نهاية أحلام أنابوليس



انتهى الفيلم. تبخر الماء كله في إبريق أنابوليس، ولم نتمكن من شرب كأس شاي واحدة. الدلائل بدأت تظهر تباعا.
ولعل قصة إعلان الاستقلال كما فعلت كوسوفو، هي القصة الأكثر دلالة على أن أيام أنابوليس انتهت. فقد وصلنا إلى كوسوفو لأن الأمور علقت بعد أنابوليس. علقت جدا.
يقول عضو الوفد المفاوض الفلسطيني، السيد ياسر عبد ربه: "لم يتم تحقيق أي تقدم على الإطلاق".
على الإطلاق.. هل سمعتم؟
يعني: إبريق أنابوليس بلا ماء!
لكن عليكم أن تلحظوا ان هذا الكلام يذهب ضد الرئيس مباشرة. ضده على طول الخط. فالرئيس هو من قال: لقد حصلنا على ما نريد من أنابوليس، ومن قال إن 2008 سيشهد الوصول إلى اتفاق نهائي، ومن قال إن الأمور تسير على ما يرام. غير أن عضو الوفد المفاوض، المطلع على الأمور، يقول لنا: "لم يتم تحقيق أي تقدم على الإطلاق".
لكن الرئيس المكين، والمصر على شرب الشاي من إبريق أنابوليس، الذي لم تبق فيه قطرة واحدة، يرد على عضو وفده المفاوض: "سنستمر في المفاوضات من أجل الوصول إلى اتفاق سلام خلال 2008 يشمل كافة قضايا الحل النهائي بما فيها القدس". ويضيف، لكن "إذا تعذر ذلك ووصلنا إلى طريق مسدود في المفاوضات، فإننا سنعود إلى أمتنا العربية لاتخاذ القرار المناسب على أعلى المستويات".
وهكذا، فنحن لم نصل إلى طريق مسدود بعد، يعني: ما دام الإبريق على النار، فيجب أن نأمل في رشفة شاي! لكن إذا وصلنا إلى طريق مسدود، فلن نذهب إلى كوسوفو، بل سنذهب إلى أمتنا العربية كي تقول لنا: واصلوا المفاوضات.
ومعه حق الرئيس، فقد أعلن الناطق باسم الخارجية الأميركية في رد مباشر على تصريح عبد ربه أن مسار كوسوفو غير مسار الشرق الأوسط. هذا أكيد تماما. فواشنطن كانت هناك تدفع بإعلان الاستقلال، أما هنا فستصفع من يقوم به على وجهه. لذا فإن الرئيس الحكيم لن يذهب إلى كوسوفو فورا بل إلى الرياض، أي إلى امتنا العربية الموقرة.
الرئيس يرد على عضو الوفد المفاوض.
عضو الوفد المفاوض يقول:  وصلنا إلى طريق مسدود.
أما الرئيس فيقول: لم نصل إلى طريق مسدود.

 

مرة كتب أحد أصدقائنا مقالا يعلق فيه على مؤتمر أنابوليس، فقال في العنوان: "هل بدأ الاشتباك التفاوضي؟". وها هو يتضح لنا أن الاشتباك التفاوضي المفترض مع إسرائيل يتحول إلى اشتباك داخلي.
اليأس يحول المعركة إلى معركة داخلية.
وقبل أسبوعين أو ثلاثة أعلن رئيس الوزراء أنه غير متفائل بالوصول إلى اتفاق عام 2008. وفي اليوم التالي، أو الذي يليه، رد عليه رئيس الوفد المفاوض قائلا: الاتفاق في عام 2008 ممكن. وهنا أيضا يتحول الاشتباك التفاوضي مع إسرائيل إلى اشتباكات داخلية. وكل هذا لأن الإبريق على النار من دون ماء، ولا أمل في الحصول على رشفة شاي واحدة.
الأخطر من كل هذا، أن يتكشف أنه قد تم تأجيل قضيتي القدس واللاجئين إلى المرحلة الأخيرة. والآن يتهم كل واحد الآخر بأنه هو من أجلها. ونحن لا ندري حقيقة من الذي بادر إلى ترسيم ما كان مفهوما ضمنا في أنابوليس، أهو الرئيس أم رئيس الوفد المفاوض.

 

وحسب إحدى الصحف اللبنانية فـ: "إن رئيس الوفد الفلسطيني، أحمد قريع، وافق خلال لقائه وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني على تأجيل القضيّتين المعقّدتين، وتركهما لآخر المفاوضات"، على أمل أن: "يكون التأجيل في مصلحة القضايا الأخرى الثانوية، إلآ أنّه فوجئ خلال لقاءاته التالية مع المسؤولة الإسرائيليّة، بأنّ الدولة العبريّة استفادت من قرار التأجيل لصالحها، وبدأت تماطل في القضايا الثانوية، فكيف بالقضايا الحساسة والمهمة؟". ويدعي المصدر أن: الرئيس محمود عبّاس "لم يكن يعلم بما فعله قريع، إلا أنّه بدا غاضباً عندما علم، خشية أن يشنّ عليه الفلسطينيّون حملة تصفه بالمتنازل عن القدس، وفي نهاية المطاف وافق هو الآخر على طلب ليفني".

 

لسنا متأكدين بخصوص من الذي أعطى الموافقة، هل هو الرئيس أم رئيس وفده المفاوض. لكننا متأكدين انه تم تأجيل قضيتي القدس واللاجئين إلى "المرحلة الأخيرة من المفاوضات"، كما أعلن أولمرت. ولا يهم هنا من بدأ، فقد انتهى الاثنان إلى النتيجة ذاتها.
لقد أجلت القضيتان، ولم يحصل تقدم مع ذلك.
يعني: لقد وصلنا إلى طريق مسدود.
طريق أنابوليس طريق مسدود.


 
وهكذا انتهت الحفلة بكارثة.
فبدل أن يتم الحصول على العروس، ها هم أهل العريس يتراشقون بقطع الجاتوه.
لا يوجد عروس. كان الأمر كذبة فقط. هاهم يكتشفون الأمر، ويبدأون بضرب بعضهم بعضا.
هذا هو الاشتباك التفاوضي الحقيقي يا زميلي!
لا يوجد اشتباك غيره!
انتهت الحفلة  .انتهت الأحلام الأنابوليسية إلى كواليس.
لكن من يحاسب الذين أرسلونا إلى هناك؟
من يقول لهم: لقد فشلتم، فتنحوا؟


* كاتب فلسطيني يقيم في رام الله

زكريا محمد*
الثلاثاء 26/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع