"وأما السائل فلا تنهر"



 

 

 

 

 

 

 

وتطل في مخيلة زائر
صورة ذلك الرجل الذي
بلغ من العمر عتيّا
بلحيته الكثيفة البيضاء
وقامته الفارعة
وبزيّه الديني التقليدي
وسريرته التي تنمّ
عن عزيز قوم
أهانه الزمان في ذل السؤال
كان الزائر يسير
في طرقات مدينة صاخبة
تعجّ بالسائحين والمهاجرين
كان يوزع النظرات
على واجهات المتاجر
وفجأة في خضم الزحام
استوقفه ذلك الشيخ الهرم
ورطن بلغة اجنبية
لن يعي الزائر فحواها ومرماها
وكان بجانب الشيخ رجل اسمر
فرك اصبعيه في يده اليمنى
دلالة على استعطاء النقود
فمدّ الزائر يده الى محتوى جيبه
فلم يجد قطعا من فئة صغيرة
فأشار بيده انه لا يملك مالا
ومضى في سبيله
تقوده قدماه الى الفندق
الذي يؤويه
وفي المساء انتابه
احساس بامتعاض شديد
ووخزات الندم تحزّ
في شغاف قلبه ووجدانه
من ذلك المشهد المزري
تقصيرا في عطاء حسنة
فأقضّ مضجعه
ولم يداعب الكرى عينيه
واستحثّ عقارب ساعة الزمن
لقدوم يوم جديد
ليسير في غداة اليوم التالي
في تلك الطرقات
علّه يلتقيه هناك
ليكفّر عن اساءة تقصيره
ولكن هيهات ان يقتفي اثره
لأن ذلك الشيخ
قد غادر الى مكان آخر
وربما الى مدينة اخرى

 

ومنذ تلك اللحظات المسيئة
يراوده مشهد الموقف
وصورة الشيخ البائس
في يقظته ومنامه
ويمعن في تأنيب ضميره في جلد ذاته
بألم ومرارة
فأسرّ في صميم جوارحه
ومعاهدا نفسه
الا يرد سائلا عونا او مالا
متجاوبا مع الآية الكريمة:
و"اما السائل فلا تنهر"

(شفاعمرو)

عبد الهادي قصقصي *
الثلاثاء 19/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع