وتبقى "الاتحاد"



تطفئ "الاتحاد" شمعة مضت وتضيء شمعة الى سنة أتت، ولتبق الاتحاد مضيئة الى الابد، ولتبق كما ارادها مؤسسوها قلعة شامخة جامعة، شاملة واسعة كسعة صدر الشعب، وعريقة عراقة الشعب واصيلة اصالة الشعب. فجاءت الاتحاد كما ارادوها، وهكذا نظرنا اليها، وهكذا رأيناها، وهكذا سيراها من هم بعدنا.
عندما نقول لتبق الاتحاد، لا نعني زوال الاخرين، وانما يبقى غيرها يقوم بدوره ولكن تبقى الاتحاد الشمس المضيئة في فلك الصحافة، ولتبق الاتحاد النبع الذي ننهل منه، والمدرسة التي تخرّج اجيالا مسلحة بالعلم والوعي الاجتماعي والسياسي، اجيالا من المناضلين من اجل كل حق، والمدافعين عن كل حق، والطامحين الى حياة راقية سعيدة.
بدات الاتحاد عهدها في النضال ضد الانتداب البريطاني الذي زرع بذور الشقاق في صفوف شعبنا، وعملت على فضح التآمر الاستعماري الصهيوني ودعت الاهل الى التشبث بالارض والوطن والدفاع عن حقوق العمال والفلاحين، والكفاح ضد العدو الاساسي الذي هو الاستعمار والرجعية العربية والصهيونية. وسرعان ما انكشفت النوايا عندما بدأت هذه القوى تشد الخناق على الشعب الفلسطيني وتؤجج نار الفتنة بين سكان البلاد وتزرع الخلاف بين اليهود والعرب وما كان على الاتحاد الاّ ان تفتح صفحاتها لتتصدى لهذا التآمر في الوقت الذي تحولت فيه الصحف الى بوق ضد مصالح الشعوب من اجل تمرير المؤامرة الاستعمارية التي لا تخدم الاّ الانتداب البريطاني. وتحدّت الاتحاد كل اوامر التعسف وعملت على فضح المؤامرة وقالت ان المعركة اولا وقبل كل شيء هي لكنس الانتداب البريطاني واقامة حكم دمقراطي يخدم مصلحة شعبي البلاد، وعندما قامت دولة اسرائيل واعتمد حكامها سياسة التفرقة العنصرية، رفعت الاتحاد شعار اخوّة الشعوب وعندما عملوا على تجهيل هذا الشعب كانت الاتحاد ( وعندما نقول الاتحاد نقصد ايضا الاتحاد واخواتها " الدرب والجديد والغد")، كانت المدرسة التي يتعلم فيها شباب وصبايا رجال ونساء هذا الشعب حيث من على صفحاتها نهلوا من العلم والمعرفة والتاريخ الصادق وجغرافية الوطن ومعالم البلاد، فكانت مدرسة بكل ما تعني الكلمة من معنى. وكان الدور الرئيسي حفظ اللغة العربية من الضياع بين الاقلية العربية في البلاد، فعن طريق هذه الصحف وعلى رأسها الاتحاد حفظنا اللغة العربية بنطقها وقواعدها. وعندما اشاعوا العدمية القومية حافظنا على عروبة هذا الشعب وعلى قضيته الفلسطينية وعلى فلسطينية الدولة والهوية ورفعت شعار اقامة الدولة الفلسطينية الى جانب اسرائيل حتى اصبح هذا الحق حقيقة تعترف بها الدول جميعا.

 

* دور "الاتحاد" محليا وعالميا


الى جانب كونها مدرسة كانت وما زالت المنصة التي يظهر عن طريقها شعراء وادباء وفنانو هذا الشعب. في الوقت الذي عملت فيه السلطة الغاشمة على تجهيل هذا الشعب وتدجينه، فاحتضنت كل فكر وكل رأي وعملت على تنمية المواهب الادبية والفنية فكانت صفحاتها الحضن الدافئ الذي ترعرعت فيه هذه الاقلام وساهمت في جعل هذا الشعب مشرد الى شعب له ثقافته وله شعراؤه وله فنانوه.
لم تقف الاتحاد عند هذا الحد بل كبرت مع كبر هذا الشعب واتسعت لتتسع لقضايا وهموم الشعوب المناضلة الاخرى ومن على صفحاتها تواصل التضامن الدولي مع قضايا الشعوب فساهمت في زوال الامبراطوريات الاستعمارية واشادت باقامة الدول المستقلة الحرة، فبهذا لم تعد الاتحاد يوميات شعب، كما وصفها خالد الذكر وأحد محرريها الدكتور اميل توما، بل اصبحت الاتحاد يوميات شعوب مناضلة ومكافحة، لا بل يوميات للانسانية جمعاء، حيث تنقل الارشادات التنظيمية للقوى الثورية العالمية والمحلية وعممت الدعوات الكفاحية والنضالية، فبذلك لم تعد فقط مشروعا ثقافيا، او اجتماعيا، او سياسيا عقائديا، بل هي ايضا داعية للكفاح والنضال، واداة تنظيمية ثورية، لا بل ذاكرة وحافظة لذكرى الشعوب، لا بل مدرسة وجامعة دولية للانسانية جمعاء.

 

* روّاد وقرّاء "الاتحاد"


تدرجت الاتحاد من صحيفة اسبوعية توزع مرة في الاسبوع الى نصف اسبوعية اي مرتين في الاسبوع يحملها رفاقنا ويجوبون الشوارع ويوصلونها الى المحلات والبيوت، حيث في كل بلد قصة نادرة من قصص توزيع الاتحاد على قرّائها. حيث نحملها كل ثلاثاء وجمعة في الحر الشديد او البرد القارس وايام الشتاء والثلوج نلفها بثيابنا لنحافظ عليها ونوصلها الى كل واحد. ليس توصيل الاتحاد الى كل قارئ هو شيئا عاديا او عمل ساعي بريد، بل هناك رسالة اجتماعية ثقافية، حيث واجبنا ليس فقط توصيل الصحيفة وانما مناقشة ما تكتب مع القارئ ونقل آرائهم واقتراحاتهم لان الاتحاد منهم واليهم. وهناك قصص نادرة اود ذكرها لان الى جانب القرّاء العاديين هناك قرّاء غير عاديين...
كان احد اعضاء الشبيبة يحضر معه الجريدة الى المدرسة الابتدائية حيث كنا نتعلم وبالسر ناخذ الجريدة ونوصلها الى احد المعلمين الذي اراد ان يقرأ الاتحاد، ولكن سياسة الارهاب والحكم العسكري منعته من هذا الحق وهذه الرغبة، الى ان تعرّف علينا نحن طلابه وطلب منا مداومة ايصال الجريدة له سرا بعيدا عن انظار الآخرين، فكان قد اعتاد التجول في حديقة المدرسة بعيدا عن الساحة التي تعج بالطلاب وفي هذه اللحظة نقوم بتوصيل الجريدة له داخل دفتر او كتاب لئلا ينكشف امرنا وامره. وعندما كبرنا مع الاتحاد التي هي في عمرنا رافقتني الى العمل وكنت اجد فرصة جيدة لقراءة الاتحاد اثناء السفر الى العمل والعودة منه، ففي احد الايام وانا جالس في المقاعد الخلفية للباص وفي يدي الاتحاد اقترب مني زميل لي في الدراسة الثانوية، ومنذ انهينا الدراسة الى ذلك اليوم لم نلتق، فبعد السلام جلس الى جانبي، وفجأة اذ به يقول لي، "ماذا تقرأ، الاتحاد؟! اذا اردت ان اجلس الى جانبك اخف الجريدة لانني اخاف ان يراني احد ويظن انني اقرأ الاتحاد، فانا اخاف على عملي".
بعد نكسة 1967 كثر عدد العمال من المناطق المحتلة، وكان يعمل معنا في البناية عدد منهم ومن المعروف ان قراءة الاتحاد او حملها هو جريمة يعاقب عليها القانون الاسرائيلي في المناطق المحتلة على الرغم من ان الصحف الاسرائيلية توزّع وتباع في قرى ومدن الضفة وغزة. وبما ان الناس نتيجة الاتصالات والعلاقات عرفوا الاتحاد وشغفوا بها واحبوها وارادوا قراءتها، وبما انني كنت احمل الاتحاد مع زوادتي ومع عدة عملي كانوا دوما يتحلقون حولي، ففي كل يوم اربعاء ويوم احد تتحول ساعة الفراغ الى درس موضوعه الاتحاد يتلقفها العمال ويقرأون الموضوع الذي يهمهم، ولكي يستطيعوا توصيلها الى زملائهم في مدنهم وقراهم كانوا ياخذون كل صفحة على حدى بعد ان ينزعوا منها الاسم والعنوان وتصبح وكأنها صفحة من اي جريدة اخرى فتنتقل كما تنتقل النار في الهشيم وكثيرا ما كنت احمل الى العمل اعدادا كثيرة من الاتحاد كي تكفي هذا الكم من العمال المشتاقين الى قراءتها بعيدا عن عيون السلطة، بعيدا عن الخوف.
لذلك ليس صدفة ان تتدرج الاتحاد وتكبر مع كبر هموم وقضايا الشعب وتكبر مع كبر احلام هذا الشعب، وصمدت في تلك الظروف القاسية لان القوى التي كانت تحميها اقوى من ظلم الظالمين واعتى من عنف الحاكمين، الى ان تحولت الى صحيفة يومية يتسابق الناس الى اقتنائها علانية حتى اولئك الذين خافوا ذات يوم من عقوبة حيازة الاتحاد. لان كلمة الحق باقية ولان الظلم زائل. ما دام هناك من يقف في وجه الظلم. فكل تمنياتنا للنجاح والصمود وكل التحيات للجنود المجهولين الذين وقفوا ويقفون في خنادق الدفاع عن الحق.. فنحن اليوم جيل الاتحاد بدأنا العد التنازلي من عمرنا، الاّ ان الاتحاد مستمرة في العد التصاعدي لان الاتحاد باقية ابد الدهروالاتحاد خالدة خلود الكون. 

(يافة الناصرة)

سامي غطاس *
الأثنين 25/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع