الضمير الإنساني يدين الجرائم الاسرائيلية الامريكية ويتضامن مع ضحاياها!



شهدت الساحة السياسية في نهاية الاسبوع المنصرم، خاصة يومي الجمعة والسبت 22/2 – 23/2، ثلاثة نشاطات هامة تجسد صحوة واستيقاظ الضمير الانساني وانطلاقة مباركة في ادانة الجرائم ضد الانسانية التي يرتكبها تحالف المجرمين في واشنطن وتل ابيب، تحالف عولمة ارهاب الدولة الامريكية والاسرائيلية المنظم في المناطق الفلسطينية المحتلة ولبنان، نشاطات يعكس مضمونها ومدلولها السياسي تحرك الضمير العالمي باتجاه تصعيد التضامن العالمي مع ضحايا العدوانية الامريكية – الاسرائيلية. وتتجسد النشاطات الثلاثة في بداية عمل "لجنة الضمير الانساني الدولية" في بروكسل عاصمة بلجيكا، وانطلاقة المظاهرات الجماهيرية في ثلاثين دولة تحت شعار كسر وازالة الحصار الاقتصادي  - التجويعي الاسرائيلي عن قطاع غزة، ومظاهرة التضامن مع اهالي قرية بلعين الفلسطينية والشعب العربي الفلسطيني ضد جدار الضم والعزل العنصري الذي يقيمه المحتل الاسرائيلي ومن اجل ازالته.
* محكمة الضمير الانساني الدولية:
بمبادرة من جمعيات المجتمع الدولي، الجمعيات غير الحكومية، جمعيات حقوق الانسان والبيئة، عربية واجنبية وشخصيات من ذوي الضمير الانساني الحي، عُقدت يوم السبت الاخير 23/2 في مدينة بروكسل محكمة الضمير الدولية لبلورة موقف الضمير الانساني الحي من الجرائم التي ارتكبها المعتدي الاسرائيلي المسنود امريكيا في الحرب الاستراتيجية في حزيران الفين وستة والمعروفة بحرب لبنان الثانية وذلك استنادا الى المعطيات الدامغة المبنية على الحقائق التي خلفتها الحرب التدميرية على مختلف نواحي ومجالات الواقع والتطور في لبنان.
ان انعقاد محكمة الضمير الدولية يعكس من حيث المدلول السياسي عدة امور غاية في الاهمية، اهمها ما يلي:

 

اولا: ان انتصار المقاومة اللبنانية وعمودها الفقري حزب الله في افشال وهزيمة المعتدي الاسرائيلي – الامريكي عسكريا وسياسيا قد ادى ليس فقط الى اعادة النظر في استراتيجية الحروب التقليدية التي يتبناها طواغيت انظمة الطغيان والعدوان وذلك على ضوء النهج الناجع للمقاومة، "نهج الغوريلا" فرق المقاومة المدربة على تكتيك فرق قليلة العدد ولكنها سريعة الحركة وعلى طريقة "اضرب واهرب" "تكسر انياب ذئب العدوان والجيوش الجرارة، فالمقاومة اللبنانية ادت كذلك الى تغيير هام في ميزان تفكير الرأي العام العالمي، اذ اثبتت ان الحق يحتاج الى قوة، وان المجتمع الدولي، وخاصة الرأي العام العالمي يتبنّى في غالب الاحيان موقف المنتصر المتغطرس ولا يضع ثقل تأثيره الى جانب الضحية المهزوم المتباكي وغير المستعد للتضحية المطلوبة وغير المحافظ على متطلبات الارتقاء الى مستوى مواجهة التحديات التي يضعها ويفرضها الاعداء على ارض الواقع مثل دعم حقك بوحدة صفك الكفاحية، بوضوح برنامجك واهدافك وكسب تأييد عمقك الاستراتيجي – القاعدة الجماهيرية. فاداء المقاومة عسكريا وسياسيا واعلاميا بحكمة وقوة قد نسج حقيقة قصة البطولة الاسطورية للمقاومة في قهر "الجيش الذي لا يقهر" في كسب الاعجاب والتضامن العالمي الواسع مع الحق اللبناني، مع حق المنتصر في التضامن معه. ولهذا، فان الكثير من الجمعيات غير الحكومية الامريكية ومن مختلف البلدان الاوروبية تؤيد وتدعم اجندة محكمة الضمير الدولية في بروكسل التي تحاكم عمليا المجرم الاسرائيلي المعتدي لما اقترفه من موبقات همجية في لبنان.

 

ثانيا: لقد تعودت اسرائيل ومن خلال الدعم الامريكي لها في مختلف المجالات والمحافل الدولية وخاصة في الامم المتحدة، في مجلس الامن الدولي ان تكون "الفرفور الذي ذنبه مغفور"، ترتكب الجرائم والحروب العدوانية والمجازر ضد الشعب الفلسطيني وتحتل مناطق واراضي فلسطينية وسورية ولبنانية وتغتصب حق الشعب العربي الفلسطيني الوطني بالدولة والقدس والعودة، وكل ذلك دون معاقبة او محاسبة دولية رادعة!! فحق النقض (الفيتو) الامريكي مجند دائما وفي كل الحالات لحماية اسرائيل من النقد والعقوبات الدولية، كما ان هيمنة القطب الامريكي بسياسة العولمة الرأسمالية الاقتصادية والعسكرية. وبلطجة نهج القوة العربيد عالميا كان يوفر دائما لاسرائيل مظلة ديماغوغية دولية للتغطية على جرائمها وتجنيد انظمة دول عديدة "تتعاطف" مع اسرائيل.
الظاهرة الجديدة المباركة التي بدأت تبرز ملامحها على ساحة التطور والصراع دوليا انه اصبح بالامكان تقليم اظفار الوحش المفترس والتصدي له وتجنيد القوى لمعاقبته. فتحرك "الدب الروسي" والعملاق الصيني على الحلبة الدولية وفي ظل اخفاقات وفشل استراتيجية العدوان الامريكية – الاسرائيلية في العراق وافغانستان ولبنان وفلسطين المحتلة قد جسد حقيقة انه لا يمكن ابدا ان يكون العالم عالما احادي القطب يخضع للهيمنة الامريكية، وان المؤشرات الكثيرة تعكس الاتجاه لتطور عالم متعدد الاطراف يكبح جماح البلطجة العدوانية العربيدة الامريكية والاسرائيلية. فاتساع دائرة التأييد لمحكمة الضمير الدولية من قبل الجمعيات غير الحكومية لا يعني ان هذه المحكمة ستجسد استنتاجاتها بمعاقبة فعلية للمجرمين ولكنها ستؤلف مكبس ضغط جماهيري على حكومات بلدانها لاتخاذ مواقف الى جانب حق ضحايا جرائم المعتدين.

 

ثالثا: ان اهمية محكمة الضمير الدولية ان تطرح امام الرأي العام العالمي حقائق مدعومة بمعطيات قاطعة اعدها شخصيات من الاختصاصيين حول جرائم الحرب، الجرائم ضد الانسانية التي ارتكبتها اسرائيل في حربها الاستراتيجية ضد لبنان. معطيات دامغة حول جرائم الحرب ضد المدنيين اللبنانيين وتدمير البنية التحتية اللبنانية، معطيات دامغة لجرائم حرب بلجوء اسرائيل الى استعمال اسلحة محرمة دوليا مثل القنابل والاسلحة من اليورانيوم المخضب والقنابل العنقودية التي حولت اراضي الجنوب اللبناني الى ارض عاقر لا تصلح للزراعة لسنوات طويلة، جرائم حرب تمثلت بتلويث البيئة اللبنانية، تلويث شواطئ لبنان بالبترول وغير ذلك.
ان ما يتمخض عن محكمة الضمير الدولية يعتبر حسب رأيي ليس فقط وثيقة وصمة عار تدمغ جبين المعتدين المجرمين الاسرا-امريكيين لما ارتكبوه من جرائم حرب، جرائم ضد الانسانية في لبنان ابان الحرب الاخيرة، بل كذلك وصمة عار تدمغ جبين القوى اللبنانية المدجنة امريكيا التي تتواطأ مع تحالف الشر الامريكي – الاسرائيلي ضد المقاومة اللبنانية وضد المصالح الحقيقية للشعب اللبناني ولتطور لبنان الحر والمستقل والموحد والحضاري.

 

* النشاط الدولي لكسر الحصار الخانق لغزة:

انطلقت يوم السبت الاخير 23/2/2008، المظاهرات الجماهيرية الواسعة بمشاركة الالوف المؤلفة في ثلاثين دولة تطلق صرختها الموحدة مطالبة بكسر وفك الحصار الاقتصادي – التجويعي الذي يطوّق رقبة قطاع غزة ومليون ونصف مليون فلسطيني من اهلها. فهذه المظاهرات تجسد ايضا اتساع دائرة التضامن بين اوساط الرأي العام العالمي مع النضال العادل للشعب العربي الفلسطيني وحقه الطبيعي والانساني في التخلص من براثن الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي وفي اقامة دولته الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وفقا لقرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 194.
ان هذه الحملة والانطلاقة الدولية التضامنية مع الشعب العربي الفلسطيني، حملة وانطلاقة الادانة الدولية للمحتل الاسرائيلي وجريمته بفرض الحصار التجويعي على قطاغ غزة، هذه الانطلاقة التضامنية الدولية تبث – حسب رأينا – رسالة واضحة المعالم الى الشعب الفلسطيني وقيادته ومختلف فصائل مقاومته، رسالة مضمونه ومدلولها السياسي ان كفى لتمزيق وحدة الصف الوطني الفلسطيني في وقت يفترس فيه المحتل "الثور الابيض" و"الثور الاسود" ويعمل بشكل منهجي وينشط من خلال المجازر والاستيطان والتآمر سيده الامريكي وبتواطؤ مع بعض الانظمة العربية المدجنة امريكيا لتجنيز ودفن الحق الوطني الفلسطيني في القدس الشرقية المحتلة، ولتجنيز ودفن الحق الوطني الفلسطيني في الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الفلسطيني المحتل منذ السبعة والستين ودفن حق اللاجئين في العودة. فرسالة المظاهرات الدولية تطالب الفلسطينيين بوحدة الصف الكفاحية الممهورة ببرنامج يتمسك بثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف. رسالة تؤكد اهمية الوحدة الوطنية والاقليمية للشعب الفلسطيني، ولا بديل لهذه الوحدة سوى العبودية في سجن المحتل المعتم.

 

* بلعين النموذج الكفاحي:

في يوم الجمعة الاخير 22/2، جرى في قرية بلعين الفلسطينية احياء الذكرى السنوية الثالثة للانطلاقة الشعبية الكفاحية ضد جدار الضم والفصل العنصري الذي اقامه المحتل الاسرائيلي ليخنق انفاس تطور قرية بلعين بمصادرة آلاف الدونمات من اراضيها، وجرى احياء هذه الذكرى بمظاهرة شعبية حاشدة شارك فيها اضافة الى اهالي القرية متضامنون عرب ويهود من اسرائيل واجانب من الولايات المتحدة الامريكية وغيرها، مظاهرة توجهت نحو الجدار وووجهت بعدوان همجي من قوات الاحتلال الاسرائيلي اوقع العديد من الجرحى من بين المتظاهرين الفلسطينيين والاجانب.
لقد صدق النائب محمد بركة رئيس كتلة الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة ورئيس الجبهة وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الاسرائيلي، الذي شارك مع اهالي بلعين في احياء هذه الذكرى والذكرى السنوية التاسعة والثلاثين لانطلاقة الجبهة الدمقراطية لتحرير فلسطين، صدق عندما اكد في كلمته ان كفاح اهالي بلعين يعتبر نموذجا نضاليا فريدا من نوعه، فهو نموذج كفاحي فريد لأنه حسب رأيي جسّد امرين اساسيين، الاول، انه جسد نموذجا للتعايش الحقيقي بين الشعبين العربي الفلسطيني واليهودي الاسرائيلي القائم على الاحترام المتبادل للحقوق الشرعية، فخلال الثلاث سنوات الماضية من الكفاح ضد الجدار الاحتلالي برز المدلول الحقيقي للتضامن الممهور بدم المواجهة مع قوات الاحتلال، المدلول الحقيقي للتضامن بين اهالي بلعين الفلسطينية ونضالهم المتواصل لازالة الجدار وبين القوى الدمقراطية اليهودية ومتطوعين اجانب شاركوا اهالي بلعين والشعب الفلسطيني في جميع المعارك الكفاحية وخلال السنوات الثلاث الماضية ضد جدار الفصل العنصري الذي يعتبر احد رسائل الاحتلال لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة.
والامر الثاني، ان اصرار اهالي بلعين ونضالهم المتواصل بوحدة صف كفاحية مع قوى دمقراطية اجنبية من اسرائيل وغيرها قد اثبت انه لا بديل للنضال في المعركة لنيل الحقوق المسلوبة، وان النضال الشعبي المنظم يحقق المكاسب. فنضال بلعين ضد الجدار كان له صدى دولي، اضافة الى النجاح في اصدار قرار من المحكمة العليا مدلوله ان على المحتل الاسرائيلي تغيير مسار الجدار لانقاذ آلاف دونمات  الارض الفلسطينية من المصادرة والضياع والضم لاسرائيل، ورغم صدور هذا القرار الا ان المحتل الاسرائيلي لا ينفذه. وتتواصل المعركة حتى هدم هذا الجدار وازالة الاحتلال الاسرائيلي عن جميع المناطق الفلسطينية المحتلة منذ السبعة والستين.

د. أحمد سعد
الثلاثاء 26/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع