وتبقى أنتَ الحبيب يا حبيب حزبون



معطيات الواقع المتغير بمرور عشرات السنين على ساحة التطور والصراع تعكس حقيقة قوة وتميّز الحزب الشيوعي اللتين تتجسدان في ثلاثة امور اساسية: بفكره النيّر الذي يصقل وعي الانسان حول جوهر ومدلول العالم المحيط به والمجتمع المحيط به طابع تطورهما وآليات تغيرهما ثوريا، فبهدى هذا الفكر يصقل برنامجه السياسي ويشحذ آلياته التنظيمية، والامر الثاني ان الحزب الشيوعي يمتاز بهويته الاممية المبنية على اخوة الشعوب والمساواة في الحقوق بين الشعوب والحرص على صيانة العلاقة الجدلية بين الاممية والوطنية، فان تكون وطنيا حقيقيا صادقا لا بد ان تكون امميا في نفس الوقت وان تكون امميا حقيقيا صادقا فلا يمكن الا ان تكون وطنيا صادقا تحمل هموم وقضايا وتطلعات شعبك وقوميتك على مختلف ساحات النضال. والموقف من هذه الامور الثلاثة ومدى استيعابها والالتزام بها يعتبر المحك والمقياس للكشف عن معدن هذا الشيوعي او ذاك، مدى صقله لطريق حياته الذي اختاره، مدى تحزبه واصالته، مدى غربته عن الانتهازية والاصلاحية اعدى اعداء صفات الشيوعي، أي شيوعي ان كان عضو كادر اعتياديا ام عضوا قياديا في الحزب.
ولمعرفتي العميقة بفقيد حزبنا الشيوعي وفرعه في مدينة عكا ولعائلته الكريمة فقد كان الرفيق حبيب حزبون (ابو اياد) شيوعيا ومناضلا اصيلا، كان الحزب الشيوعي وقضاياه النضالية السياسية والاجتماعية والثقافية، المطلبية والمصيرية، بمثابة مشروع حياة ابي اياد. كان معروفا بدماثة اخلاقه وتفانيه في التضحية خدمة للصالح العام، حبه لرفاقه وتحزبه للعاملين والفقراء والمضطهدين، كان اجتماعيا "يُشرب مع الزيت العكر"، كما كان يصفه احد رفاق فرعه. بصفاته هذه اكتسب محبة واحترام رفاق فرعه والكثير من رفاق فروع منطقة عكا الحزبية.
تعرفت على حبيب حزبون من خلال الشبيبة الشيوعية، فمنذ اواسط الستينيات نشأت علاقة صداقة حميمة بين رفاق من كفر ياسيف ورفاق من عكا وكذلك بين فرعي الشبيبة في البلدين. فقد كان الرفيق فخري بشتاوي "مايسترو" اللقاء يحضر من عكا برفقة "عود الطرب" والرفاق حبيب حزبون وابو حسين ابو شنب وغيرهما، ومن كفر ياسيف المرحوم محمود ستيتية ونزال صالح علي وحبيب فرحات (آسف لعدم ذكر اسماء لم اعد اتذكرها من الفرعين)، كنا نلتقي في بيت محمود ستيتية او على سطح الغرفتين في بيتنا، كان لقاؤنا يتمحور حول الحديث عن الشبيبة وترديد الاناشيد الثورية والوطنية مثل "نحن الشباب لنا الغد" و"القرى الثائرة" و"يا شعوب الشرق" و"الحصاد"، رفيقنا فخري بشتاوي يدندن ويدق على العود ونحن ننشد باصواتنا. وكان فخري يلاحظ وينرفز ان صوتنا، حبيب وانا، يفرق مظاهرة قد ما هو مزعج ويغرد خارج سرب النوتات الموسيقية، وكانت قعداتنا تتم على كأس "شاي هندي"، الذي يحرق الجوزة ويفتل العقل ويجعل الجسم يتمايل مع ايقاع حركات البشتاوي على العود.
وببعثة من الحزب الشيوعي انهى ابو اياد معهدا لهندسة الطباعة في المانيا الدمقراطية وعاد ليصبح مهنيا مختصا اسهم كثيرا في مجال طباعة صحيفة "الاتحاد" ومعالجة آلات الطباعة. وفي المطبعة اكتسب محبة وصداقة جميع العاملين، وكنت في حينها في مطلع السبعينيات محررا ورئيس تحرير مجلة "الغد" مجلة الشباب التي كنا نطبعها في مطابع "الاتحاد"، وكان فقيدنا من المسؤولين في الاشراف على طباعتها، كان متواضعا ومزّيحا من الدرجة الاولى، عندما كنت اتأخر في ايصال بعض مواد الصحيفة الى المطبعة كان حبيب يتلفن وينادي علي بلقب "شقّة اللفتة". ولهذا اللقب حكاية، ففي احد لقاءاتنا في كفر ياسيف قلت له مازحا "انت يا حبيب وفخري بشتاوي المثل النموذجي للتضامن الاممي الافرواوروبي – سمارك وبياضه وحدة تضامنية"، وجاوبني على الحارك "اطلع مين بحكي، اسم الله عليك يا جنجي يا شقّة اللفتي، اوع تعرض حالك للشمس بسيح بياضك"!.
عندما توعكت صحته في السنوات الاخيرة "عبد الفرع وعمل الفرع عبادة" وتسلم مسؤولية سكرتير فرع عكا للحزب الشيوعي، وكان دائما من ناشطيه وقادته. وكان له دوره واسهاماته في صقل العلاقة الاجتماعية الرائعة بين رفاق الحزب في عكا، من يجهل هوية الرفاق وكان يرى شكل علاقة الاخوة والمحبة بين الرفاق المرحوم محمود ابو شنب واحمد عودة وابو سامر وابو رائد وعايدة سليمان ومنير السمراوي وخالد سليمان ونمر ابو احمد وقاسم سليمان، يعتقد انهم ابناء عائلة واحدة. كان من المتحزبين لصحيفة "الاتحاد" ومن النشيطين في معارك التضامن مع شعبنا العربي الفلسطيني المناضل للتخلص من براثن الاحتلال وجرائمه وانجاز حقه الوطني في الدولة والقدس والعودة.
لقد شاءت الظروف القاسية ان نرقد معا في مطلع العام الفين وسبعة في مستشفى "رمبام بحيفا"، وان نواجه معاناة العلاج واجراء العمليات. وكان الرفيق حبيب، كما اعهده واعرفه، يواجه المرض والعلاج بمعنويات صوانية عالية، ويردد "فرض علينا واقع جديد وعلينا مواجهته والتأقلم معه والتغلب على الصعاب".
بفقدانك يا رفيقنا الغالي وفي هذا الظرف السياسي العصيب فقد حزبنا وفرعنا في عكا جنديا وقائدا لا يعوض، عزاؤنا في خلفته من سيرة نضالية مشرفة ومن ذرية صالحة.
أتقدم الى زوجتك الكريمة ام اياد والى جميع اولادك وعائلتك والى رفاقنا في عكا بحسن العزاء، وارجو المعذرة لأنني بسبب وضعي الصحي لا استطيع المشاركة في ذكرى الاربعين يوم السبت 23/2/2008. فبالنسبة لي ولرفاقك واهل بيتك تبقى انت الحبيب يا حبيب حزبون، ولتبقَ ذكراك عطرة.
د. أحمد سعد *
الخميس 21/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع