"الإسلام.. الدين المساء فهمه"



عندما وقعت الثورة الإيرانية عام 1978 وخلال أزمة الرهائن وجد معد الأخبار المساعد لبرنامج " توادى شو" انه من الضروري ان يفسر قراءته للأخبار لكي يقدم للأمريكيين خلفية مختصرة عن الإسلام، فقدم توضيحا بالغ الاختصار مفاده: أن الإسلام يعتبر الديانة العالمية الثانية، وله نص مقدس هو القرآن ونبي يدعى محمد.
كانت هذه المعلومات الأساسية تبدو ضرورية للمشاهدين في واحدة من أكثر أمم العالم تقدما وتعليما أعني الأمة الأمريكية، رغم حقيقة أن الإسلام يعد الدين الثاني على مستوى الديانات العالمية، ويشمل أكثر من 50 دولة.
معرفة الغرب وخاصة أمريكا بالإسلام وصلته بالتراث اليهودي والمسيحي الغربي تبقى ضئيلة أو معدومة.
والمسيحية الغربية تعبر عن تقديرها للتوافق مع اليهودية، من خلال خلق ما يسمى تراثا يهوديا مسيحيا مشتركا يتعاملون مع الدين الإسلامي، من خلال تشويهه، على أنه دين أجنبي، غير غربي، يجب وضعه خارج الحضارة الإنسانية، مع أن حقيقة الإسلام كدين، مثل اليهودية والمسيحية لديه أصوله الخاصة في الشرق الأوسط وأنه يتضمن الاعتقاد بالجنة والنار ويوم القيامة، ويعترف بالأنبياء من العهدين القديم والجديد بما فيهم إبراهيم، موسى، وعيسى، وهذه الأمور البسيطة غير معروفة للأغلبية الكبيرة من مسيحيي الغرب من خلال عملية تعتيم وتشويه لهذا الدين، من اجل تشويه الوعي الجماعي للشعوب الأوروبية وخاصة الشعب الأمريكي لكي تسهل عملية تصوير الشعوب الإسلامية كشعوب معادية ولكي تبرر عملية العداء للإسلام وتصويره كدين إرهابي يجب محاربته في شتى المجالات الثقافية والإعلامية والعلمية والاقتصادية والسياسية، ولكي تبرر الحروب العدوانية الاستعمارية التي تشنها أمريكا ضد شعوب المنطقة العربية الإسلامية.
كم عدد اليهود والمسيحيين الغربيين الذين يعرفون، ومنهم يعرف ولا يريد أن يتقبل، بأنهم يشاركون المسلمين في كونهم "أبناء لإبراهيم"  وكم منهم يعرف بأن القرآن يقرر: "آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد".
وكم من هؤلاء المسيحيين الغربيين الذي رضعوا الحضارة العنصرية الشوفينية، المعتمدة على التراث المسيحي الصهيوني الخادم لسياسات الرأسمال الغربي، يتعاطف أو على الأقل يعرف بالكارثة التي حلت بالشعب العربي الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه، من احتلال، وتدمير وقتل الأطفال، ووجود ملايين من اللاجئين خارج فلسطين، وداخل فلسطين وإسرائيل، حيث يعيش عشرات الآلاف من الأقلية القومية العربية الفلسطينية كغرباء في وطنهم أو وجود أكثر من 160 قانونا إسرائيليا يميز ضد الأقلية القومية الفلسطينية داخل إسرائيل منها قانون "الحاضر غائب". وكما أقر أحد أعضاء مجلس الشيوخ "أنا اعرف الكثير بشأن العديد من الأشياء، ولكني لا اعرف شيئا عن الإسلام والعالم الإسلامي- وكذلك الأمر--- بالنسبة لمعظم رفاقي".
"لقد اتخذت قراري لا تربكني بالحقائق" ولكن إحدى الحقائق الأساسية التي يجب أن نأخذها في الاعتبار هي أن الإسلام يعد الديانة الثانية والأكثر تناميا من حيث المنتمون إليه ليس فقط في الخارج ولكن ايضا في أوروبا وأمريكا.
وفقط من خلال التعامل مع المسلمين بعيون جديدة، متقبلة، ومتفهمة، وتحكم على الإسلام بشكل شامل وعلى أساس تعاليمه الشمولية الإنسانية، وليس من خلال النظرة العنصرية، الشوفينية للتراث الصهيوني المسيحي الغربي ومعاييره المزدوجة، نستطيع أن نخلق بين الديانات الثلاث تفاعلا حضاريا جدليا مبدعا ومتقبلا وإنسانيا وكذلك يجب التأكيد على أن العلوم والتكنولوجيا، والثقافة والأخلاق والفلسفة أي البناء الفوقي للمجتمع، ليس لها حدود معينة ميكانيكية تفصل بين الشعوب، وليست ملكا لهذا الشعب أو ذاك أو دين بعينه. فأعداد المسلمين والعرب الذين يلتحقون بمجال العلوم تتزايد، كما يعمل العديد منهم في أفضل الجامعات في الولايات المتحدة، وأوروبا، وفي الغرب أو في العالم الإسلامي وفي الحقيقة خاصة في فترة العولمة، تحدث عملية تداخل وتفاعل بين الحضارات، ولقد كانت الشعوب العربية والإسلامية في مرحلة القوة والتأثير تتسم بالانفتاح والتعددية، والتفاعل الجدلي من خلال عملية الإبداع والتلقي مع الحضارات الأخرى، وهذا ما نحن بحاجة إليه اليوم ولكي نصمد وننتصر أمام الحضارة الغربية المعتمدة على التراث اليهودي المسيحي الغربي (ولا أقول الشرقي) المشوه لماضينا وحاضرنا والتي تريد أن تلغي أي دور حضاري ايجابي إنساني لهذه الأمة أي الأمة العربية في المستقبل.

د. خليل اندراوس *
الأثنين 18/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع