أهمية الموقف الفكري والسياسي من الاستدمار الامريكي



* ان النقاء الفكري والنضج الفكري يتمثل بالاساس في مدى معرفة ورؤية وجوهر العدو الفكري والطبقي والسياسي للشعوب، وهذا العدو متمثل بالامبريالية اولا وكذلك بأتباعها والموالين لها *

الفترة التي أعقبت وتعقب الانهيار اليوم، تتميز بتصعيد وحشي اجرامي للعدوان الامريكي، هذا العدوان الذي يضرب كافة المقاييس والمعايير التي كانت سائدة في العالم حتى ولو نسبيا. فحيث انوجدت حاجة للولايات المتحدة تسخر الامم المتحدة، واذا تعذر ذلك وقلما يتعذر فتضرب بهذه المنظمة عرض الحائط بلا وازع، وحاجة الولايات المتحدة لا تعرف الحدود ابدا في الاستغلال والعدوان والهيمنة، فهي حرة التصرف في خلق المعايير والتعابير تجاه هذا النظام او ذاك وتجاه هذه القوة السياسية او تلك. وهي تفعل ذلك حتى بعيدا عن المألوفات الدبلوماسية والتواءاتها، تفعل ذلك بمنتهى الصلف والوضوح والتظاهر.
وطبعا الهدف الاساسي هو ازاحة كل من وما يعرقل هذا الجشع الذي لا يعرف الحدود، ليس فقط تجاه العمال وانما ضد شعوب بأسرها هي وكافة خيرات اوطانها وفي مقدمتها النفط وكافة مصادر الطاقة. ارى من الضرورة التأكيد على ذلك لأمرين:
الامر الاول، هنالك البعض منا يهرولون الى رد فعل غريب عجيب، وكأنك اذا ادنت الاحتلال الامريكي للعراق او افغانستان فكأنك تدافع عن القاعدة ونظام صدام حسين، وهذا خلط مرفوض وممجوج، فحتى على مستوى الخطر على العالم والانسانية تظل القاعدة قزما بالنسبة لوحشية الولايات المتحدة. وهذا البعض يتناسى وبحماس ان الحديث يجري ليس فقط عن امريكا الرأسمالية والامبريالية بل بالاضافة الى ذلك عن امريكا المحتلة، فالحديث يجري عن الاحتلال العيني القائم بكافة جرائمه.
فهل نحن مع القاعدة فكريا وسياسيا واجتماعيا!! نحن مع كل اولئك الذين يتصدون للاحتلال، خاصة اذا كان هذا المحتل هو اقوى وأبشع مجرم ومستغِل والذي تمثله الولايات المتحدة.
والامر الثاني، هنالك استبعاد للفكر الثوري، الماركسي اللينيني من مجرد اقحام هذه المقارنة خاصة في موضوع الاحتلال. هل تتضامن الشيوعية مع مقاومي الاحتلال باستثناء حزب الله او القاعدة او احمدي نجاد او حماس او البعث العراقي مثلا!! هل توجد هذه الاستثناءات!!
وحتى في مجال المقارنات – هل الولايات المتحدة افضل من القاعدة وحماس وحزب الله والنظام الايراني وصدام حسين!! ان حذاء هذه النظم والاحزاب افضل بكثير من كل دمقراطية وحرية واخلاقيات الامبريالية الامريكية وكل معاييرها وأهدافها.
واذا نظرنا الى جوهر وموقف وأهداف الامبريالية في قضية الشعب العربي الفلسطيني تصبح الصورة اكثر وضوحا، فقيادة الشعب العربي الفلسطيني لم تكن ابدا شبيهة لا بالقاعدة ولا بالنظام الايراني فلماذا اخلاقيات الامبريالية وقفت نفس الموقف واكثر، فهي تدعم الاحتلال وتشارك به، وتدعم الاستيطان والجدار والقتل والاعتقال وكل موبقات الاحتلال، ألا يكفي هذا للتعرف اكثر على طبيعة الامبريالية!! هل الفيتنام كانت تحكمها القاعدة وحزب الله وحماس!! وهل هكذا كان الوضع في كوريا وتشيلي وغرينادا!!
حبذا لو كان كل مقاومي الاحتلال واساليب كفاحهم وخطابهم وجوهرهم الفكري والاجتماعي والطبقي كما نريد نحن، ولكن هل اذا اختلف الامر نسحب تأييدنا لهم!! هل جلبت امريكا الحرية والدمقراطية الى افغانستان والعراق!! هل هذا هدفها!! من آزر ويؤازر كل القوى الرجعية والفاشية والبدائية في العالم، وكيف كان الموقف من عنصرية جنوب افريقيا؟ وكيف هو الموقف من عنصرية الصهيونية وسياسة حكام اسرائيل.
كم شدهت ودهشت من احد اعضاء الكنيست العرب عندما نقل على لسانه انه قال: لم يكن للامبريالية والرجعية العربية دول في احداث نكبة الشعب الفلسطيني!! أليس هنالك سيل عرم من الحقائق والدلائل والاثباتات والاقوال والاعمال تدحض هذا الادعاء ان كان دقيقا كما نُقل!!
القطب الثاني بين موالي الامبريالية هي الصهيونية وحكام اسرائيل، وهذا قلما يجري نقاش حوله وهذا صحيح، ولكن ماذا كان بامكان الصهيونية وحكام اسرائيل ان يفعلوا لولا هذا الارتباط المتين بكل مخططات الامبريالية، هل كان بامكانهم القيام بما قاموا ويقومون به لولا الدعم الامبريالي المادي والسياسي والاقتصادي. اما القطب الثالث والذي نبخل ونتردد كثيرا في ادانته فهو الرجعية العربية.
في السنة القادمة يحتفل حزبنا الشيوعي بتسعين سنة على تأسيسه، فعلى الاقل منذ سنة 1923 وفي المؤتمر الخامس بدأت الاشارة الى هذه الاقطاب الثلاثة وان بشكل متفاوت.
هل الرجعية العربية اليوم اقل خطرا!! ألم تشارك في حرب الخليج الاولى!! ألم تنتظر مع امريكا انهيار المقاومة في لبنان!! ألا تشكل ثروات اوطانها وشعوبها شريانا هاما لدعم الاقتصاد الحربي الامريكي ومن ثم الاسرائيلي!! ألا تلجم شعوبها وتقمع هذه الشعوب التي تريد القيام بواجبها في التضامن مع كفاح الشعب العربي الفلسطيني!! ألا تقوم بدور اسود الكلام نعام الوغى في القضية الفلسطينية!! هل هذه النظم معتدلة فعلا او متساوقة فعلا مع سياسة الامبريالية الامريكية!!
وما هذه الشقلبة في المبدأ والمنطق؟ هل لو توقفت حماس عن ارسال هذه المواسير الى سديروت تحل القضية؟ هل هذه هي العقبة الكأداء؟ نحن من اجل الا يطلق أي صاروخ على سديروت واخواتها، ولكن ماذا مع القضية الاساسية الاحتلال وجرائمه اليومية ليس فقط في غزة وضد حماس بل ايضا في القدس الشرقية العربية ونابلس وبلاطة وجنين وكافة الشقيقات، هناك لا تحكم حماس، ولم يكن هنالك انقلاب حماسي ونحن ضد هذا الانقلاب وكافة الممارسات والسلوكيات التي تسيء الى كفاح الشعب الفلسطيني، هل الاحتلال كان في السابق بحاجة الى مبررات لاستمرار احتلاله والقيام بجرائمه؟
نحن ضد تبييض وجهنا مع الرجعية العربية وخاصة تلك التي تسميها امريكا بالمعتدلة، نحن نريد ان نكون سود الوجوه جدا مع هذه النظم السوداء سياسيا وفكريا وطبقيا واجتماعيا حتى وان لم نضعها في نفس مستوى الامبريالية والصهيونية وهذا حق.
كنا ولا نزال ضد اجتماع انابوليس الامريكي، وضد كل المؤتمرات التي تدعو ودعت اليها الولايات المتحدة حول يوغسلافيا وافغانستان والعراق ولبنان والسودان والصومال وغيرها، هل العمل على انفصال اقليم كوسوفو جاء احتراما للمسلمين هناك؟ فماذا مع مسلمي فلسطين ولبنان والعراق وافغانستان والعالم كله، هل يجب ان ينطلي هذا الدجل والزعرنة السياسية على احد منا؟ الولايات المتحدة خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تعمل على تفتيت الدول الكبرى خاصة تلك التي كانت مناهضة للامبريالية مثل روسيا ويوغسلافيا والعراق وطبعا مع الفوارق الجدية.
هل لبنان يتحمل انقساما الى كانتونات!! فمن الذي يتلاعب بمصير لبنان ووحدته؟ أليست الولايات المتحدة وزعانفها هناك والمتمثلة بشكل خاص بوليد جنبلاط وسمير جعجع وسعد الحريري!! نقول بشكل خاص لأن هناك آخرين. هل الذنب ذنب المقاومة اللبنانية لأنها صمدت وصدت العدوان؟ وفي حرب كانت مخططة قبل اسر الجنود من اسرائيل؟ وماذا مع اسر واختطاف وقتل اسرائيل لكثيرين من لبنان في عقر دارهم او في الخارج او حتى لصيادين في عرض البحر!!
لست ادري لماذا اكره "الموضوعية اللقموطة المنتنة والرخيصة" لوسائل اعلام عربية تدلق الحدث بحيادية مقلعطة وهي عربية قُح!! والحقيقة ساطعة واضحة حول المعتدي والمعتدى عليه.
في اجتماع اثينا للاحزاب الشيوعية وقف مندوب من حزب "تودة" الشيوعي الايراني وقال: "انا اناضل ضد النظام الايراني وهذا حقي وواجبي ودوري، ولكن انا مع وطني وشعبي ومع الدولة ومع النظام ضد التهديد الامريكي" اظن ان هذا الموقف في منتهى الاممية والانسانية والوطنية والثورية، فماذا مع الذين استقبلوا المحتل الامريكي المجرم في العراق بالورود ورأوا فيه منقذا!!
في لبنان مبادرة عربية مقبولة نسبيا لأن كل إناء بما فيه ينضح، هكذا هؤلاء العرب وهكذا هي مبادراتهم، ولكن حتى هذه المبادرة ترفضها الولايات المتحدة من اصدقائها المعتدلين وتعمل هي واسرائيل وبالتعاون مع قوى الموالاة – وهي في الواقع موالاة للمخطط الامريكي – على اشعال حرب اهلية في لبنان للقضاء على كل اخلاقيات المقاومة والصمود في وجه هذه المخططات الامريكية الاجرامية. قد تكون هنالك ملاحظات على المقاومة وحزب الله، لكن هل يوجد مجال للمقارنة بينها وبين الموالين والتابعين والعملاء للولايات المتحدة وحتى لاسرائيل!!
ان النقاء الفكري والنضج الفكري يتمثل بالاساس في مدى معرفة ورؤية وجوهر العدو الفكري والطبقي والسياسي للشعوب، وهذا العدو متمثل بالامبريالية اولا وكذلك بأتباعها والموالين لها، هذه الثوابت الثورية والاممية هي ما ميزت وتميز خط حزبنا الشيوعي الماركسي اللينيني اليهودي العربي، والتمسك بهذه الثوابت هو واجب كل رفيقة ورفيق وهو محكّ لمدى قدرة ووعي هذا الرفيق وبغض النظر عن أي اعتبار آخر.

محمد نفاع
الثلاثاء 19/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع