لمواجهـة التدهـور الكارثـي باتجـاه حـــرب عدوانـيـــة مأسـاويــــة!



* ان الوضع في المنطقة مشحون بتوتر ينذر بانفجار، باشعال فتيل حرب عدوانية بقشّة، بعود كبريت يشعله التحالف الاسرا-امريكي وبتواطؤ رجعي عربي ضد لبنان او سوريا او ايران، حرب قد تشعل مآسي كارثية في المنطقة برمتها  *

في الجلسة الثالثة لمؤتمر الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة الذي عقد يوم السبت الماضي بتاريخ السادس عشر من شهر شباط الجاري في مدينة شفاعمرو، جرى التحذير من مغبة نشوب حرب مأساوية في المنطقة يعد لها التحالف الاستراتيجي العدواني الامريكي – الاسرائيلي وبتواطؤ مع عدد من الانظمة والقوى الرجعية العربية المدجنة امريكيا، وان العديد من طبول الحرب بدأت تقرع وبدأت تنتشر في الافق رائحة بارود المؤامرة الاجرامية المرتقبة.
وبرأينا ان الدافع الاساسي وراء احتمال لجوء هذا التحالف الثلاثي الاستراتيجي الدنس (الامبريالية الامريكية والنظام الصهيوني الاسرائيلي وتواطؤ الرجعية العربية) الى قيادة المنطقة لمنحدر كارثي باشعال نيران حرب عدوانية جديدة قد تكون ضد لبنان او اجتياح غزة او ضد سوريا او ايران او اشعال مواقد النار في اكثر من مكان واحد، الدافع الاساسي يعود الى الاخفاقات المتعددة وملامح الفشل الذريع الذي تواجهه استراتيجية البلطجة العدوانية التي ينتهجها محور الشر الامريكي – الاسرائيلي وخدامه بهدف الهيمنة وتدجين المنطقة وتحويلها الى منطقة ترزح تحت النفوذ الاسرا-امريكي وتستباح ثرواتها وخيراتها الطبيعية من قبل اللصوص الامبرياليين. فمن الاخفاقات البارزة نستطيع الاشارة الى ما يلي:
* اولا: فشل الحرب الاستراتيجية العدوانية الاسرائيلية – الامريكية في تحقيق اهدافها السياسية والعسكرية في لبنان، فشلها في القضاء على المقاومة اللبنانية عسكريا وسياسيا وفي اقامة نظام مدجن امريكيا اسرائيليا في لبنان يكون بمثابة مدماك في بناء مشروع "الشرق الاوسط الكبير" الاستعماري. ولا زالت اسقاطات هذه الحرب مستمرة في الداخل اللبناني بدلالة غياب الاستقرار ومواصلة الصراع بين القوى المدجنة امريكيا والقوى المناهضة لعملية التدجين ولعملية تزوير الهوية الوطنية والقومية للبنان – كما سنرى لاحقا. وتقرير فينوغراد تحدث عن فشل الحرب الاسرائيلية عسكريا وسياسيا.
* ثانيا: فشل ادارة بوش في مواجهة المقاومة المتصاعدة في العراق وافغانستان وفي ضمان الاستقرار لوجودها الاحتلالي الغاشم الذي يتكبد الخسائر الفادحة يوميا في الارواح والعتاد والتكلفة المادية.
* ثالثا: فشل مختلف وسائل الترغيب والترهيب الامريكية – الاسرائيلية من ضغوط سياسية واقتصادية في تمزيق اوصال العلاقة القائمة بين ايران وسوريا والمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية.
* رابعا: فشل الضغوطات الامريكية والاعتداءات الاسرائيلية في تدجين النظام السوري وجره الى السجود في بيت الطاعة الامريكي – الاسرائيلي، كما فشلت مؤامرات اختراق سوريا من الداخل لنشر ما يسمى "الفوضى الايجابية" في الشارع السوري من خلال الدعم الامريكي والاسرائيلي ومن بعض انظمة الخمة العربية للقوى المعارضة للنظام السوري ونشاطها لاسقاط النظام. ويجري الحديث انه جرت قبل اشهر محاولة انقلاب فاشلة في سوريا، حيث جرى دعم المتآمرين امريكيا ومن بعض انظمة الخليج المتعفنة ماليا.
* خامسا: فشل التحالف الاستراتيجي الاسرائيلي – الامريكي في فرض مشاريع حلول استسلامية  على القيادة الشرعية الفلسطينية ومحاولة تجنيز الحقوق الوطنية الفلسطينية، الحق في الدولة والقدس والعودة من خلال تصعيد جرائم الحرب والمجازر الدموية والعقوبات الجماعية والحصار التجويعي وتصعيد عمليات الاستيطان الكولونيالي في القدس الشرقية المحتلة وغيرها، ومحاولة فصل غزة عن الضفة خاصة بعد انقلاب حماس على الشرعية الفلسطينية في قطاع غزة واعتبارها "كيانا معاديا" يمارس الاحتلال الاسرائيلي ضد اهلها سياسة تصعيد الجرائم والحصار الاقتصادي الاجرامي.
امام هذه الاخفاقات ومعالم الفشل فان التحالف الاستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي لم يسلم بالامرالواقع او يتراجع عن استراتيجيته العدوانية المرسومة والدفع باتجاه تهيئة الفرص والظروف الملائمة للانقضاض واشعال فتيل حرب عدوانية استباقية او حرب خاطفة مدمرة او طويلة الامد. ومن ناحية "نظرية" يوجد اكثر من موقد مشتعل في المنطقة يمكن اتخاذه ذريعة، ومن خلال تصعيد نيرانه المشتعلة لتفجير حرب كارثية. احدى هذه البؤر، الموقد المشتعل على الساحة اللبنانية الذي لا يعرف الاستقرار والهدوء منذ اكثر من ثلاث سنوات. فعلى الساحة اللبنانية يدور صراع على ساحة مفروزة بالطول وبالعرض والى اعماق العمق بين قوتين لبنانيتين لها امتدادهما الاقليمي، قوة مبلورة من تحالف في مركزه حزب الله وباقي قوى المقاومة اللبنانية والحزب الوطني الحر برئاسة عون ومدعومة من النظامين الايراني والسوري وتتخذ موقفا مناهضا للهيمنة الامريكية في لبنان والمنطقة، وقوة من تحالف قوى 14 آذار المؤلفة من تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري والحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط والقوات اللبنانية برئاسة الفاشي سمير جعجع وغيرهم، وهذا التحالف مدجن امريكيا اسرائيليا وله اكثرية في البرلمان اللبناني.
بعد فشل الحرب الاسرا-امريكية على لبنان في تحقيق اهدافها بضرب المقاومة اللبنانية واقامة نظام مدجن في لبنان تعول الاستراتيجية الامريكية – الاسرائيلية على قوى 14 آذار او"الموالاة"ان تكون الوسيلة لتحقيق هذين الهدفين، ان تخلقا ظروفا مؤاتية تكوّن ذريعة "منطقية" لشرعنة نشوب حرب "تكتسب مصداقية" في الرأي العام العالمي! وقد اشرت في معالجة نشرتها في ملحق "الاتحاد" يوم الجمعة الماضي عن الازمة اللبنانية وتصعيد قوى الموالاة وخاصة وليد جنبلاط وسمير جعجع للحملة التحريضية الاستفزازية ضد المعارضة وخاصة ضد حزب الله وذلك بسبب عدم رضوخ المعارضة لصلف الموالاة واستئثارها بالسلطة وعدم موافقتها على مشاركة المعارضة في حكومة وحدة وطنية وبشكل يعكس حقيقة وزنها السياسي في لبنان. ويتضح ان هذا التصعيد عشية الذكرى السنوية الثالثة لاغتيال الحريري من قبل الموالاة لم يكن صدفة، بل كان جزءا عضويا من مخطط تآمري تنسج خيوطه ليس فقط في الدهاليز المعتمة لتحالف 14 آذار اللبناني بل في واشنطن وتل ابيب ايضا. ففي الوقت الذي كان فيه وليد جنبلاط يستفز بشكل سافر المقاومة اللبنانية، في نفس اليوم أسمعت ابواق "البيت الابيض" الامريكي عواء الذئب الامريكي، اعلان بوش الجديد بتصعيد العقوبات على سوريا ليشمل شخصيات مسؤولة في النظام السوري وبادعاء ان النظام السوري يمنع الاستقرار في لبنان!! ولم يمض اكثر من يوم واحد على قرار البلطجة الامريكية ضد سوريا حتى ارتكبت ليلة الاربعاء الماضي جريمة اغتيال القائد العسكري البارز، قائد ابطال المقاومة اللبنانية وحزب الله عماد مغنية في سوريا، واصابع الاتهام تتجه نحو اسرائيل المسؤولة عن هذه الجريمة. وحسب ما نشرته صحيفة "ساندي تايمز" البريطانية انه بعد ثلاثة ايام من اغتيال عماد مغنية وفي يوم جنازته دعا رئيس الحكومة اولمرت رئيس المخابرات للعمليات الخاصة في "الموساد الاسرائيلي" مئير دغان الى مكتبه في القدس حيث اثنى على نشاطه وبشرّه بانه سيمدد له مدة خدمته في الموساد!!
لقد استهدف المجرمون من اغتيال عماد مغنية مقدمة لانفجار برميل بارود كارثي، ان يخلق اجواء من البلبلة على مختلف ساحات الصراع. فاغتياله على الارض السورية استهدف ليس فقط استفزاز النظام السوري والاستهتار بالسيادة الوطنية والكرامة الوطنية السورية، بل استهدف ايضا اختراق الوسواس الخناس للعلاقات بين سوريا والمقاومة اللبنانية، زرع بذور الشك وكأن سوريا هي من اغتالته وان النظام السوري يتعاون بالسر مع اسرائيل ضد المقاومة، ومن استمع الى خطابات وليد جنبلاط وسعد الحريري وغيرهما في مهرجان الذكرى السنوية لاغتيال رفيق الحريري يوم الخميس الماضي، لاحظ بأنهم وجهوا اصبع الاتهام والمسؤولية عن اغتيال مغنية الى النظام السوري وليس الى المجرم الحقيقي اسرائيل وامريكا حليفهم في المؤامرة.
كما استهدف المجرمون من وراء اغتيال عماد مغنية جذب حزب الله الى القيام بأعمال مغامرة وبرد فعل انتقامي: فاغتيال مغنية ادى الى تصعيد حدة التوتر بين قوى الموالاة وقوى المعارضة، الامر الذي ادى يوم السبت الماضي الى صراع محدود بالسلاح الحي في بعض احياء بيروت بين مسلحين من كتلة المستقبل (الموالاة) ومسلحين من "امل" الشيعية. ما يثير المخاوف ان تعمل اجهزة الظلام الامريكية والاسرائيلية عن طريق عملائها وخدامها على تأجيج الصراع الى درجة تفجير حرب اهلية في لبنان بين قوى المعارضة والموالاة تقود الى تدخل عسكري امريكي او اسرائيلي "بطلب" من حكومة الموالاة غير الشرعية لحسم الصراع او الاصح لاشعال حرب كارثية قد تقود الى جر سوريا وايران الى ساحتها.
والخطر الثاني، انه لوحظ تحرك وتعزيز وزيادة القوة العسكرية الاسرائيلية على الحدود مع لبنان والادعاء بان حزب الله وجه حوالي خمسين الف مقاتل الى الجنوب اللبناني وعلى الحدود مع اسرائيل. وليس من وليد الصدفة ان يختار رئيس الحكومة ايهود اولمرت هذا الظرف المشحون بالتوتر للاعلان (صحف يوم 17/2/2008) في الصحف عن النية في الاعلان عن الاسيرين الاسرائيليين لدى حزب الله انهما في عداد الاموات، فهذا ما علم بعد زيارته الاخيرة لالمانيا. ان هذا الاعلان بمثابة سلاح في الحرب النفسية لكسب عطف الشارع الاسرائيلي والعالمي وتأييده لمغامرة حرب جديدة ضد لبنان، خاصة وان ذلك جاء في وقت تجري فيه المبالغة بحقيقة القوة العسكرية لحزب الله وان الشهيد مغنية زود حزب الله بصواريخ ذات قدرة لحمل رؤوس كيميائية!!
لقد اعلن رئيس حزب الله الشيخ حسن نصر الله عن حرب مفتوحة ضد اسرائيل، والواقع ان من يقوم بالحرب المفتوحة العدوانية هي امريكا واسرائيل، ونحن الذين نرى من الحق الشرعي والانساني مقاومة المحتلين والغزاة المعتدين لا نرى من الحكمة وليس صحيحا ونرفض الدعوة وكأن الحرب المقبلة ستكون القضاء على دولة اسرائيل، فمن يستفيد من هذا التصريح هي اسرائيل المعتدية لتجنيد الرأي العام ودعمه لجرائمها ضد شعوب المنطقة. ورأينا في هذا الاسبوع وفي ظل احتكار وسائل الاعلام لتغطية اخبار اغتيال مغنية واسقاطات تصعيد الجرائم والمجازر التي يرتكبها المحتل الاسرائيلي في قطاع غزة ضد المدنيين والمقاومين والتهويل الاعلامي الاسرائيلي لقوة حماس العسكرية وربطها بايران وحزب الله وسوريا تهيئة لشن اجتياح عسكري اجرامي للقطاع ودفن الحق الفلسطيني الوطني باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ان الوضع في المنطقة مشحون بتوتر ينذر بانفجار، باشعال فتيل حرب عدوانية بقشّة، بعود كبريت يشعله التحالف الاسرا-امريكي وبتواطؤ رجعي عربي ضد لبنان او سوريا او ايران، حرب قد تشعل مآسي كارثية في المنطقة برمتها، ولهذا فان مهمة الساعة العمل لاقامة اوسع جبهة عريضة عربية – يهودية لمنع وقوع الحرب. مهمة الساعة اقامة اوسع الجبهات الكفاحية العريضة من مختلف القوى الوطنية واليسارية في مختلف بلدان المنطقة لمواجهة التدهور الخطير نحو الحرب، مواجهة المخططات الكارثية للتحالف الامريكي – الاسرائيلي – الرجعي العربي.

د. أحمد سعد *
الثلاثاء 19/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع