رسالة الشهيدة ريتشيل كوري الأخيرة إلى والدتها، قبل مقتلها



يوم الأحد 16/3/2008 تحل الذكرى الخامسة لمقتل راشيل كوري،الفتاة الأمريكية، التي قررت أن تترك مدينتها وأن تترك الرخاء الأمريكي، لتنضم الى المنظمة العالمية للتضامن مع الشعب الفلسطيني. قبل خمس سنوات في هذا اليوم، وقفت ريتشيل أمام البولدوزر الاسرائيلي، محاولة منعه من هدم بيت فلسطيني، ولكن السائق، الجندي في جيش الدفاع الاسرائيلي لم يابه بها، وداسها عن سبق اصرار...قبل مقتلها بيومين، كتبت رسالة لأمها، شهادة حية عن معاناة الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه صرخة انسانية تقول: على هذا أن يتوقف. وقد اختار مسرح الميدان والمخرج رياض مصاروة هذا التاريخ للعرض الاحتفالي لمسرحية:"اسمي راشيل كوري" ليكون احياء لذكراها.
المسرحية من اخراج رياض مصاروة وتمثيل لنا زريق، ومن ترجمتهما.


رسالة ريتشيل الأخيرة:


أمي!
تجتاحني كوابيسٌ مزعجة عن دبابات وبولدوزرات خارج بيتنا، وأنت وأنا في الداخل. أحيانًا يعمل الأدرينالين كالمخدّر لأسابيعَ عدة- وفي الليل أشعر بصفعة الواقع. أنا حقًا خائفة على الناس هنا. في البارحة شاهدت أبًا يقود طفليه بيديه في مجال رؤية الدبابات وأبراج القناصين والبلدوزرات، ظانًا أنهم سيفجرون بيته. كان ذلك خطأنا في الترجمة التي جعلته يظن ذلك، مع أني متأكدة أنها فقط مسألة وقت. في الحقيقة، كان الإسرائيليون منهمكين في عملية تفجير في الأرض المجاورة. أنها نفس المنطقة التي حجز فيها 150 رجلاً خارج المستوطنة تحت تهديد السلاح، في حين دمرت الدبابات والبولدوزرات 25 دفيئة- مصدر رزق 300 إنسان. الغريب في الأمر أنه شعر بأقل خطورة أن يمشي مع طفليه أمام الدبابات على أن يبقى في البيت. كنت خائفة جدًا أن يُقتلوا وحاولت أن أقف بينهم وبين الدبابات. هذا يحدث كل يوم، ولكن ذلك الأب الذي خرج مع أولاده حزينًا لفت نظري أكثر في هذه اللحظة بالذات، ربما لأنني شعرت أن المشكلة في ترجمتنا هي التي دفعته أن يغادر.
فكرت مليًا في الذي قلته عن أن العنف الفلسطيني لا يفيد. 60،000 شخصًا من رفح كانوا يعملون في إسرائيل قبل سنتين. اليوم فقط 600 يستطيعون الذهاب للعمل هناك. كثيرون من هؤلاء 600 غيروا سكناهم لأن سفرة الأربعين دقيقة قد تصل 12 ساعة أو لا تصل بالمرة.  مصادر التنمية الاقتصادية دُمرت كليًا- المطار (مسالك الطيران دمرت، أغلق كليًا)؛ الحدود التجارية مع مصر (يتوسطها برج القناصين)؛ المعابر إلى البحار (قطعت تمامًا في السنتين الأخيرتين). الطبقة الوسطى اختفت في الآونة الأخيرة. وصلتنا تقارير عن إيقاف شاحنات الزهور الغزاوية إلى أوروبا من أجل التفتيش لمدة أسبوعين. يمكنك أن تتخيلي قيمة الزهور التي مر على قطفها أسبوعان، فجف سوقها. وفوق كل ذلك تأتي البولدوزرات وتجرف الخضار والبساتين. ماذا تبقى للناس؟ قولي لي إن كان بإمكانك التفكير بأي شيء. أنا لا أجد شيئًا.
عندما يقول شخصٌ أن أي عمل عنف فلسطيني يبرر العمليات الإسرائيلية- فأنا لا أشك فقط في هذا المنطق على ضوء القانون الدولي والحق في الصراع المسلح دفاعًا عن أرضهم وعائلاتهم؛ أنا لا أشك فقط في هذا المنطق على ضوء وثيقة جينيف الرابعة، التي تمنع العقاب الجماعي، وتمنع توطين سكان البلد المحتل في أرضٍ يحتلونها، وتمنع مصادرة مصادر المياه وتدمير البنى التحتية المدنية كالمزارع؛ أنا لا أشك فقط في هذا المنطق على ضوء الفكرة أن سلاحا روسيا عمره خمسون عامًا وبعض المتفجرات من الصنع البيتي قد تؤثر على عمليات أحدى أكبر ترسانات السلاح في العالم، المدعومة من القوة العظمى الوحيدة في العالم، أنا أيضًا أشك في هذا المنطق على أساس الإحساس الفطري. 
إذا أيٌ منا خنقت حياته ورفاهيته وعاش مع أطفال في مكان يضيق، حيث يعرف أنه هناك جنودا ودبابات وبولدوزرات قد يداهمونه في كل لحظة، بدون أية وسائل معيشية وبيوتنا مدمرة؛ إذا دمروا دفيئاتنا التي بنيناها منذ ألله أعلم كم من الوقت ألا تعتقدين، أن أغلب الناس في حالة مشابهة، سيدافعون عن أنفسهم قدر استطاعتهم؟                   
سألتني عن المقاومة السلمية، فذكرت لك الانتفاضة الأولى. الأغلبية العظمى من الفلسطينيين اليوم، على حد علمي، منخرطين في المقاومة السلمية الغاندية. عند من تعتقدين أنني أعيش، أعيش في بيوتٍ ستهدم عاجلاً أم آجلاً جراء القصف. من يُجند من قِبَل مراكز حقوق الإنسان؟ ما هي هذه الحركة الفلسطينية التي التحقت بها والتي تنخرط في العمل السلمي المباشر؟ من هي تلك العائلات التي أتحدث إليك عنها، التي ترفض أية نقود منا على الرغم من أنهم فقراء جدًا، جدًا فقراء، والذين يقولون لنا "نحن لسنا بفندق. نحن نساعدكم لأننا نأمل أن تذهبوا وتقولوا للناس في بلادكم أنكم عشتم مع مسلمين. نؤمن أنهم سيعرفون أننا أناسٌ طيبون. نحن بشرٌ هادئون. نحن نريد فقط السلام". أتظنين أنني أتجول مع المقاتلين من حماس؟ هؤلاء الناس تطلق عليهم النار يوميًا ولكنهم يتابعون أشغالهم قدر المستطاع في ظل المكنات الحربية وقاذفات الصواريخ. أليس كل ذلك خلاصة المقاومة السلمية؟
عندما وقع الانفجار البارحة تكسرت جميع شبابيك بيت العائلة. كنت في مرحلة شرب الشاي واللعب مع الطفلين الصغيرين. أمر في وقت عصيب الآن. داخلي يتمزق لكوني محضونة بحنيّة من قبل أناس يواجهون هلاكهم. أنا أعلم أن ذلك سيسمع في أمريكا كشيء مبالغ فيه. إن كرم الناس هنا وتزاوجه مع الدمار المُتَعَمَّد في حياتهم كثيرًا ما يبدو لي كشيء غير واقعي. أنا لا أصدق أن شيئًا كهذا يحصل في العالم دون صرخة احتجاجٍ مدوية. هذا يؤلمني، مجددًا، مثلما آلمني في الماضي أن أشهد كيف نسمح للعالم أن يصبح مرعبًا بهذا الشكل.
منذ زمن بعيد وأنا أنطلق من الافتراض بأننا كلنا في جوهرنا متشابهون، وأن اختلافاتنا ثانوية وظرفية إلى حدٍ كبير. ذلك ينطبق على الجميع- بوش، بن لادن، طوني بلير، أنا، أنت، سارة، كريس، بابا، غرام، الفلسطينيين، جميع الطوائف الدينية. أعرف أنه وارد بالحسبان أن تكون هذه الفرضية خاطئة. ولكنها مريحة، لأنها تقود دائمًا للأسئلة عن الامتياز الذي يحمي الناس من نتائج أفعالهم. أنها مريحة أيضًا لأنها تقود إلى التسامح إلى حدٍ ما، مبررًا كان أم لم يكن.
هذه أنانيتي ورغبتي في التفاؤل اللتان تريدان التصديق أنه حتى الناس الذين يملكون الامتياز لا يجلسون مكتوفي الأيدي غير محركين ساكنًا. الثمن الذي ندفعه هنا هو بالفعل جريمة. ربما التمايز الطبقي المتنامي باستمرار في العالم والدمار الناتج عن التحكم في حياة الناس هو جريمة أكبر. وجودي هنا حتمًا سيوعيني لمعنى أن تكون فلاحًا في كولومبيا مثلاً. على كل حال أنا أهذي. أريد فقط أن أقول لأمي أنني خائفة حقًا، وأنني أشك في أيماني الأساسي بطبيعة البشر الطيبة. على هذا أن يتوقف. أعتقد أنه على جميعنا أن نترك كل شيء وأن نكرس حياتنا لنوقف ذلك. لم أعد أعتقد أن في ذلك أي تطرف. مازلت أريد الرقص على أنغام بات بناتار وأريد أن يكون عندي صاحب وأرسم الكاريكاتير لزملائي في العمل. ولكني أيضًا أريد لذلك أن يتوقف. فقدان الإيمان والرعب، هذا ما أشعر به. خيبة أمل. خائبة الأمل من أن هذه هي قاعدة واقع عالمنا وأننا، في الحقيقة، شركاء فيها. هذا ليس ما طلبته عندما أتيت إلى هذا العالم على الإطلاق. هذا ليس ما طلبه الناس هنا عندما أتوا إلى هذا العالم على الإطلاق. هذا ليس ما يطلبونه اليوم أيضًا. هذا ليس العالم الذي تمنيتموه لي عندما قررتم إنجابي. هذا ليس ما قصدته وأنا في الثانية من عمري عندما نظرت إلى كابيتال ليك وقلت، "هذا هو العالم الرحب وها أنا آتية".
عندما سأعود من فلسطين ستجتاحني الكوابيس وسيؤنبني ضميري باستمرار على أني لست هنا، ولكني أستطيع أن أحول ذلك إلى المزيد من العمل. مجيئي إلى هنا كان من أفضل ما فعلت في حياتي.
أحبك أنت وأبي. أسفة على النقد العنيف.
بابٌ يُفتح.
أوكي، أغراب يقدمون لي البازيلاء، فعلي أن آكل وأشكرهم.
تترك.

السبت 16/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع