في ضوء حصيلة اقتحام الحدود الفلسطينية المصرية.. ماذا بعد؟



لا شك بأن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة ضاعف من مستوى المعاناة التي يكابدها الشعب الفلسطيني، ودون الولوج في العوامل التي سهلت على الحكومة الإسرائيلية تصعيد عدوانها، وإطباق حصارها على شعبنا في قطاع غزة التي يدركها الجميع، فان ما أريد تسليط الضوء عليه هو ما نتج عن اقتحام مئات الآلاف من أبناء شعبنا للحدود الفلسطينية المصرية، والذي جرى بتوجيه مقصود وهادف مترافقا مع حملة إعلامية ونشاط تنظيمي بدأت أولى خطواته باحتجاج نساء حماس عند معبر رفح .
من البديهي أن تبادر حركة حماس باتخاذ خطوات تحاول من خلالها إثبات وجودها وقدرتها على المواجهة ، لكنها وهي تسعى لذلك لا يجوز لها ولا بأي حال من الأحوال أن تسعي لتحقيق أجندتها الخاصة على حساب الأجندة الوطنية، ولا أن تستغل معاناة الجماهير لزجها في مخاطر غير محسوبة لتؤتي بثمار مذاقها علقم وإن بدا للبعض ظاهريا وانيا بأنها ثمار حلوة المذاق، وفي هذا الاتجاه يمكن القول بأن تدافع الجماهير لدخول الأراضي المصرية ساعد في توفير بعض الحاجات الأساسية، كما عبر عن توق الجماهير للحرية خروجا من السجن الداخلي وتعبيراته المختلفة سعيا لتنفس هواء غير هوائنا الملوث، وطمعا في العيش ولو لساعات في أجواء من الحرية بعيدا عن التوتر والقلق والخوف، وكذلك أتيحت الفرصة لكل من يسعى لهدف ما أن يحققه بسهولة، فحركة حماس استطاعت أن تدخل ما تريده من أموال وغيرة، والتجار بمختلف أصنافهم زودوا مخازنهم بما يرونه من بضائع تحقق أرباحهم المبالغ بها على حساب الفئات المسحوقة والفقيرة، والمواطن العادي تزود بما استطاع  الوصول اليه من حاجيات لمنزله أو لتجاره بسيطة تساعده في تحقيق بعض الأرباح.
وبالمقابل فقد شكل شراء البضائع ورفع أسعارها بصورة باهظة، وتخزين بعضها بهدف احتكارها مظهرا أساء لشعبنا الذي يعاني شح المواد، وهو الذي يرفع شعار تعزيز الصمود والتكافل الاجتماعي ،هذا بالإضافة إلى الرسالة السلبية التي قراءها كل المراقبين بسبب شراء أعداد ضخمة من الدراجات النارية وتفريغ السوق المحلي من العملة الصعبة ، الأمر الذي يتناقض وواقع شعب يتحدث عن فقر وضعف القدرة الشرائية، وبأن الحصار قد أصابه في لقمة الخبز والعلاج، هذا بالإضافة إلى الأجواء التي سهلت لتجار الموت تهريب بضائعهم الممنوعة .
لقد شكل الضغط البشري الهائل داخل رفح المصرية والعريش عبئا ثقيلا على المواطن المصري بالإضافة إلي تفريغ الأسواق من البضائع بسبب المبالغة في العمليات الشرائية للتجار الفلسطينيين، وقد ادي ذلك والى جانب جشع الكثير من التجار الفلسطينيين إلى رفع أسعار البضائع المصرية بصورة جنونية، هذا إلى جانب ما تم إدخاله من كميات كبيره من الدولارات المزيفة للسوق المصري، وهنا على كافة الوطنيين المخلصين إدراك أبعاد هذا التصرف المشين، والتساؤل عن طبيعة الجهة التي تقف وراء ذلك ؟ 
إن ما سبق يأتي مترافقا مع الكثير من المسلكيات التي أساءت لحرية المواطن المصري وهددت أمنه وتركت انطباعا غير مريح لديه، والتي يخجل كل مواطن فلسطيني وطني وغيور بان تنسب لأبناء شعبه.
إن اخطر ما يمكن الإشارة له في هذا الصدد ما مارسه بعض عناصر حركة حماس المسلحة داخل الأراضي المصرية، الأمر الذي شكل انتهاكا للسيادة المصرية، وأعطى انطباعا أساء للعلاقة الفلسطينية المصرية القائمة على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لكل طرف .
وعلى صعيد أخر فان سعي حركة حماس لفرض أجندتها ورؤيتها ومواقفها على المصريين دون اعتبار للواقع القائم، والذي ابتداء بتفجير الحدود مرورا بالتصريحات والمواقف وانتهاء - أمل ذلك - بالتصعيد الإعلامي، قد شوه أسس العلاقة الثنائية الأمر الذي لا يساعد في الإسراع بتحقيق هدف إنهاء الحصار الظالم، كما يمنح إسرائيل هدية طال انتظراها وهي أولا إعفائها من تحمل مسئوليه الحصار وتبعاته، وثانيا استفادتها من الخلط في أولويات الصراع بموجب الأجندة الفلسطينية بحيث يحرف التناقض الرئيسي مع الاحتلال لصالح صراعات جانبية ليست هي في الوارد الوطني، ولا تنسجم والإستراتيجية الفلسطينية .
إن المراقب للأحداث يدرك حجم التحول في الموقف المصري على المستويين الرسمي والشعبي من حركة حماس، الأمر الذي نتمنى أن لا يمس بمستوى التعاطف الإنساني والقومي مع شعبنا الذي رفض الكثير من المسلكيات المواقف التي ترافقت والأحداث الأخيرة، والتي عبر عنها وما زال بردود فعل متعددة تؤكد وحدة الشعبين وعلاقتهما الإستراتيجية المتينة، والاحترام لمصر قيادة وشعبا. أملا أن تعيد حركة حماس النظر في مواقفها انطلاقا من أن ما يسيء لها يسيء لعموم أبنائه .
إن هذه التطورات تفرض من جديد حقيقة أن يتحمل شعبنا وقيادته المسئولية اتجاه وقف حالة التدهور الكارثي الذي ننحدر إليه، وفي مقدمه ذلك الحفاظ على الوحدة السياسية لشعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنهاء حالة الانقسام الداخلي، وهذا ما تمتلك مفاتيحه حركة حماس من خلال التراجع عن انقلابها في قطاع غزة، وكذلك الحفاظ على الوضع القانوني لقطاع غزة باعتباره جزء من الأراضي المحتلة عام 67، وبأن إسرائيل هي من تتحمل بالأساس مسؤولية الحصار والعدوان المستمر على شعبنا في غزة كما في الضفة الغربية والقدس .
إن من شأن ذلك الحفاظ على بوصلة النضال المشترك ضد الاحتلال الإسرائيلي باعتباره العدو المركزي، كما يعيد شكل العلاقة والتحالفات إلى وضعها الطبيعي على قاعدة تعزيز الدعم العربي والدولي لقضيتنا ولشعبنا، ورفض التدخل في شؤوننا الداخلية، واحترم سيادة الغير على أرضه، وكذلك عدم التدخل في شؤونه الداخلية، وفي مقدمه ذلك العلاقة مع الشعب والحكومة المصرية التي تشكل أساس العلاقات الفلسطينية العربية .
وإن كان ذلك شرطا لتحقيق المزيد من المكاسب على المستوى الوطني، فان كسر الحصار القائم لا يمكن أن يتحقق بالمغامرات والفهلوة السياسية، وإنما بفتح المعابر وفي مقدمتها المعبر الفلسطيني المصري بإدارة السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها الجهة الرسمية والقانونية المسؤولة عن ذلك، وكذلك بالعمل على وضع حد للسياسة الإسرائيلية التي أعاقت وتعيق فتح وعمل المعبر بحرية، وبما يضمن فتحه بصورة دائمة، ويؤمن لجميع أبناء الشعب الفلسطيني المرور عبره بحرية وكرامة دون استثناء .
أخيرا وبرغم زحمة المواقف وما حدث، فان شعبنا لن يفقد البوصلة، ولن يسمح بان تغزوه القيم السوداء التي تسهل على المرء إنكار مواقف الآخرين الشجاعة اتجاهه، أو تقذف بالحمم في الأحضان التي ضمته بكل مودة وجرأة ومروءة، وسيبقي مدافعا عن العلاقة التاريخية مع شعب مصر دون أن يفرط بها أو يسيء لها قيد أنمله .

(رفح)

نافذ غنيم
السبت 16/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع