الموقف المسؤول من المفاوضات



كرّر رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود أولمرت، أمس، "تخميناته" المتشائمة بشأن امكانية احراز اتفاق فلسطيني-اسرائيلي قبل نهاية العام الجاري - وهو ما كان اعلنه سابقًا الرئيس الأمريكي جورج بوش كهدف لا عودة عنه. وقد اتفق مع توقّع أولمرت المذكور، أيضًا، رئيس الحكومة الفلسطينية المعيّنة سلام فيّاض. وهذا فيما لم تبدر تعليقات أمريكية جدية على الأمر.
بطبيعة الحال، تكشف هذه التصريحات الهادفة لخفض التوقعات، عن المصاعب الجدية في عملية التفاوض. لكنها، بالاضافة، تصريحات تكشف ان اللقاءات المتواصلة لن تفضي الى نتائج حقيقية، على الرغم من الحفل الاعلامي في "لقاء أنابوليس"، قبل ثلاثة أشهر.
في هذا الوضع، وبما يتجاوز المواعيد، يجب طرح الأسئلة الحقيقية حول طبيعة التفاوض الجاري، وظروفه. فسياسة الاحتلال الاسرائيلية متواصلة، ليس في أبعادها العدوانية العملياتية العسكرية اليومية فحسب، بل من نواحيها الاستراتيجية أيضًا. أي ما يُراد من خلالها تأبيده على الأرض من وقائع استيطانية ناجزة.
فعملية توسيع معظم المستوطنات الكبرى لم تتوقف، وذلك بزعم "التكاثر الطبيعي" لدى المستوطنين. وهو زعم كاذب لأن الهدف هو فرض ما يسمّى بـ "الكتل الاستيطانية الحيوية". ومثلها المخططات المُعلنة لزيادة سُمك الأطواق الاستيطانية الضخمة حول القدس بالذات. واليها يُضاف ما بات أوقح المماطلات، نقصد التهرّب الاسرائيلي من تفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية، وهي التي وعدت اسرائيل الرسمية بازالتها مرارًا.
سيكون من السّخف رفض التفاوض كمبدأ، بل انه سيكون توجهًا خطيرًا. ولكن في الوقت نفسه، يجب التساؤل عن مضمون عملية تفاوض تجري بموازاة، بل تحت سقف، استمرار سياسة التوسّع، والتي تشكّل بنفسها احدى السياسات الاحتلالية الأولى التي تأتي المفاوضات لوقفها، من زاوية المفاوض الفلسطيني.
يجب التمييز بين المواقف العشوائية الرافضة للتفاوض كمبدأ ووسيلة، وبين الموقف المدروس والمسؤول الذي يشترط التفاوض بالكفّ عن سياسات الاجتياحات والاستيطان التوسّعي الاسرائيلية. وقد أصاب حزب الشعب الفلسطيني الرفيق، في تمسّكه بمطلب تعليق المفاوضات طالما لم تتوقف تلك السياسات.
إن حكومة اسرائيل تستغل هذا التفاوض كي تظهر بلبوس حمائم السلام، مع أن جيشها يواصل القيام بممارسات وحشية، وتستمر مؤسساتها التخطيطية بوضع شتّى البرامج لاقتطاع جزء هنا وآخر هناك من الأراضي الفلسطينية المحتلة وتقطيع أوصالها وزجّها في وضعية من "الكانتونات". لذلك، فإن استمرار اجراء مفاوضات كهذه دون شرط فلسطيني واضح باعلان اسرائيل، وتطبيقها، وقف كافة ممارساتها العدوانية والتوسعية، ستكون بمثابة مكسب اسرائيلي صافٍ، وخسارة فلسطينية كاملة. وهو ما يستدعي مراجعة فلسطينية معمّقة وجدية لهذه المسألة، استنادًا الى ثوابت القضية الفلسطينية والى العبر التي يجب استخلاصها من مسيرة المفاوضات الطويلة التي لم تنفك حكومات اسرائيل تُحبطها، بنفس الوسائل التي تستخدمها اليوم.

(الاتحاد)

الأربعاء 27/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع