ذكرى ووفاء... إلى روح الشاعر نزيه خير



 

 

 

 

 

 

 

يا فارس الشعراء هلاَّ أجبتني
منْ سنَّ معصية الفراق؟؟؟
وعلَّمَ الإنسان
كفر الارتحال.
وأمام رحيل نزيه خير، ورغم إيماننا المطلق بان الموت حق وانه لا مرد لقضاء الله
يأبى القلب والعقل أن يستوعب رحيله المبكر وفراقه الأليم.
نزيه خير الشاعر المبدع... الإنسان المتواضع القلب المحب الذي ينبض خيرا ونزاهةً. الوجه الذي لا تنطفئ ابتسامته في أحلك الظروف النفس التي لم تعرف إلا العطاء، القصيدة الرائعة التي لم تكتمل بعد نفتقده ونحن في أمس الحاجة لأمثاله من المبدعين الأنقياء، نفتقده ونحن نشعر انه لم يأخذ حقه من التكريم شاعرا وكانسان.
شاء لي قدري الجميل أن أتعرف على الشاعر الراحل منذ شبابي المبكر فقد شاء هذا القدر ان يكون نزيه خير مدرسي للغة العربية في مدرسة البلدية الثانوية في حيفا،
وأقول قدري الجميل ليس كتعبير إنشائي بقدر ما هو حقيقة موضوعية واقعية، فلنزيه خير والله شاهد على ما أقول كل الفضل تكوين هويتي الشعرية ان صح التعبير.
ونزيه خير في تلك الفترة لم يعلمنا اللغة العربية فحسب وإنما غرس في أعماقنا حب هذه اللغة، وعشق كنوزها وأسرارها التي كان يلقننا إياها كما تُرضع الأم وحيدها.
أحب طلابه فأحبوه، وأحبوا اللغة العربية والشعر العربي من خلاله وان أنسى فلن أنسى ابدأ ذلك الصباح الذي دخل الى الصف وكان قد اصدر مجموعته الشعرية الأولى وكنت قد قرأتها وحفظت البيت الأول عن ظهر قلب والذي يقول

تتوهُ بنا الدروب وأنت أدرى         بجوَّال تتوه به الدروب

فما ان دخل حتى وقفت سائلا اياه ان يساعدني في معرفة صاحب بيت الشعر إياه وقرأته بصوت جهوري فما أن سمعه حتى انفجر ضاحكا وجاء نحوي وعانقني عناقا ما زلت اشعر بدفئه حتى يومنا هذا.
وتمر الأيام ونلتقي في الكثير من الندوات الادبية والاجتماعات الشعبية وتتوثق العلاقات أكثر ويبقى أستاذي ومعلمي الذي أحب.
قبل وفاته بأسبوعين او اقل من ذلك زرته في مستشفى رمبام في حيفا وكان في صحة جيدة تبادلنا حديثًا أدبيًّا شيقًا وأخبرته إنني مسافر إلى القاهرة لمعرض الكتاب فحملني أمانة طالبا أن اسلم له على الشاعر محمد أبو دومة وان اسأل عن صحته فقد سمع كما قال لي انه يعاني من وعكة صحية. لم أتمكن من رؤية الشاعر محمد أبو دومة... سألت بعض الأصدقاء المصريين عنه فأخبروني انه تماثل للشفاء وانه بصحة جيدة. عدت من ألقاهره واتخذت قرارًا بأن ازور الشاعر نزيه خير وأطمئنه ان صديقه أبو دومه بخير وفي اليوم الثاني لعودتي سمعت نبأ وفاته من خلال الميكرفون في شفاعمرو: "انتقل إلى رحمته تعالى الشاعر الشاب نزيه خير من دالية الكرمل....".
غرقت في بحر عميق من هيولى التفكير وترقرقت عيناي بدموع الوفاء والذكرى.
ودعنا نزيه خير الوداع الأخير في جنازة مهيبة تليق به، حضرها معظم إن لم يكن كل الشعراء والأدباء العرب في البلاد ورثاه بالنيابة عنهم شاعرنا سميح القاسم والكاتب محمد علي طه.
بقى أن نقول إن نزيه خير ترك أرثا شعريا كبيرا ومميزا وعلينا جميعا وعلى كل المؤسسات الأدبية والوطنية أن تهتم في نشر وحفظ هذا التراث كي تطلع عليه الأجيال القادمة، وعلى عائلته الاهتمام بالأشعار غير المنشورة بعد لكي لا تبقى في ذمة التاريخ.
ويشاء القدر أيضا ولحكمة لا يدركها إلا الله إن تنشر الصحف المحلية نبأ وفاة شاعرنا ويسقط سهوا نبأ موت الشاعر نزيه حسون بدل نزيه خير ويتصل بي الكثير من الأصدقاء والمعارف وكنت أجيبهم رأسا إنني ما زلت حيا وان نزيه خير أيضا ما زال حيا.
نعم سيبقى نزيه خيرا في وجداننا وذاكرتنا إلى الأبد.
ليرحم الله فقيدنا الكبير ويسكنه فسيح جنانه وانا لله وانا إليه راجعون.

نزيه حسون
السبت 23/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع