ألعرب والغرب: ألعوائق المعرفية!



نزعم أن الغرب لا يعرف حقيقة العرب ، وبالمقابل العرب لا يعرفون حقيقة الغرب، فهل حقا أن هذا "الجهل" المتبادل بين الطرفين هو الحقيقة "الغائبة" عند هؤلاء وأولئك؟ إلى أي حد يوحي هذا الزعم؟ أو بالأحرى كيف يصح هذا الزعم مع وجود هذا الزخم الكبير من الإنتاج الفكري حول "العرب" من جهة أولى و"الغرب" من جهة ثانية وحول العلاقة بينهما من جهة أخيرة؟
إن الجواب المبدئي عن هذا السؤال هو أن تلك الكتابات التي تزخر بها الساحة العربية والغربية على السواء هي التي تقدم الدليل على صحة هذا الزعم المتعلق بالجهل المتبادل بين الطرفين..
فالناظر في عناوين معظم الإنتاج الفكري الذي يصدر في العالمين العربي والغربي، "يصدمه" ذلك التقابل بين "العرب" من جهة و"الغرب" أو أوروبا من جهة أخرى. هذه الثنائية هي التي تكرس حقيقة هذا الجهل المتبادل بينهما. وهذه الثنائية تقدم دائماً في صورة "مواجهة" مرات، وفي صورة "ممانعة" مرات أخرى، فصبغة المواجهة "الصراع"، وسمة الممانعة "الدفاع".
وماذا عن "الحوار" المنادى به هنا وهناك بديلاً للصراع؟ وعن "التسامح" بديلاً للعنف؟ إن الصراع أو الصدام كثابت من ثوابت الغرب التاريخية ليس أساسه وجود الحضارات وميلاد الثقافات، بل قاعدته التأسيسية هي "الجهل المتبادل" بينهما. فحقيقة الصراع أو الصدام ليست صراع الحضارات والثقافات أو صدامها بل هو "صدام الجهالات" بها.
لماذا يحل "الجهل" محل "المعرفة" الحقيقية عند كلا الطرفين؟ وهل يمكن "التأريخ" له لديهما: بداياته ومراحله وأزمنته ومنطلقاته الجغرافية وتعدد مواقعه وأمكنته؟
عوائق التواصل المعرفي: نعتقد من جهتنا أنه للتحرر من أسر هذه الثنائية بدل مواصلة الاجترار القائم للأفكار حول انعدام الحوار وحول العنف والتسامح وحول "نهاية التاريخ" أو استمراريته، لا بد لنا من التوقف للبحث عن العقبات أو العوائق لدى كلا الطرفين، والتي تكرس الجهل المتبادل بينهما، وتمنع بالتالي من حصول أو تحصيل "المعرفة شبه الموضوعية" لدى كل واحد منهما بالآخر.
فما لم يتم تخطي هذه العقبات أو "العوائق المعرفية" لدى كلا الطرفين فإن الثنائية المشار إليها أعلاه ستظل قائمة، والصمود في مواقع "الدفاع" بسبب الصراع القائم بين الطرفين سيبقى هو الثابت المتقاسم بينهما.
كيف نشأت وتشكلت هذه العوائق المعرفية ما سبب أو أسباب صمودها وثباتها وكأنها فوق العقل والتاريخ؟ كيف أدت هذه العوائق إلى تشكيل بنية من التصورات والتمثل حول الأنا والآخر أو حول "العرب والغرب"، والتي لا تزال هي "المرجعية" الثابتة التي تتحكم في الإنتاج الفكري الذي يصدر عن كلا الطرفين أحدهما عن الآخر؟
أما فيما يتعلق بعوائق العالم العربي تجاه معرفة حقيقة الغرب، فيمكن اعتبار الجهل بتاريخ الغرب "الديني والفلسفي والفني والأدبي..." عائقا أساسيا، عن هذا الجهل تصدر العداوة لكل ما يصدر عن الغرب أو يمتّ إليه بصلة "الحداثة، العلمانية، الدمقراطية، حقوق الإنسان..." وكذلك الجزم والاعتقاد لدى العرب بامتلاك "الحقيقة" كاملة، واعتبار أن الغرب "كتلة واحدة" دون تمييز بين غثه وسمينه وعلمه وأيديولوجيته.
إن البقاء أسرى العموميات يحول دون معرفة علمية دقيقة وعميقة بالطرف الذي نريد محاورته أو التعاون معه أو التعارف بيننا وبينه.
بحضور الجهل يغيب الإبداع والوعي المتجدد للمنطلقات والوسائل والأهداف: غياب المواكبة لما يجد ويتجدد في الغرب والعالم، غياب المؤسسات والمعاهد والمراكز، غياب الترجمة، غياب العلوم الإنسانية. وبحضور الجهل يحضر الفقر المدقع في مضامين وسائل الإعلام وضحالتها وضعفها.
تلك هي أهم العقبات والعوائق التي تقف في وجه هذا الطرف أو ذاك وتحول دون حصول معرفة حقيقية لأحدهما بالآخر.

(شفاعمرو)

روان يوسفين*
الأثنين 18/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع