المدلولات السياسية الحقيقية لاستقلال كوسوفو!!



* اصابع التخريب الامبريالية، قادت إلى تأجيج الصراع الدموي القومي والاثني في يوغوسلافيا وتمزيقها الى اقاليم، الأمر الذي لم يخدم المصالح القومية والاثنية الحقيقية لشعوب يوغوسلافيا في "تجسيد حق تقرير المصير" *

اعلن برلمان كوسوفو يوم الاحد الماضي في السابع عشر من شهر شباط، عن استقلال اقليم كوسوفو وقيام "دولة كوسوفو دمقراطية حرة مستقلة متعددة الاعراق" تحت اشراف دولي.
ويكتسب استقلال كوسوفو اهمية كبيرة من حيث مدلوله السياسي واسقاطاته الدولية. فمن جهة اولى يطرح السؤال حول مدى توافق استقلال كوسوفو مع مبدأ حق الامم في تقرير مصيرها الى درجة الانفصال والاستقلال والسيادة في اطار دولة مستقلة؟ فالاجابة على هذا السؤال المفصلي لا يمكن ان يكون مجردا او بشكل عام، بل يرتبط بمدى خدمة حق تقرير المصير الى درجة انفصال اقلية قومية، او اثنية في اطار دولة مستقلة للمصالح الحقيقية لتطور هذه الاقلية وتقدمها حضاريا مع الاخذ بالاعتبار طابع الظروف المحيطة بصراع هذه الاقلية داخل الدولة الوطنية متعددة الانتماءات القومية والاثنية، وكذلك طابع الظروف الدولية المحيطة بمجرى الصراع داخل الدولة الوطنية. ونرى من الاهمية بمكان التأكيد والتذكير انه من الاسقاطات التي رافقت انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة البلدان الاشتراكية في اوروبا الشرقية، والخلل الذي اصاب ميزان القوى العالمي بترجيح كفة وقوة الوحش الامبريالي المفترسة بطابعه الهمجي المعولم، بروز ظواهر "الطارد عن المركز"، من خلال تأجيج الصراعات القومية والاثنية لتمزيق الوحدة الاقليمية السياسية الجغرافية للاتحاد السوفييتي والاتحاد الفدرالي لجمهورية يوغوسلافيا الى اقاليم. فاصابع التخريب الامبريالية، في تأجيج الصراع الدموي القومي والاثني في يوغوسلافيا وتمزيقها الى اقاليم لم يخدم المصالح القومية والاثنية الحقيقية لشعوب يوغوسلافيا في "تجسيد حق تقرير المصير". وكلنا يذكر الدور الاجرامي الامبريالي في تأجيج الصراع الدموي في البوسنة والهرسك وكرواتيا والتقسيم الوظائفي بين الامبريالية الامريكية والامبريالية الاوروبية حول مناطق النفوذ خدمة لاحتكارات كل منهما في يوغوسلافيا وفي الجمهوريات السوفييتية السابقة. وكلنا يذكر المذابح والجرائم العرقية ضد البان كوسوفو في صربيا في التسعينيات، فأكثر من 98% من سكان كوسوفو من المسلمين الالبان، ارتكبت بحقهم جرائم حرب، مجازر اشبه ما تكون بحرب ابادة ردا على مطالبتهم بالاستقلال وبتحريض من دوائر الحلف الاطلسي وبعض دوائر الانظمة الاوروبية، وخاصة المانيا وفرنسا. وبتدخل قوات الحلف الاطلسي عسكريا تحت يافطة الامم المتحدة تحولت كوسوفو في التسعة والتسعين من القرن الماضي الى محمية للامم المتحدة.
وما نود تأكيده في هذا السياق اننا مع تأييدنا لحق الامم في تقرير مصيرها ودعمنا لحق الاقليات في كل مكان بالمساواة القومية والمدنية، الا انه يجب الحذر والتحفظ والتحذير من ان استغلال حق تقرير المصير للانفصال واقامة كيان مستقل بهدف خدمة مصالح استراتيجية سياسية واقتصادية وعسكرية امبريالية، وليس ابدا خدمة المصالح القومية والاثنية لهذه الاقلية القومية او تلك. فعلى سبيل المثال ايّدنا دائما نحن الشيوعيين الحقوق القومية لاكراد العراق في اطار حكم ذاتي يعزز الوحدة الوطنية والاقليمية للعراق والشعب العراقي، ولكننا نرى في محاولة الاحتلال الامريكي وبعض القوى الكردية العميلة له تقسيم العراق باقتطاع كردستان العراق في اطار دولة مستقلة عبارة عن مؤامرة تضرب المصالح القومية الحقيقية لاكراد العراق وللشعب العراقي برمته.
وبالنسبة لاستقلال كوسوف فان مجرد الاعلان المدعوم من الامبريالية الامريكية وبعض دوائر الحلف الاطلسي وبعض الدول الاوروبية ليس نهاية المطاف، اذ لا تزال تعترض طريق هذه الدولة لكسب شرعيتها على المسرح الدولي عدة مشاكل وصعوبات. فحتى تكتسب الشرعية دوليا فهي بحاجة الى غطاء قانوني من مجلس الامن الدولي في الامم المتحدة، وفي المنظور القريب من الصعوبة بمكان توفير موافقة مجلس الامن الدولي على تأييد وشرعنة استقلال كوسوفو بسبب معارضة روسيا، التي تؤيد حكومة صربيا، استقلال كوسوفو وعمليا ادى استقلال كوسوفو الى زيادة عوامل التوتر الحاصل بين الولايات المتحدة الامريكية التي تدعم انفصال كوسوفو ومصالحها في كوسوفو وبين روسيا التي تدعم الصرب. ولها مصالحها في صربيا ولا تريد ان يكون استقلال كوسوفو يؤلف سابقة سياسية تضر وتضرب موقفها ضد استقلال الشيشان.
كما ان استقلال كوسوفو يواجه معارضة صربيا ونظامها التي انفصلت عنه كوسوفو ومعارضة داخلية من حرب البوسنة الذي يبلغ تعدادهم مئة الف انسان. ومدلول سياسي آخر يتمحور حول احتمال ان يحدث استقلال كوسوفو تحولات جيور سياسية متعددة، فعلى سبيل المثال فان الاتحاد الاوروبي الذي يضم سبعا وعشرين دولة ليس موحدا في موقف جميع اعضائه (بلدانه) من استقلال كوسوفو. فالدول التي تعاني من مشاكل التعددية القومية والاثنية مثل قبرص واسبانيا ورومانيا حيث ان الاقليات في هذه البلدان تطالب بالانفصال وبعضها بحكم ذاتي مستقل فانها تعارض استقلال كوسوفو وتعتبره سابقة سياسية خطيرة بالنسبة لمستقبل الصراع داخل بلدانها. هذا بينما تدعم فرنسا وانجلترا والمانيا استقلال كوسوفو وامام هذا الفرز في المواقف فقد اتخذ وزراء الاتحاد الاوروبي يوم 19/2/08 قرارا باعطاء كل دولة داخل الاتحاد الاوروبي حق اتخاذ القرار الذي تراه مناسبا لها.
وما ان اعلن عن استقلال كوسوفو حتى ارتفعت الاصوات في اقليمي ابخازيا واسيتيا الجنوبية في جمهورية جورجيا السوفييتية سابقا مطالبتان روسيا بدعم طلبهما بالاستقلال، هذا اضافة الى مطالبة الشيشان بالاستقلال عن روسيا الاتحادية وعدم اخماد الصراع المسلح داخل الحكم الذاتي في الشيشان. كما يؤلف استقلال كوسوفو سابقة سياسية بالنسبة لاقليم التيبيت في جمهورية الصين الشعبية وللقوى الانفصالية في هونغ كونغ، ولن تسارع كندا الى الاعتراف باستقلال كوسوفو، خاصة وان مقاطعة كويبك التي يتحدث اهلها بالفرنسية تطالب بالانفصال والاستقلال عن كندا.
ومن جهة اخرى فان انظمة اخرى تضطهد الاقليات في بلدانها ولتبرير سياسة التمييز القومي والعنصري والاثني ضد الاقليات فانها ستلجأ الى استغلال استقلال كوسوفو كسابقة سياسية خطرة لشرعنة ممارساتها الاجرامية التمييزية "لدرء خطر" ان تحذو الاقليات القومية والاثنية في بلدانها حذو كوسوفو. وتلجأ سياسة القهر القومي والتمييز العنصري السلطوية في بلادنا الى ممارسة مثل هذه الديماغوغيا المضللة لتبرير ليس فقط سياسة الاضطهاد القومي الممارسة ضد الاقلية القومية العربية الفلسطينية من المواطنين العرب في اسرائيل ولتشويه حقيقة النضال العادل للجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل من اجل المساواة القومية والمدنية، الجمعية والفردية، بل كذلك لتبرير المخططات الاجرامية بطرح الترانسفير للتخلص من الخطر الاستراتيجي المتمثل بالوجود العربي تكاثره الديموغرافي. وقد سمعنا وقرأنا من افواه مسؤولين امثال زعيم الليكود رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو ومن المأفون الفاشي العنصري افيغدور ليبرمان عن "الخطر الديمغرافي الداخلي للعرب" الاخطر من الخطر الخارجي، ولجوء بعض الكتاب و"الباحثين" الى تصوير وكأن الجليل والساحل والمثلث مناطق خارج النفوذ السياسي الاقليمي الاسرائيلي وان الخطر يكمن في ان لا نحذو حذو كوسوفو المطالبة بالانفصال عن الدولة المطالبة بالاستقلال او بالحكم الذاتي!! ديماغوغية صهيونية لشرعنة سياسة التمييز العنصرية الرسمية الممارسة ضد المواطنين العرب ولشرعنة يهودية الدولة النظيفة من العرب، شرعنة برامج ترحيل "الغويم" العرب من وطن آبائهم واجدادهم ومواصلة التحريض السلطوي ضد العرب من خلال تشويه نضالهم العادل دفاعا عن قضاياهم ومن اجل حقهم الشرعي والانساني بالمساواة التامة كمواطنين اصليين في وطنهم ومن اجل حق شعبهم العربي الفلسطيني في انجاز حقوقه الوطنية باقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية بجانب دولة اسرائيل في حدود السبعة والستين وضمان حق اللاجئين بالعودة حسب قرارات الشرعية الدولية.
ان استقلال كوسوفو لن يكون في الظروف التي نشأت من خلالها دالة استقرار للشعب في كوسوفو بل دالة لعدم الاستقرار في ظل طابع العولمة الامبريالية الرأسمالية التي تسيّرها استراتيجية عولمة الهيمنة الامبريالية من خلال البلطجة العدوانية وتأجيج الصراعات والفتن القومية والاثنية وحتى القبلية كما يحدث في يوغوسلافيا سابقا ويحدث في افريقيا في السودان والصومال وتشاد بتشجيع الانقسامات الاقليمية خدمة لمصالح التغلغل الامبريالي والاحتكاراتي ولضرب المصالح الوطنية لشعوب هذه البلدان.

د. أحمد سعد
السبت 23/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع