حول جدوى العمليات الاستشهادية



كتب احمد يوسف أحد قادة حركة حماس، مقالاً (يوم 12/2/2008 في صحيفة هآرتس الاسرائيلية)، تحت عنوان "لم يبق لنا أي مناص"، قال فيه: "عملية ديمونا أولى العمليات الاستشهادية التي تنفذها حركة حماس منذ أكثر من خمس سنوات، ومنذ ذلك الحين ونحن نحذر العالم من أن الضغوط المتواصلة على الشعب الفلسطيني ستسفر في نهاية المطاف عما لا تحمد عقباه".
اذن هذه العملية التي نفذتها حماس، يوم 4/شباط/2008، وفق المستشار السياسي لحكومة اسماعيل هنية، تتم لأول مرة منذ خمس سنوات، والسؤال لماذا نفذتها حماس الآن بعد خمس سنوات؟ وما هو الجديد الذي دفع حماس لالغاء سياسة وقف العمليات؟ ولماذا اوقفت العمليات خلال السنوات الخمس الماضية؟ وهل هذه العملية هي بداية تنفيذ سلسلة عمليات؟ ام انها مجرد عملية واحدة وستقف عندها خاصة، وان العملية كانت فاشلة بالمعنى القتالي، فقد فجر استشهادي نفسه، فيما استشهد الآخر، بعد أن أطلق عليه رجل أمن إسرائيلي النار قبل ان يفجر نفسه، وكانت نتيجة العملية استشهاد الشابين الاستشهاديين، محمد الحرباوي وشادي الزغير، ومقتل امرأة اسرائيلية واحدة، أما بالمعنى السياسي، فالعملية مؤذية وضارة، ولم تقدم سوى الإدانة للفلسطينيين وكفاحهم.
المقاومة مشروعة في وجه الاحتلال، هذا ما تقره الشرائع والقوانين وحقوق الانسان، ولكن للمقاومة وسائلها المشروعة وأدواتها القانونية وأساليبها المنتقاة التي تستهدف توجيه ضربات موجعة لجيش الاحتلال وأدواته العسكرية، مثلما يجب ان تتحاشى المدنيين وتخرجهم من دائرة العنف والاذى على جانبي متاريس المواجهة، ولدى طرفي الصراع، وهو خيار لا مكرمة فيه من قبل العدو نحو عدوه، من الفلسطينيين نحو الاسرائيليين او من قبل الاسرائيلي نحو الفلسطيني، فهذا قانون دولي مشرع ومقر وهو حصيلة مسيرة البشرية ومعاناتها واستخلاصات تجربتها، ورقي وعيها.
المقاومة مشروعة، ولكن استهداف المدنيين إرهاب وعمل غير مشروع وايذاء للقضية العادلة التي يناضل من أجلها المقاومون المناضلون ضد الاحتلال من اجل الحرية، والخلط بين المقاومة والارهاب هدف مركز سعت له اسرائيل منذ عشرات السنين ونجحت في تحقيقه بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول في نيويورك، ساعدتها في ذلك سلسلة العمليات الاستشهادية التي استهدفت المدنيين الاسرائيليين في مناطق 48، والتي وضعت حركة حماس ومجمل المقاومة الفلسطينية على قائمة الارهاب الدولي، وشلت فعالية المقاومة، وأدت الى خسائر سياسية فلسطينية وقتلت دور اليسار الاسرائيلي وافشلته في جذب المزيد من المتعاطفين الاسرائيليين لعدالة القضية الفلسطينية وشرعية نضالها.
عملية ديمونا فاشلة، ومؤذية، عسكرياً وقتالياً ومقاومة، ويجب أن يخجل من خطط لها، وعليه امتلاك الشجاعة في أن يقدم الاعتذار للشعب الفلسطيني ولعائلتي الشهيدين الحرباوي والزغير، على ما اقترفته يداه وتفكيره وادوات تخطيطه، فقد سقطت بسببها امرأة اسرائيلية مقابل الشهيدين، وسقط 9 شهداء في غزة بسبب الانتقام الإسرائيلي الأعمى، فكلاهما مدان وارتكب جريمة، من خطط لعملية ديمونا ومن انتقم لها، والضحية هو الشعب الفلسطيني قبل ان يكون من الاسرائيليين.
لقد اوقفت حركة حماس عملياتها الاستشهادية ضد المدنيين الاسرائيليين منذ سنوات، ولم يكن قرارها السياسي ذاك مكرمة للاسرائيليين، بل كان يستهدف وقف الاذى عن الشعب الفلسطيني وسمعته وطهارة سلاحه ومقاومته، وسعت من خلاله الى وقف استهداف قيادات حماس ووقف اغتيالها على ايدي جيش الاحتلال واجهزته. فالخسارة الكبيرة باستهداف واستشهاد أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وغيرهما، وهي نتيجة دفعت حماس للتفكير الجدي بوقف هذه الاساليب والوسائل والعمليات المدانة من قبل المجتمع الدولي واصدقاء الشعب الفلسطيني.
عودة حماس للعمل بهذا الاسلوب، تراجع عن سياسة كفاحية صائبة والانخراط مرة اخرى في مغامرات مؤذية لحركة حماس ولشعبها ونبل قضيتها، وستعيد التركيز الدولي والاعلامي على الارهاب الفلسطيني الذي يستهدف المدنيين الاسرائيليين بدلاً من التركيز على جرائم الاحتلال الاسرائيلي وأساليبه الهمجية المجرمة، من اغتيالات واجتياحات وعقوبات جماعية، لا يقرها المجتمع الدولي وميثاق الامم المتحدة واتفاقية جنيف الرابعة.
عودة حماس للعمل هروب من المأزق الذي وضعت نفسها فيه بسبب الانقلاب وبسبب خسارتها لمعركة المعابر وفشلها في الحفاظ على علاقات متوازنة مع المملكة العربية السعودية ومصر، وهي بدلاً من ان تهرب من الدلف وضعت نفسها تحت المزراب، وبدلاً من ان تسعى لكسب المزيد من الانجازات السياسية والحضور الشرعي، ستخسر المزيد من الضحايا من عناصرها وكوادرها وقطاعات من شعبها وستجني المزيد من الادانة والعزلة والتراجع.
ولهذا السبب قدم عبدالرحيم ملوح، عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، نائب الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تصوراته للخروج من المأزق الذي تعاني منه الحركة الوطنية الفلسطينية بسبب التفوق الاسرائيلي على إمكانات وقدرات الشعب الفلسطيني المتواضعة، عبر مقالته المنشورة في (فلسطين يوم 18/2/2008) وحملت عنوان "أولوياتنا الوطنية" جاء فيها: "يثور جدل كبير بين القوى السياسية الفلسطينية والقوى الصديقة والمؤيدة لنضال وحقوق الشعب الفلسطيني من طرف وبين القوى المعادية للفلسطينيين من طرف آخر، حول اساليب النضال ومدى فائدة وملاءمة هذا الاسلوب النضالي او ذاك، ولهذه المرحلة أو تلك، ويصل هذا الجدل الى الاتهامات المتبادلة.. الامر الذي يعمق الانقسام بين صفوف الشعب ومؤيدي قضيته، ويلحق الضرر بالقضية الوطنية الفلسطينية.
ان أساليب النضال السياسي والفكري والدبلوماسي والعنفي مشروعة من حيث المبدأ، وقد أكدت هذا تجارب الشعوب التي وقعت تحت نير الاحتلال، وشرعت هذا الامم المتحدة، ولكن اختيار الاسلوب الملائم لكل مرحلة يخدم الهدف السياسي المراد تحقيقه، ولهذا يجب أن تخضع ممارسة اي أسلوب لمعايير وشروط سياسية محددة ولقيادة واحدة لها حق وعليها مسؤولية لتحديد الاولويات واختيار الاساليب الكفاحية المناسبة لكل مرحلة من مراحل الكفاح الوطني، بحيث تخدم هذه الاساليب الاهداف المحددة وتقدمها الى الامام على طريق انتصارها، وألا تتحول الى اداة مناكفة ومضاربة داخلية".
الرحمة وراحة البال للاوفياء لقضية شعبهم ولخيارهم الانحياز لفعل المقاومة واستعدادهم المسبق للتضحية بحياتهم من اجل ان تنتصر الحياة والحرية وفلسطين بديلاً للفقر والاحتلال واهدار الكرامة واسرائيل التوسعية الاستعمارية. الرحمة لمحمد الحرباوي وشادي الزعير، والشكر والفخر لعائلتيهما وذويهما لانهم انجبوا ما يتباهون به امام انفسهم وامام العالم، فقد قدموا انفسهم كجنود متطوعين للثورة والنضال ومن اجل جلاء الاحتلال وانتزاع الاستقلال.
عملية ديمونا خاطئة ومؤذية، ويجب ألا تتكرر حفاظاً على حركة حماس اولاً، ولمصلحة الشعب الفلسطيني ثانياً، والاقتراح الذي قدمه عبدالرحيم ملوح والنقاش الذي أثاره تم من موقع المسؤولية الوطنية، ومن موقع المناضل الذي يؤمن بالكفاح المسلح ضد العدو مع التفريق بين الكفاح المشروع وبين الوقوع في عمل يشكل حالة إدانة من قبل المجتمع الدولي، الفلسطينيون في غنى عنها ولهم مصلحة في الابتعاد عنها، وهذا سبب تصرف حركة حماس المسؤول في وقف عملياتها الاستشهادية طوال الخمس سنوات الماضية.

عن "الغد" الاردنية

حماده فراعنة
الثلاثاء 26/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع