رحيل الأديب الكبير والباحث الرائد سهيل إدريس في بيروت



حيفا – مكتب الاتحاد – رحل أمس الأول في بيروت الأديب والباحث الكبير سهيل ادريس، صاحب رواية "الحي اللاتيني" التي تعتبر معلمًا هاما في تاريخ الرواية العربية، ومؤسس مجلة "الآداب" ودار النشر التي تحمل الاسم نفسه وأحد واضعي معجم "المنهل" الفرنسي-العربي.

امتازت محطات حياته بالعطاء الادبي والفكري، فيما يلي أبرزها:


ـ تلقّى دراسته الابتدائية في كلية المقاصد الإسلامية ببيروت. التحق بـ «كلية فاروق الشرعية» وارتدى الزي الديني طوال خمسة أعوام، ليتخلّى عنه بعد تخرّجه عام .1940
ـ بدأ العمل محرِّراً في جريدة «بيروت»، وفي «بيروت المساء» الأسبوعية لصاحبها عبد اللَّه المشنوق. ثم عمل، بالإضافة إلى ذلك، محرِّراً في «الصيّاد»، وفي «الجديد».
ـ نشرت «المكشوف» أوّل مقالة له عام ,1939 ثم أخذ ينشر في «الرسالة المصرية» و«الأديب» و«الأمالي» اللبنانيتين.
ـ سافر إلى فرنسا، وحاز الدكتوراه في الآداب بجامعة السوربون عام ,1952 وكانت أطروحته بعنوان «القصة العربية الحديثة والتأثيرات الأجنبية فيها من عام 1900 إلى عام 1950».
ـ أنشأ عام 1953 مجلة «الآداب» بالاشتراك مع بهيج عثمان ومنير البعلبكي، وما لبث عام 1956 أن استقلّ بها عن شريكيه، وبقي رئيساً لتحريرها حتى عام .1992
ـ عام 1955 أسّس مع رئيف خوري وحسين مروّة «جمعية القلم المستقلّ».
ـ عام 1956 تزوّج بعايدة مطرجي، وأنشأ دار الآداب بالاشتراك مع الشاعر الراحل نزار قبّاني، ثم استقلّ بها عام 1961 لاضطرار قبّاني إلى الانفصال عنه بسبب احتجاج وزارة الخارجية السورية على عمله في النشر إلى جانب عمله الدبلوماسي.
ـ عام 1961 عمل أستاذاً للترجمة والتعريب في جامعة بيروت العربية.
ـ عام 1967 عُيِّن أميناً عامّاً مساعدًا لاتحاد الأدباء العرب، وأمينًا للّجنة اللبنانية لكتّاب آسيا وأفريقيا.
ـ عام 1968 أسّس، مع قسطنطين زريق وجوزيف مغيزل ومنير البعلبكي وأدونيس، اتحادَ الكتّاب اللبنانيين، وانتُخب أميناً عامًّا له ثلاث دورات متوالية، ثم أعيد انتخابه مجدَّداً عام 1989 وعام .1991
ـ كان أحد مؤسِّسي مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت وعضو مجلس أمنائها عدة سنوات.
ـ له ثلاث روايات: «الحي اللاتيني» (1953)، و«الخندق الغميق» (1958)، و«أصابعنا التي تحترق» (1962)؛ وستّ مجموعات قصصية: «أشواق» (1947)، و«نيران وثلوج» (1948)، و«كلُّهنّ نساء» (1949)، و«الدمع المرّ» (1956)، و«رُحماكِ يا دمشق» (1965)، و«العراء» (1973)؛ ومسرحيتان: «الشهداء» (1965)، و«زهرة من دم» (1969)، وأخيراً الجزء الأول من سيرته «ذكريات الحب والأدب» .2001
ـ ألّف معجم «المنهل» الفرنسي ـ العربي مع المرحوم جبّور عبد النور، وعكف منذ أكثر من ربع قرن على تأليف «المنهل» العربي ـ الفرنسي و«المنهل» العربي ـ العربي بالاشتراك مع الشهيد الشيخ صبحي الصالح وسماح إدريس.
ـ ترجم ما يزيد على عشرين كتاباً، أبرزُها كتبٌ لسارتر وكامو ودوبريه ودورا.
فيما يلي ثلاث شهادات للأديب السوري حنا مينه، الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي والروائي المصري جمال الغيطاني:

 

* حنا مينه: صانع المشاريع


إلى سدرة المنتهى رحيلك يا معلم الذي علّم الإعجاز تحطمت به سفينة العمر على صخرة الموت فحقّ للأجيال أن تبكيه، وأن ترثيه، وأن تفتقده راحلاً على جناح غمامة بيضاء إلى سدرة المنتهى.
لقد مات المعلم، مات الدكتور سهيل إدريس صاحب رواية «الحي اللاتيني» وما تلاها من روايات، ومن عطاءات أدبية نهل منها وتتلمذ عليها جيلنا، نحن الأدباء الذين يعتصر الأسى قلوبهم على فقد هذا الرائد الكبير الكبير، مؤسس مجلة «الآداب»، وباني أعرق دار للأدب في الوطن العربي كله، ليس لأنها دار «الآداب» وحسب، بل لأنها مدرسة تخرجت منها أجيال وأجيال من الأدباء العرب، ومن هؤلاء حنا مينه، الذي تحول المسافات والأمراض بينه وبين وداع هذا المعلم شخصياً، فيكتفي، وهو على هذا البعد، أن يرشق قارورة عطر على جانح نعشه المكفّن بالجلال.
إن الرحيل في عربة الموت، على طريق الأبدية، هو قدرنا جميعاً، فلكل أجل كتاب، ولكل نجمة أفول «وكل أخ مفارقه أخوه، وكل مشعشع فإلى غروب». إلا أن المرض الذي أقعد هذا المعلم طوال أعوام، واحتمله صابراً محتسباً طوال أعوام، قد أوهن جسده، واستلب غاشماً بصره، وبرى لســانه الذي طالما برته الكلمات التي خطّها لنا، وفيها عصارة دماغــه وخلاصــة تجاربه، وفيها دعوته التي تركها لنا وصية لنا، في أن يكون للأدباء اعتــصـام بالعروة الوثقى، ووثوق بقدسية الحرف وإيمان بقدرة الكلمة لتكون لهم وحدة تدفع الغائلة عنهم، وقدرة على فرض حرية التعبير، التي دونها يعتري القلم الشريف شلل قاتل ليس في مصلحة أحد، من حكام ومحكومين، في هذا الوطن العربي الكبير. كما كانت للمعلم الراحل رغبة قلبية في أن يسود السلام والوئام والمحبة ما بين الشقيقين سوريا ولبنان. فيا أيها المعلم الراحل والزميل في أمنيتك المجتلاة من أجل وحدة العرب في كل أقطارهم، لك نقول:
لا نملك إلا ما قاله الجواهــري في رثاء الوطــني العراقي الكبــير جعــفر أو التـمّن: «طالت ولو قصــرت يدُ الأقدار/ لرمت ســواك عـظمتَ من مختار».
نعم طالت يد القدر، ولا رادّ للقدر. طالت فشالت بك إلى عليين وقصرت بنا لأننا تخلفنا في الرّكب عنك، وكنا كما قال حافظ ابراهيم لأحمد شوقي:
«قد كنت أوثر أن تقول رثائي/ يا منصف الموتى من الأحياء».
وحاشى يا معلم، أيها المنصف ونعم المجير، حاشى أن تكون قصّرتَ في إنصاف أحد، وفي أخذنا في طريق الإبداع الذي هو الأغلى والأسمى في دنيانا الفانية هذه. لك رحمة ربك ومرضاته وغفرانه. ولأسرتك المفجوعة بك جمـيل الصبر وصادق العزاء.

 

* أحمد عبد المعطي حجازي: تكامل ثقافي


سهيل إدريس يمثل قيمة أدبية وفكرية وسيــاسية سوف تظل حية إلى أمد طويل، هذه القيمة تتمثل في ثقافتنا أولاً المتــكاملة المتــوازنة التي حصلها في لبنان في كلية المقاصد الإسلامية وحصلها أيضا في جامعة السوربون في باريس، فهو من هذه الناحية نموذج للتكامــل الثقــافي المطلوب في هذا العصر، وهذا التكامل الثقافي لعب المصريون دورا ثقافيا فيه بداية من الطهطاوي إلى طه حسين، يعني المثقف العربي الذي بدأ بتعليم تقليدي متين يتمكن به من لغته وآدابها وعلومها ثم يكمل هذا التعليم في فرنسا بالذات.. المثقف اللبناني الذي يذكرنا بالنموذج المصري هو سهيل إدريس.
ثم إنه لم يكن مجرد مثقف إنما كان صاحب رسالة لأنه لم يكتف بأن يكون روائيا وهو الروائي الممتاز كما نرى في روايته (الحي اللاتيــني)، هذه الرواية التي كانت حلقة جديدة في تجسـيد القيــمة التي ذكرتها وهي مسألة التكامل الثقافي والتوازن الثقافي، وهذا الزواج بين الثقــافة العربية التقليدية والثقافة الغربية الأوروبية الحديثة، هي حلقة من الحلقات التي تصور وتجسد هذا التكامل، يعني يمكن أن نعتبر أن «تلخــيص الإبريز» هو الحلقة الأولى و«عصــفور من الشــرق» و«زهرة العــمر» و«قنديل أم هاشم» و«الأيام» حلقات آخرى، والحي اللاتيني حلقة أساسية في هذه السلسلة.
فالعمل الروائي الذي قدم سهيل إدريس هو تجسيد لمسيرته كمثقف ولكنه لم يكتف بأن يكون روائيا ممتازا وإنما كان صاحب رسالة، وهذه الرسالة تجسدت في مجلة الآداب التي كانت حلقة تالية ومكملة لرسالة الزيات ومن المعروف أن رسالة الزيات قد احتجبت عن الصدور في عام ,1953 والآداب ظهرت مباشرة في ذلك العام لتلعب أو تواصل الدور الذي بدأ في مصر، يعني سهيل إدريس كان في كل خطوة من خطواته يعتبر نفسه عضوا في هذه الجماعة المصرية لا باعتبارها جماعة محلية تنتمي إلى مصر وحدها لكن باعتبارها ممثلة للثقافة العربية كلها.
ثم إن سهيل إدريس من الوجهة السياسية والفكرية، هو لم يشتغل بالسياسة العملية وإنما تبــنى فكرة العــروبة وأخــلص لها وغذاها وخدمها بعمله الثقـافي سـواء في مجلة الآداب أو في دار النــشر التي أنشأها لتخدم فكرة العروبة بمضمونها العــصري المســتنير بانفتاحها على القيم الإنسانية التي جسد بها الثقــافة الأوروبية الحــديثة والمعاصرة.
وسهيل بعد ذلك صديق، لم يكن مجرد رئيس تحرير أو كاتب روائي أو صاحب دار نشر، إنما كان عضوا عاملا في المجتمع الثــقافي العربي، يقف إلي جانب حرية التفكير والتعبير وتربطه علاقات شخــصية مع كل الذين تعاون معهم في المجلة أو دار النشر الخاصة به، ومن المؤكـد أن سهيل إدريس يمثل للبنان قيــمة خاصة عظــيمة، يوازن التــيارات الآخرى التي انحازت لأفكار أخرى وارتبـاطات أخرى، يوازنها لأنه أضاف هذا البعد العربي للنشاط الثقافي في لبنان ولم يكــتف بأن يمثله في كتاباته وإنما مثله في عمله ونشاطه فكان له وجود فاعل وبــهذا استــطاع لبنان أن يلعب دورا ثقــافيا طليــعيا خلال النــصف الثـاني من القـرن العــشرين.
رحيل سـهيل إدريس خسارة عظــيمة لكنه أدى رســالته وستــظل القيم التي آمن بها وعمل من أجلها حية به وبأمثــاله وســوف يظل حيا بها.

 

* جمال الغيطاني: علامة مضيئة


كان صرحا ثقافيا عظيما وسيظل علامــة مضيئة في الثقافة العربية مذكرا لنا بالثقافة القومية المستنيرة، ومما يجعلني أحس بالعزاء أننا خصصنا له عددا من جريدة أخبار الأدب عام 2003 ، ليس هناك مثقف عربي ليس مدينا لسهيل إدريس، فقد أسس وترأس مجـلة الآداب التي تبنت الاتجاه القومي وقدمت أهم الأسماء الشعرية والنــقدية وغيرها، كما قامت دار الآداب بتقديم التيارات العالمية في الأدب، هذه الدار التي يفخر أي كاتب أن ينشر فيها، ولا ننسى أنه من نشر رواية نجيب محـفوظ أولاد حارتنا.

الخميس 21/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع