إميل والبطّة



بشغف وشوق استقبلها ..صفراء بلون الشمس ساعة الشروق أحبها كما الأم رضيعها تحب ..حبّه لها فيه حياة وفيه تحدي..أرادها أن تكون صديقة يحبها، ولعبة يشتاق اليها ويلامسها ويشعر بكل لمسة..
حبات من القمح المطحون أطعمها..ونثر لها من حبات قلبه المفعم بالحنان...طق ..طق..طق نادت البطة صديقها طق..طق..طق..جاوبها ذلك الصديق طق طق طق معناها احبكَ طق طق طق معناها احبكِ..
لا ينام إلا إذا آوت البطة إلى بيتها وإطمأن عليها ...أذكر ذلك اليوم الذي بكى طفلي عندما طلب مني أن أحضّر الطعام لبطته رفضت حينها وتذرعت بالتعب والخمول، فانزوى في ركن من أركان البيت، وبكى وبكيت معه ونزلت الدموع غزيرة كل دمعة فيها تفسير ولكل دمعة هناك تحليل ..
ثمّ قمت وأحضرت الطعام وابتسم طفلي وأيقنت إنّي بذلك أردّ له الحياة وأرجع له بسمته وهكذا كان .
واستمرت حياته واستمرت حياتي والبطة تكبر وتنمو وحبه لها يزداد يوما بعد يوم..
وأذكر ذلك اليوم الذي فيه تلبدت سماء عينيه بالغيوم حين أخبرته أننا سنسافر إلى خارج البلاد وبكى طفلي وعندما سألته عن السبب قال بصوت مخنوق : كيف أسافر يا ماما وبطتي لمن أتركها واين ؟؟؟؟؟
,ما زال بين نارين من جهة يريد السفر ومن جهة أخرى كيف يترك بطته واين ؟؟
وفجأة ظهرت من بين شفتيه البريئتين أسنان بيضاء كحبات اللؤلؤ وأخرج صوتا كالملاك وقال : ماما أسلمها لعمّي فهو يحب الطيور ( بدير باله عليها ) وكنت قد فكرت بذات الفكرة ولكنني تركته يقولها بنفسه ....وذهبنا... وعقله وتفكيره بالبطّه
وسبح في الماء وعام كما البطة تسبح وتعوم وعاد بعد اسبوع ليستقبلها بأجمل وأرحب استقبال، ومّرت الأيام والبطة الصفراء تكبر وأصبحت بيضاء بلون الثلج وكبر حبه لها اكثر وأكثر ..
وهكذا إلى أن أتى ذلك اليوم الذي ذهب ليطعمها فلم يجدها فصرخ أين بطتي؟؟؟؟؟؟؟ وهرعنا نبحث عنها بكل ما نملك من إرادة ورغبة في إيجادها، حتى وجدها ملقاة على كومة حطب فصرخ من الصميم وبكى وأبكانا ..فأنا شخصيا لم اتمالك نفسي بكيت وبكيت حتى الارتواء..بكيت تعاطفًا مع طفلي ...بكيت شفقةعلى طفلي ..بكيت لأنها الطريقة الوحيدة التي أثبتت لابني اني افهمه واتعاطف معه ...وبكاؤه كان غزيرًا كفيض الخنساء بموت صخر واحمرت عيناه اذ ذاك كالشمس ساعة الغروب ثم جلست معانقة ابني وقد هدأت نفسينا وافهمته الحياة كلها هكذا اليوم لك ويوم عليك .وبعدها نزلنا الى الحديقة نرى النباتات التي ما زالت في طور النمو وانطلق حبيبي يتحدث عن هذه النباتات وادرك اذ ذلك ان ما زالت هناك في الطبيعة حياة...ونام صغيري مستغرقًا في اجمل حلم طفولي.
وجلست حينها وحدي اتأمل الحياة كيف تبدأ عند الطفل ثم امسكت جهاز التحكم للتلفاز وادرته واذا بجرائم كبيرة ترتكب بحق مدارس وبلدان ومؤسسات رأيت صورًا لاطفال تمزقوا وماتوا رأيت بساتين اطفال تأكلها النيران ولا من منقذ حينها أدركت أنّ هذا الكون يجب أن يحكمه الاطفال فالبطة مزقت قلب طفل واحد وامه والآف الاطفال ماتوا ولم يحرقوا لو شعرة من رؤوس الحكام...ولم يحرّكوا ساكنا في خلواتهم ..
والعِبرة لمن اعتبر...

قانا الجليل

بقلم : عدلة شداد خشيبون
الأربعاء 20/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع