لا تنفكّ الامبريالية تمارس اسلوبها في اقامة حلف بغداد



بعدما تقزمت بريطانيا وفرنسا على اثر الحرب العالمية الثانية، ورثت الولايات المتحدة الاسلوب القديم الحديث حسب سياسة الكفّة الراجحة، لتضمن استمرارها وهيمنتها على الشعوب وامتصاص خيراتها، غير ان الاسلوب هذه المرة كان اكثر تفنّنا، واكثر تقنيات تكنولوجية لاقناع الشعوب ان الحرية خير لهم، عبر اثارة الغرائز الطبيعية وشحذها، عبر الفضائيات، وهي تدفع الملايين لتمويل بعضها من خلال شراء اسهم فيها وكأن العملية تجارية محضة.
نظرة الى الوراء الى حلف بغداد، الذي اقامته بريطانيا (الانتداب) الذي ضم في حينه عراق نوري السعيد رئيس حكومة الملك فيصل، باكستان، وايران الشاه محمد رضا بهلوي واسرائيل، هذا الحلف السيء الصيت والذي عُرف عنه في التاريخ، اقيم لقمع أي حركة تحرر عربية اولا وحماية النفط في الخليج ليصب في رحمها، كانت نهايته الفشل بعد الانقلاب في العراق في 14 تموز 1958 بزعامة عبد الكريم قاسم، والاطاحة بالشاه لتحل الخومينية، وما اعقب ذلك من جرائم واحكام الاعدام التي انزلها نوري السعيد بالنخبة الثقافية امثال الشاعر احمد حسن الشيبي لمجرد قصيدة هجاء كان قد كتبها ضد نوري السعيد بعنوان "عروس القصر"، عوضا عن هرب البعض الى الخارج امثال الجواهري وبدر شاكر السياب، هذا التاريخ المظلم في حق الاحرار بالحياة في اوطانهم، يدعونا اليوم الى اعادة النظر لما يجري على الساحة.
ان مقولة "التاريخ يعيد نفسه" من حيث المد والجزر، من تململ الشعوب امام المظالم التي تحدث على الساحة السياسية من ارهاب الدولة الاعظم، وتمويل مجموعات الارهاب سرا، ولعنها علنا، هي السياسة الكلاسيكية للرأسمالية، التي في مجملها تعتمد على تقطيع الاوطان الى دويلات صغيرة، لتتمكن من الفتك بها والسيطرة على مواردها، في اطار مدروس ومبرمج، عبر اثارة المشاعر الدينية او الاقليمية او الاثنية، واذا فشلت جميعها لا تتورع عن احتلالها تحت شعارات مختلفة كالقضاء على الديكتاتورية، او احتواء هذا القطر للمجرمين الدوليين، وهنا الحجج والاسباب كثيرة.. لا تعد ولا تحصى.. الى حد ابتكار شخصيات وهمية تعيش في المغاور وتهدد السلام العالمي؟!
ان تفكيك دول البلقان الى دويلات في شرق اوروبا واستقلال كوسوفو والاعلان عنها دولة مستقلة عن صربيا الام، ما هو الا مؤشر ومقدمة لانشاء حلف على نمط حلف بغداد يضم كوسوفو في اوروبا الشرقية، ثم تركيا التي تدك معاقل حزب العمال الكردستاني في شمال العراق باسلحتها الثقيلة، وافغانستان (كبديل عن باكستان/ بعد فشل برويز مشرف) في الانتخابات الاخيرة، وهرولة البغداديين الى مساجد النجف وكربلاء – جميعها مؤشرات تنذر بتقسيم العراق الى دويلات صغيرة وانفصال كردستان وجنوب العراق عن الوطن الام العراق، العراق قلب الهلال الخصيب.
اما القوميون العرب، وعلى حين غرّة، يحتفلون اليوم بذكرى الوحدة بين سوريا ومصر التي ابرمت في 28/2/58، التي سرعان ما فكت عام الواحد والستين، على قبر عبد الناصر في المنشية، فما هذه الصحوة، يا للعجب بعد نصف قرن هل هي صحوة ما قبل الموت؟! اما صحوة الضمير قبل الحساب العسير؟!! ام وسيلة تفريغ وتغطية عن جريمة السكوت عن احتلال العراق عندما عبرَت الطائرات الامريكية والاسرائيلية الاجواء العربية وعتادها ومدمراتها في المياه الاقليمية.
ان العرب اليوم مطالبون باقامة وحدة واحلاف وطنية في اطار انظمة قوية، يدعمها الاقتصاد والبنى التحتية، والتعبئة الجماهيرية لمفهوم الوطنية والقومية وعدم التحليق في فراغ الفضائيات التي لا تهتم الا بملء البرامج بما هبّ ودبّ ووعظ وشعوذة، كعملية تنفيس للشعوب، ولجيل الشباب وما يعتمل في صدره من متناقضات وتعثر في الحياة، بعدما فرضت العولمة فرضا وقسرا على الشعوب، وقلبت عالمهم الخاص المتفرد الى عالم العموم ومجاراة للتيار الاقوى ومحاكاة للآخرين دون قناعات وثوابت ذاتية يهتدي بها الفرد في مواجهة تحديات العصر.

(حيفا)

عايدة حوراني نصرالله *
الأربعاء 27/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع