انه عري الوضوح أمام اعتراف الذات المالكة له



إن التسنين الذي يحكم عالم العلامات الأيقونية هو نفس التسنين الذي يحكم التجربة الإنسانية ككل : فكل محاولة لإدراك وتحديد كُنه ومضمون علامة أيقونية ما تقتضي إلماما بمعرفة سابقة مفتوحة على عوالم متعددة.

(الدكتور سعيد بنكراد)

 

 

لا لوحة بلا اشياء خارجية تحتويها ولا قراءة بلا سنن ثقافي يوجه السيرورة الدلالية..ولوحات الفنانة الايطالية باولا مارتسانو(المعروضة في قاعة بلدية كورتينا لإيطلية)  هي جسد مفتوح مفتول على المد الدلالي ، فهي تبني عوالمها التدليلية من خلال تمازج الالوان والاشكال وامتداد هذا في ذاك، انها عوالم حية تجسد الكينونة الانسانية في علاقتها بالطبيعة، وهي لوحات تكتض بالاسى حاملة هم الانسان في هذه الشساعة من الارض، الوان مشتعلة قانية وحارة حتى المرارة يتداخل فيها الامتداد الداخلي للانسان بكل ما يحمله من تداعيات الحزن والانتظار والغيرة والثورة والدم، الوان قاتمة حادة الطباع تحمل بركان الوضع الانساني المفتوح على الدهشة والاسى، تغذيه اشكال مفتوحة على الهاوية واخرى على مستقبل مجهول، فعادة ما تكون فتحة النافذة مفتوحة على البياض وكاننا ننتظر هذا الاتي المامول فيه، هذا البياض الامل، لكن بياض هذه اللوحات حامل معه استشرافا موقوتا أو مجهضا، انه فقدان الامل في الغد والان وكأن هذه السيروره تكرر ذاتها وتاريخها، تكرر اشياءها البسيطة والحزينة، فعلوها قاتم وحزين يتداخل فيه الازرق المصبوغ بالسواد وقاعدتها تنحني للرؤية المهزومة وكأنها تخالف العادة . فالعلو هو الذي يحمل تقاسيم ما ننتظره، هو هذا الامل البعيد المغلف بالرؤية الواضحة والصافية والقاعدة هي ما نحن عليه، الا ان قاعدة الصورة هنا هي ما تبقى لنا من امل وما ننتظره هو ما أجهضناه فينا من ترقب، وهناك طغيان اللون الأحمر الدال على الثورة والدم، الدال على الحرب وعدم الرضى يحتويه مكان مصبوغ بالبقع والفيضان الدموي وجسد انساني يعطي ظهره للضوء والوضوح ، فالوجه الانساني هو بؤرة الدلالة ومنطلق التاويل والسفر الايحائي ، هو عنوان المعاني المنثوية خلف جدار الجسد يقول الدكتور سعيد بنكراد:  عندما تتخلص العين من "وهْم "العام والكوني والإنساني لتلتحم بالمفرد والخاص، ستجد نفسها في حضرة معنى يستعصي على الطمس. إنه معنى ينمو في جميع الاتجاهات، لينتشر في "الأشياء" و"الوجوه" و"الوضعات" و"النظرات". لحظتها ستتوحد النظرة بالمنظور ويتوحد الرائي بالمرئي بعيدا عن كل "قاموس" قبلي وعن كل توجيه مسبق. فلا شيء يمكن أن يتجاوز دائرة المُمَثل والقابل للتمثيل.

 


والجسد الانساني هنا يرتدي ثورة او دما ويتوجه الى الغياب ليحكي فصول وضعه، انه عمى الحواس الذي اصاب واقعنا المعيش، والهم الكوني الذي تحتفي به ذاكرة الفنانة الايطالية، هم الخراب والتقتيل و......هم غياب الانسانية في انسان العالم التكنولوجي، انه عمى البصيرة التي تقود الى الخلف وتسد حواجز الوضوح في وجه الكينونة المتبصرة ،  عالمنا الذي نتخبط فيه بكل ما يحمله من تناقضات باسم  التطور و الحداثة و....جسد انساني يتوجه الى الخراب ويتغلف به، وحتى العلم حامل لشارة الدم وكأن وجود العالم هنا هو وجود دموي والتيمات الانسانية لا تحضر الا في بعدها الثوري والدموي، كما يحضر الوجه الانساني في خطاب سجالي مع المتلقي وامام محكمة التاريخ، يدلي بشهادته امام الوضوح، وكان هذا الوجه هو حنطلة هذا العصر حيث الرؤى مختلفة ، تجسد وضوحا وأملا واسرخاء وتعطي بظهرها للسواء الاعظم، تتجاوز ماهو كائن ومتسلط لتحكي بنبرة واضحة عما شاهدته العين المنكسرة والوجه المتقطب والجسد العاري، انه عري الوضوح أمام اعتراف الذات المالكة له.

 

زينب سعيد
السبت 23/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع