وشهد شاهد من اهله



قبل ايام قليلة، نشر تقرير مؤسسة التأمين حول الفقر، واظهر ما كنا نعرفه من قبل، ان ظاهرة الفقر آخذة بالاتساع، وتبين منه انه اكثر من ثماني مئة الف ولد تحت خط الفقر، وان الوضع بين الاولاد العرب والمتدينين اليهود هو الاشد فقرا.
من الطبيعي ان يثير مثل هذا التقرير ردود فعل في المجتمع الاسرائيلي، وان تنشغل وسائل الاعلام المكتوبة، والمرئية والمسموعة لفترة ولو قصيرة. من الامور اللافتة للنظر ان قسما من العائلات اللواتي يعمل رب وربة العائلة هم ايضا في خانة الفقر، وذلك بسبب تدني الاجور والتي دون الحد الادنى للاجور، مع ان هذا الحد الادنى لا يكفي للعيش بكرامة.
كالعادة بعد كل تقرير كهذا تحاول الاحزاب الصهيونية وبالذات الدينية، مثل اغودات يسرائيل، ديغل هتوراه، وبالاساس حزب شاس، الظهور بمظهر الدفاع عن الفقراء، والذين هم مصدر قوتها في صناديق الاقتراع، تحاول امتصاص نقمة الفقراء من خلال التهديد بالخروج من الائتلاف الحكومي اذا لم يدفع تعويض للفقراء، أي بضعة شواقل، فتات لا تغني ولا تسمن من جوع. الجميع يعرفون ان هذه مجرد تهديدات وهمية وغير جدية ومع ذلك يضطر اصحابها للخوض احيانا بأسباب الفقر.
كان لا بد من العودة لسنين خلت حينما الغى رئيس حكومة الليكود، الذي يطرح نفسه بديل لكديما، بيبي نتنياهو، مخصصات الاطفال بحجة تشجيع الاهل للخروج لسوق العمل، والانخراط بسوق الانتاج، وعدم توارث الفقر من جيل الى جيل، معللا ما قام به حينذاك بايقاف الانحدار للهاوية للازمة الاقتصادية العامة في البلاد متعهدا انه بعد "نجاح خطة الاشفاء" الاقتصادية، سيكون وضع البلاد افضل اقتصاديا، وان ذلك في مصلحة كل المواطنين الخ..
ادت هذه السياسة الاقتصادية، لتقديم الدعم لاصحاب الرساميل المحليين والاجانب، من خلال اعطائهم تخفيضات ضرائبية تقدر بمليارات كثيرة من الشواقل في وقت خفضت فيه الرواتب للشغيلة والفقراء، مساهمين كما ادعت قيادة الهستدروت التي تؤمن بالوفاق الطبقي، بالجهد لايقاف الازمة الاقتصادية والنهوض بالتطور الاقتصادي.
صحيح ان هذه السياسة، سياسة الخصخصة، وضرب ما تبقى من القطاع العام، ادت لانتعاش اقتصادي، استفاد منه كبار الرأسماليين، من الصناعيين والمضاربين في سوق المال. واتسع الاستقطاب الطبقي بشكل شنيع. اما الفئات الشعبية، الشغيلة، الفقراء، فلم تتحسن اوضاعهم، بل زادت تأزما وفقرا.
بالنسبة لنا، نحن في الحزب الشيوعي، الذين نرى بالصراع الطبقي، صفة ملازمة للنظام الطبقي الاستغلالي، والمحرك للتطور الاجتماعي، نحن لا نؤمن بالوفاق الطبقي، ونعتبره خديعة وخيانة لمصلحة الطبقة العاملة والمجتمع ككل.
نحن لم نفاجأ بما آلت اليه اوضاع الفقراء والشغيلة خاصة في وقت تختار فيه حكومات اسرائيل المتعاقبة زيادة الصرف على العسكرة، على الطائرة المقاتلة والدبابة والمدفع، وعلى الاستيطان الكولونيالي في الاراضي الفلسطينية المحتلة. في لقاء اذاعي مع الوزير يتسحاق كوهين، من حزب شاس، كشف عن "سر" عميق حيث قال، احد الاسباب لالغاء مخصصات الاطفال، من قبل نتنياهو هو القضية الديموغرافية، أي بكلمات اخرى كان الهدف الحد من الزيادة الطبيعية لدى العرب اصحاب البلاد الاصليين، وحسب وزير شاس، لم تسلم من هذه الضربات الفئات الفقيرة اليهودية. في حينه ادعى نتنياهو، انه بعد تحسن الاوضاع الاقتصادية والخروج من الازمة الاقتصادية سوف تقوم الحكومة بتعويض الفقراء. والآن وبعد زيادة جباية الضرائب والفائض الكبير بالمدخولات من الضرائب، لم تقم الحكومة بأية خطوة لتحسين وضع الفقراء.
مما لا شك فيه ان ما قامت به حكومة الليكود برئاسة نتنياهو لها دوافع وخلفية عنصرية. ترى بالعرب، بالاطفال العرب مشكلة ديموغرافية امنية، قنبلة موقوتة. الا انه علينا رؤية ما قامت به حكومة الليكود برئاسة نتنياهو، هو من منطلقات طبقية في ظل السياسة النيولبرالية في ظل العولمة والخصخصة. وكالعادة اول المتضررين من هذه السياسة هم الفقراء والفئات الشعبية من الاقليات ومن ثم الفقراء والفئات الشعبية من الاكثرية.
لا يمكن ضرب الفقراء من الاقليات القومية وفي نفس الوقت تحسين الظروف الحياتية والمعيشية للفقراء والفئات الشعبية من الاكثرية. في الوقت الذي اصبحت فيه الحكومة من رئيس الوزراء والوزراء، ممثلين لمصلحة فئة قليلة من المجتمع الاسرائيلي لا يمكن للحكومة ان تكون منحازة لمصلحة الفقراء والشغيلة لا من ابناء الاقلية العربية ولا من ابناء الاكثرية اليهودية.
مصلحة الاغنياء واصحاب الرساميل الكبيرة من ابناء الاقلية ومن ابناء الاكثرية مصلحة متشابكة واحدة، زيادة ارباحهم وتعميق الانقسام الطبقي، والاستقطاب الاجتماعي، هذا لا يعني ابدا انه لا توجد صراعات بين هؤلاء، واحيانا ايضا على خلفية عنصرية. الا ان هذا يبقى الثانوي وليس الاساسي او الجوهري مصلحة الشغيلة والفقراء والمسحوقين من ابناء الاقلية العربية وابناء الاكثرية مصلحة واحدة، تحسين ظروفهم المعيشية الحياتية على المدى القريب وتغيير المجتمع وبناء مجتمع العدالة الاجتماعية على المدى الابعد.
صحيح ان عمق الاستغلال والقهر الطبقي والاجتماعي ليس متساويا عند فقراء الاقلية وفقراء الاكثرية. فقراء الاقلية يعانون من استغلال وقهر مزدوج، استغلال طبقي، واستغلال طبقي وقهر قومي في آن واحد.
لا يمكن تحصيل الحقوق الطبقية اليومية الحياتية للفقراء والمسحوقين اليهود والعرب من خلال المعارك الطبقية المنفصلة احادية الانتماء القومي. الضمانة الاساسية لاحراز مكاسب في هذه المعارك الطبقية الطويلة الشاقة المضنية، وبالذات في ظل الصراع القومي الاسرائيلي الفلسطيني والاسرائيلي العربي هو الوحدة الكفاحية للفقراء والمسحوقين اليهود والعرب بقيادة حزب الطبقة العاملة، صاحب التركيبة الاممية اليهودية العربية، الحزب الشيوعي الاسرائيلي وجبهته الدمقراطية للسلام والمساواة وللحياة الافضل.
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه، اين نحن من هذه القضية الطبقية المركزية الاساسية!!!

(ام الفحم)

مريد فريد *
الجمعة 22/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع