بلغة القوة والعنف فقط هو الذي كان قد غرس الانطباع بأنه لا يمكن القفز فوق الهوة السحيقة من خلال خطوات محسوبة. قفزة واحدة وكبيرة وجريئة وهي وحدها التي يتوجب على اولمرت وليفني ان يتبنّياها.
واجب البرهان ملقي الآن علي اكتاف اولمرت ان كان يريد التقدم فعلا فإن عليه ان يقوم بخطوتين جريئتين عليه ان يتفاوض حول القدس اولا وان يدعم المفاوضات بخطوات عملية لا تقل عمقًا. اطلاق سراح السجناء وازالة الحصار عن غزة وحرية الحركة التامة في الضفة هي شروط اساسية لكل مفاوضات.
لشدة الاسف اولمرت لن يكون الشخص الذي سيقسم القدس. ليست لديه الجرأة لذلك علي ما يبدو ولا القدرة ايضًا. الحد الادنى الذي يمكنه مطالبته به اذا هو التوصل الي اتفاق مبدئي حول حدودها مع الممثل الفلسطيني الاكثر اعتدالا الذي كان وسيكون لاسرائيل في اي وقت من الاوقات. بهذه الطريقة فقط سنعرف ان هناك رئيس وزراء في القدس وانه يريد السلام.

("هآرتس"، 24 شباط)

غدعون ليفي
الخميس 28/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع