هذا هو مرسيل خليفة الذي عرفناه



غالبا ما تتناقض الثنائيات وتتنافر إذا اجتمعت، ولكنها سرعان ما تتآلف عند مرسيل خليفة لتكوّن مصدر غنى شخصيته.
شخصية أنيقة، جميلة، مثقفة، حالمة، موضوعية، عقلانية، علمية.
متفرد بتميزه ومتعدد بثقافته، عصفور يغرد ويحلق بعيدا بعيدا، ينشد الأمل والحب والحرية والسلام والجمال.
إطلالته على شاشة روتانا ضمن برنامج (ضد التيار) أضاء لنا شمعة أمل ونحن مقبلون على عام جديد. مرسيل خليفة وضع الأفكار والمفاهيم التي طالت الثقافة والسياسة والفكر والفن في أقنيتها وأمكنتها المناسبة بجرأة وشفافية قل نظيرهما. أعلن ماركسيته وتمسكه بمرجعيته الفكرية وأن الرأسمالية لا يمكن أن تكون بديلا للشعوب، وماركسي بعيد عن المذهبة والعقيدة التي تحول الفكرة إلى دين فتقتل التجدد والإبداع، نقده للأشكال البائسة والمتواضعة للعمل الحزبي، نقده لليسار العربي وتحديات نهضته ووحدته، أعلن تمسكه بالدين كحالة روحية لأنه مصدر غنى وتنوع، ولكنه ضد الدين عندما يتحول إلى وظيفة ويتمأسس، يحترم المسيح ويمقت رجال الدين ولكن ليس كل رجال الدين، وهنا استحضر الرائع عبد الله العلايلي وغريغوار حداد نموذجين حقيقيين لرجال الدين، مقته للغيبيات وإيمانه المطلق بالعلم وجرأته بنقد الأنظمة العربية الإلهية المحتلة لعروشها الأبدية.
نشدانه الحرية والديمقراطية والعدالة ونقده للصيغة الطائفية التي يعاد تكريسها وإنتاجها من قبل الداخل والخارج، والحل برأيه يكمن بعلمنة النظام السياسي. العراق وفلسطين كانتا حاضرتين دوما، وتأسف لحالة التشرذم والانقسام التي آلت إليها الأوضاع ولم يسلم من نقده أيضا الممولون العرب وأصحاب البترودولار المسؤولون عن ثقافة الابتذال والانحطاط.
مرسيل خليفة هو ابن الناس لا يريد وسيطا بينه وبينهم، لا تعنيه المظاهر الباذخة ولا السيارات الفارهة ولا المرافقة كأغلب السياسيين العرب.
 هو الثائر دائما، يختزن التمرد والرفض من أجل التغيير، لا يرتكن إلى السائد والمألوف، لم يبتكر صيغا تعايشية وتجاورية كالتي يتمتع بها أغلب رموزنا لتكريس الامتثال والخضوع والتخلف.
هو المقاوم والملتزم ولكن ليس بالمعنى الضيق للكلمة، حوّل المقاومة والالتزام إلى حالة خاصة به، المقاومة تكون باللحن وبالقصيدة، وبالحب وبالجمال، محطما بذلك القوالب الجاهزة والمشوهة لمفهوم المقاومة والالتزام.
ويبقى للحب وللمرأة الحيز الأكبر عند مرسيل، تكلم بشفافية ودفء العاشق دوما وأبدا، وكأنه يكتنز أنثى داخله، وهو الذي يقر بأن شخصيته أنثوية، يمقت عالم الفحولة، فالأنثى تضفي الجمال والحب والحنان أينما وجدت.
هو في حالة عشق وحب دائمة، أينما كان الحب يجب أن نكون دون الالتفات إلى المقدس الديني والاجتماعي والسياسي.
لم يتعالَ على وجع الناس بل ما زال مؤمنا بهم وبهمومهم وبقضاياهم، الإيمان من موقعه هو الارتقاء بالذائقة الجمالية للناس عندما يقدم مشروعا موسيقيا أو أغنية تختزن الثقافة والحب والعنفوان والحرية.
وأنت تصغي إلى مرسيل خليفة تعود بك الذاكرة إلى الزمن الجميل يحرض فيك النوستالجيا، نوستالجيا  ليست فعل تذكر واستحضار وإنما فعلا إبداعيا ونقدا من أجل صوغ الأفضل والأجمل.
مرسيل خليفة، وحَّدْتَ العالم العربيَّ بك واتسع برؤياك نموذج للفنان المثقف، الفنان المشروع. لو يتواضع قليلا قادة أحزابنا ويجيدون الإصغاء إليك لأنك (الفرد ـ الحالة) لتصوغ من أفكارك معنىً للثقافة ـ النقدية ـ الجدية التجديدية والجمالية والإنسانية.
مرسيل خليفة، قسوت علينا بكل هذا المد الطافح من الحب والجمال لا أعلم إذا كنا قادرين على تحمله.
شكرا لوفائك لذاتك أولا وللناس الذين ساهمت في بلورة وعيهم المبكر.

هيفاء أحمد الجندي
السبت 16/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع